مدينة اقتصادية لتحقيق التكامل الاقليمي

يلعب الاقتصاد دورا حيويا في خلق حدود سياسية منسجمة، ومن هنا تنطلق أهمية الحدود في عنصرها الإيجابي في خلق مفاهيم وأسس اقتصادية واجتماعية مشتركة، فالعامل الاقتصادي يلعب دورا حاسما في تطور الشعوب ورسم آفاق مصيرها، إذ ان خلق مناطق اقتصادية حدودية من شأنه زيادة تحفيز النمو الاقتصادي، وكذلك وسيلة مهمة لتوليد الدخل وفرص العمل، وزيادة الاستثمار، وتحفيز التحول الهيكلي نحو نماذج اقتصادية أكثر تنوعا وأوسع نطاقا، حيث تعتبر الحدود عنصرا رئيسا في التكامل الدولي والإقليمي، وهذا ما نشاهده عند بعض الدول التي وصلت إلى مرحلة التكامل الاقتصادي الحدودي فيما بينها وخير مثال على ذلك الحدود بين الدول الأوروبية.اضافة اعلان
لقد مثلت علاقة الأردن بالعراق الذي يتشارك معه بحدود يبلغ طولها 179 كم، لعقود أنموذجا للعلاقة الإيجابية القائمة على التعاون والتنسيق الفاعل في المحيطين الاقليمي والعربي، وشكل العامل الاقتصادي عصب العلاقات الأردنية العراقية، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي مثلت التجارة مع العراق أهم أركان الاقتصاد الأردني، فقد أنشأ عام 1981 الشركة العراقية الأردنية للصناعة، ليس هذا فحسب، فالأردن وعلى مدى عقود كان يمثل عمقا ومنفذا اقتصاديا وتجاريا للعراق، وكذلك العراق على الدوام رئة الاقتصاد الأردني. وهذا واضح من حجم الاستثمار العراقي في الأردن بنحو 32 مليار دولار تتوزع على الأنشطة الاقتصادية المختلفة، بخاصة قطاع الأبنية والأراضي والسياحة والبنوك وسوق عمان المالية، إضافة إلى الودائع العراقية في البنوك الأردنية.
ان المصالح الاقتصادية والأمنية للبلدين الجارين الشقيقين، والحاجة المتبادلة لكل منهما للآخر في هذه المرحلة الصعبة، تدفع إلى المزيد من توسيع مجالات التعاون والتنسيق الثنائي وتعميق الروابط الاقتصادية والأمنية، وبالتالي يزداد اهتمام البلدين بالتكامل الاقتصادي، حيث وقع الأردن والعراق، العام الماضي، العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، منها استثناء منتجات البلدين من أي نظام تسجيل للواردات وتسريع استكمال الخطوات التنفيذية لإنشاء المدينة الاقتصادية المشتركة، إضافة للمضي بتنفيذ خط النقل الهوائي الكهربائي مزدوج الدائرة الذي يربط محطة تحويل الريشة مع محطة تحويل القائم وإعادة دراسة الإجراءات على منفذ الكرامة لتسهيل التبادل التجاري.
السوق العراقية تشكل عمقاً إستراتيجياً للمنتجات الأردنية والاستثمارات المشتركة، إذ كانت الصادرات الأردنية الى السوق العراقي تشكل 20 % من إجمالي الصادرات الوطنية، حيث احتل العراق المرتبة الرابعة كأكثر الدول استيرادا من الأردن خلال العام 2022 بأكثر من 615 مليون دينار. ومن المتوقع ان تشهد الصادرات الوطنية إلى الشقيقة العراق نمواً خلال الفترة المقبلة وعودتها إلى ما ما كانت عليه خلال العام 2013، والتي وصلت فيه الصادرات الأردنية إلى 883.1 مليون دينار وذلك في ظل قرب انشاء المنطقة الاقتصادية المشتركة بين البلدين على مساحة 22 مليون متر مربع من الأراضي الحدودية بين الأردن والعراق، والتي تعد خطوة إيجابية وفعالة نحو تعزيزالتعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين.
المشروع يشكل فرصة لبناء تكامل اقتصادي أردني عراقي في العديد من المجالات بخاصة الصناعية منها وتتيح المدينة الاقتصادية بعد إنجازها استفادة المنتجات والصناعات المنتجة فيها من إعفاءات ومزايا اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها المملكة مع العديد من البلدان بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف ما يتيح للمنتجات الأردنية الوصول إلى أكثر من مليار مستهلك دون أي قيود فنية أو جمركية بما فيها أسواق البلدين الشقيقين كون المنتجات المصنعة في المدينة الاقتصادية ستأخذ صفة المنشأ المشترك. وبالتالي تحفيز الاستثمارات المراعية لتغير المناخ وتنشيط القطاعات اللوجيستية وزيادة الصادرات في قطاعات الأعمال والطاقة والمال والتعليم والصحة والنقل والسكن والبنية التحتية الذكية والسياحة لخلق 50-100 ألف وظيفة على الأقل لأبناء البلدين.
إن إنشاء مدينة اقتصادية مشتركة على الحدود من خلال قوانين وتشريعات موحدة لتنظيم الاستثمارات، واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، سيعزز من التبادل التجاري باعتباره مشروعا إستراتيجيا يعزز فكرة السوق العربية المشتركة، ويخلق فرصا استثمارية، ويعزز الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية والقدرة التنافسية للشركات ويفتح فرص عمل لكلا الدولتين، لتكون هذه المدينة نواة تكامل اقتصادي بين الأردن والعراق ومصر وسورية والسعودية والخليج، وبالتالي تمكين الشركات من الاستفادة من وفورات الحجم التي تتيحها الأسواق الكبيرة، عبر إنشاء طرق نقل حديثة وخطوط سكك تربط بين هذه الدول من خلال مشروع العراق الاستراتيجي «طريق التنمية» الذي يعزز حركة التجارة بين الشرق والغرب بأساليب نقل أكثر استدامة ونشاطا.