قانون حماية اللغة العربية

د. نهلا عبدالقادر المومني توضع التشريعات وتشرع القوانين لأهداف تتعلق بتنظيم سير المجتمعات، وتحديد أطر العلاقات المتبادلة بين أفراد المجتمع أو بين الأفراد والسلطات على اختلاف أشكالها أو لبيان حدود الحقوق والحريات وطبيعة الالتزامات المختلفة، وفي أحيان أخرى لإيجاد توازن في القوة بين اطراف العلاقة فلا يتوغل صاحب الأدوات والنفوذ والمكنات على الطرف الأضعف، كل ذلك وأكثر الهدف النهائي منه هو وجود معايير وضوابط تشكل مرجعية للأطراف كافة في حال التنازع أو الاختلاف أو تضارب المصالح وتعارضها فيما بينهم. هذا هو القانون وهذه لغته المعهودة، فهو الفيصل والحكم وهو الجازم لأمره ولأمر الآخرين، ولكن عند الحديث عن قانون حماية اللغة العربية رقم( 35) لسنة 2015 فقد يكون الأمر مختلفًا؛ فالدافع وراء هذا القانون هو الحب والكرامة، قانونٌ وضع حبًا للغة العربية واكرامًا لها؛ فاللغة لم تكن يومًا خصمًا أو تقف من فرقاء النزاع في حالة ادانة أو دفاع، لم تكن يومًا إلا الشاهدة على التاريخ والمصاحبة للشعراء في آلامهم وفخرهم وعشقهم وتحقيق أحلامهم أو ضياعها، إذا هو الحب الذي دفع لإقرار قانون يحمي اللغة العربية من فوضى الواقع وتبعثر الابجديات التي اتخذت مع التقدم العلمي انماطًا جديدة، لتحميها من هروبنا منها إلى ما يشكل لغات للعصر ولفرص أفضل. هذا الحب والاحترام للغة العربية هو ما جعل القانون يتوسع في الجهات التي ينطبق عليها ابتداءً بالوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية العامة والمؤسسات العامة والخاصة ومرورًا بالبلديات والنقابات والجمعيات والنوادي والأحزاب وانتهاءً بمنظمات المجتمع المدني والشركات، حيث ألزم القانون هذه الجهات باستخدام اللغة العربية في انشطتها ومنشوراتها كافة بغض النظر عن شكلها او قالبها. هذا الاحترام للغة والاكرام لها ما جعل القانون أيضًا ينص على أن اللغة العربية هي لغة المحادثات والمفاوضات والاتفاقيات والمعاهدات التي تتم مع الحكومات الاخرى والمؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية وهي لغة الخطاب التي تلقى في الاجتماعات الدولية والمؤتمرات الرسمية. وهو ما دفع المشرع أيضًا ليضع نصًا تشريعيًا يشكل قاعدة عامة بأن تلتزم مؤسسات الدولة كافة بالعمل على سيادة اللغة العربية وتعزيز دورها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني وفي الانشطة العلمية والثقافية. السعي نحو اقرار قانون لحماية اللغة العربية شكل خطوة مهمة في ترسيخ مكانة اللغة بمكنة قانونية واضحة النصوص بما يضمن الحفاظ عليها. وحيث إن الدافع لإقرار هذا القانون كان حبا واكرامًا لهذه اللغة الحبيبة فإن الالتزام بهذا القانون يتوجب أن يكون أيضا بدافع الشعور بمكانة اللغة العربية واكراما وتكريمًا وحبًا لها أيضًا. المقال السابق للكاتبة  الحق في الخصوصية وأخلاقيات النشراضافة اعلان