"العدوان على غزة".. كيف غير نظرتنا للحياة؟

1698853500840135900
أرشيفية

 منذ بدء الحرب الوحشية على قطاع غزة ومعاناة القتل والهدم وتشريد الأبرياء العزل على يد عدو غاشم لم يتردد في ارتكاب أبشع المجازر؛  اختلفت نظرتنا في أمور كثيرة من حولنا كانت أشبه بمسلمات بالنسبة لنا. 

اضافة اعلان


أطفال ونساء وشيوخ، باتوا يفتقدون المأوى والطعام والماء حتى حقهم في العلاج لم يعد متاحا لهم. الناس في غزة يعيشون تحت القصف المتواصل وأصوات الانفجارات، هم في كل لحظة يواجهون الخطر من دون رحمة أو إنسانية، الموت يطوف بينهم. الأماكن جميعها لم تعد آمنة، رائحة الدم والخراب في كل بقعة ورغم ذلك، ما يزالون كشعب يتمسكون بأرضهم وقضيتهم رافضين التخلي عن حقهم بوطنهم ووجودهم. 


أمام كل تلك المآسي والمشاهد الموجعة، نحتاج جميعا إلى أن نستشعر النعم الكثيرة في حياتنا وندرك حقيقة واحدة، هي أن الأمان والسكينة والصحة وتأمين الاحتياجات اليومية من دون أدنى خوف أو قلق، ليست أمورا مضمونة على الدوام فالحياة قد تنقلب في لحظة.


أحداث غزة غيرت فينا الكثير؛ هذا ما تبينه أم سامر أن الحياة قبل "7 أكتوبر" تختلف تماما عما بعده تقول: "نحن كعائلة أصبحنا نقدر قيمة كل شيء فالنعم ليست تحصيلا حاصلا وأنها بلحظة قد تزول"، مشيرة إلى أن أبناءها أيضا تغيروا، فرغم صغر سنهم إلا أن نظرتهم للأمور أصبحت أوعى بكثير من تفاصيل الأشياء وباتوا اليوم يرون الأشياء بعين الرضا والامتنان.  


تقول: "إن الأمان والبيت والعائلة أشياء لا تعوض إن ضاعت، لذلك فلنكن مستشعرين لكل النعم صغيرها وكبيرها فلا شيء مضمون".


وتعترف (سوار 25 عاما)، أنها وبعد أحداث غزة تغيرت نظرتها للحياة كما أصبحت تعبر عن حبها للأشخاص المقربين منها. 


القتل والفقد والدمار وما تشاهده من قصص تدمي القلب، جعلها تقف قليلا وتفكر بكل ما مضى وتعيد حساباتها فقد كان يتملكها إحساس طوال الوقت بالحزن ويحرمها من الاستمتاع بكل النعم الموجودة لديها. 


سوار اليوم، تعلمت الكثير من الدروس وفهمت أن الحياة متقلبة وأن عليها أن تستثمر كل الفرص لتعيش ممتنة لأشياء تناستها في زحمة الحياة. تستذكر سوار صوت الرعد قبل أيام، والذي جاء هذه المرة قويا جدا وكأنه إشارة من الله، فرغم أنه لم يستمر طويلا إلا أنه أشعرنا جميعا بالخوف، وأول ما تبادر إلى أذهاننا في تلك اللحظة القصف في غزة وما يعانونه أهل القطاع هناك، من قلق وانتظار للموت أو تشوهات نفسية وجسدية ستبقى عالقة بالروح والذاكرة.


وحول ذلك، تبين الاختصاصية النفسية الدكتورة سلام عاشور، أن أحداث غزة جعلت المشاهد على تماس مع كل شيء، مع القسوة والقهر وهو يشاهد إزهاقا للأرواح، هذا كله تسبب بالكثير من المشكلات النفسية والاضطرابات وحالة من الصدمة.

 

والخوف الحقيقي هنا وفق عاشور، الوصول إلى درجة الإشباع نتيجة مشاهد العنف والدمار التي تنقل عبر الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، فكثرة الصور الدامية هذه وما فيها من خراب قد تؤدي بالغالب إلى قلة التأثر وهذا ما نخشاه.


والأسوأ، كما تقول، أن نفقد شعورنا برهبة الموت وتصبح الخيبة والعجز والإحباط هي المشاعر السائدة. 


وتلفت عاشور، إلى أن هناك جانبا آخرا للحرب على غزة كان سببا مباشرا في تغييرنا، وقد ترجم ذلك من خلال قرار المقاطعة والالتفات للصناعات الوطنية، إضافة إلى استشعار النعم فمنذ تاريخ 7 أكتوبر، إلى اليوم أصبحت نظرتنا للأمور أكثر وعيا قبل ذلك، لم نكن ننتبه إلى قيمة المسكن والمأكل والماء والدواء وحتى خوف أقرب الناس علينا كان في وقت من الأوقات، مصدر إزعاج وضيق.  فالدروس التي من الممكن أن نتعلمها في هذا الظرف الصعب، التعاطف مع بعضنا البعض في كل الأوقات، وليس فقط في الكوارث والحروب وأن يكون التعاطف صحيا فكل شخص من خلال موقعه قادر على المساندة والدعم وتوصيل الصورة كما هي بعيدا عن استخدام الغضب والصراخ وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة، كأسلوب للتعبير. 


وتنصح عاشور، بالابتعاد قدر الإمكان عن الشعور بالذنب، فكثير من الدول العربية عانت من الحروب وتبعاتها وإذا استسلمنا لشعور الذنب وأصبحنا رهائن له، فحتما سنبقى عاجزين نتجرع مرارة الخيبة. الإحساس بالذنب طوال الوقت يمنعنا من أن نعيش الحياة وتكون لنا رسالتنا. 


وتؤكد، أهمية أن يكون دورنا تفاعليا إيجابيا من خلال الدعم والمساعدة وغرس القيم في الأطفال تجاه القضية الفلسطينية.


ويشير الاستشاري الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، إلى أن النعم كثيرة منها: الصحة والمال والأسرة والعمل والأمن وراحة البال وغيرها الكثير. ومن الحكمة إدراك النعمة في وقتها، والمحافظة عليها، "بالشكر تدوم النعم". 


وربما كثير من الناس لا يدركون كثيرا من النعم، إلا إذا افتقدوها، فالمريض يدرك أكثر من غيرة قيمة الصحة؛ ومن يقع في مشكلة يدرك قيمة الاستقرار. الحرب الإجرامية المستمرة على غزة والتي أدت حتى الآن إلى استشهاد الآلاف معظمهم من النساء والأطفال، وهدم البيوت لها آثار كبيرة ليس فقط على أهالي قطاع غزة، بل على العرب والمسلمين والعالم وفق سرحان.


وتختلف تلك الآثار أو تتفاوت، والإنسان الواعي هو الذي يتعلم الدروس والعبر من كل ما يحدث له وغيرها. 


وإن كنا في الأردن نعيش مع غزة في كثير من التفاصيل، وفق سرحان؛ فإن الحرب الإجرامية التي يقوم بها العدو على الأهل والأخوة في غزة، استخدمت فيها كل أسلحة القتل والدمار والتجويع ومنع الدواء وقطع الكهرباء والماء والاتصالات، بهدف التأثير على المعنويات وكسر الإرادات القوية، إلا أنها لم تنجح.  ويلفت، إلى أن الدروس التي يجب أن يتعلمها الجميع ويستفيد منها خصوصا نحن في الأردن الأقرب إلى فلسطين؛ الصبر والصمود والثبات والتضحية، وتقدير نعم الله الكثيرة علينا. 


ويشير، إلى أن وجود النعم يستوجب الشكر. وألا ينسينا ذلك الاستعداد وتهيئة النفس والأسرة لأي ظروف صعبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

"اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم". فالحياة متقلبة وقد تتغير ظروف الإنسان، فالغني قد يصبح فقيرا، والسليم قد يمرض، وقد يمر المجتمع بظروف صعبة لا قدر الله.

 

وقد يواجه العالم أمراضا أو أوبئة كما حدث بعد انتشار "كورونا". ومن يستعد لظروف الشدة في الرخاء يسهل علية الصبر في ظروف الشدة، وعندما يفقد النعم أو جزء منها، وفي مثل هذه الظروف يجب أن نهتم أكثر بتقدير نعم الله علينا وأن نزرع هذه الثقافة بالجيل منذ الصغر.

 

اقرأ المزيد: 

تأثيرات الحرب نفسيا على أطفال غزة تخلف ندوبها على سلوكهم وحياتهم ومستقبلهم

"نشطاء غزة".. صوت الأمل في عتمة الحرب