صغار يُبقون الاعتداء الجنسي "سرا".. و"خوف الإفصاح" يستغله المتحرشون

مجد جابر

عمان - مع كل حادثة جديدة، تعود ظاهرة التحرش الجنسي لتظهر على السطح، وتؤشر على خطورة ما وصلنا اليه من أشخاص مغلفين بالشر والإجرام والأمراض النفسية وأبعد ما يكونون عن الانسانية، يعيشون بيننا. ولأن المتحرش عادة ما يستغل عامل الخوف لدى الضحية، فإن ذلك يدفعه في كثير من الأحيان ليختار الأطفال لجريمته واضطراباته وأمراضه النفسية.اضافة اعلان
طبيعة العنف الجنسي ضد الأطفال، تجعل من الإفصاح عنه أمرا في غاية التعقيد، وتشير الأبحاث الأممية من مجتمعات عدة إلى أن أغلب الأطفال المتعرضين للعنف الجنسي لا يفصحون عنه ويبقون الاعتداء سرا، وبعض الحالات النادرة يتم التبليغ عنها إذا اكتشفت صدفة أثناء الاعتداء، وكثير من الأطفال الذين ظهرت عليهم مؤشرات تعرضهم للعنف الجنسي ينكرون الاعتداء على الرغم من وجود أدلة كافية تؤكد حدوث الاعتداء.
اختصاصيون اعتبروا أن المتحرشين يختارون الأطفال عادة كونهم يستغلون عامل الخوف لديهم، وعدم فهمهم لما يدور حولهم، وغياب الإفصاح عما حدث، معتبرين أن أغلب حالات التحرش الجنسي على الأطفال تكون من قبل المحيطين والمقربين منهم.
ويؤكدون أهمية تشديد الرقابة بصفة مستمرة على الأطفال سواء فى المدارس أو الشوارع ومتابعة جميع أفعالهم وتصرفاتهم، وضرورة محاسبة المتحرش وعدم غلق الموضوع أو السكوت عنه، وضرورة تعريف الأطفال وتنبيههم بعدم الحديث مع الغرباء، وتوعيتهم بمعلومات بسيطة عن كيفية التصدي للمتحرش ومقاومته بالفرار من أمامه أو الاستغاثة بالمواطنين وعدم سماع كلامه والانسياق وراءه.
وفي ذلك، يذهب الخبير في مواجهة العنف وحقوق الأطفال ومستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان، إلى أنه قبل استعراض أسباب صمت الأطفال عن الإفصاح عن العنف والاستغلال يجب إيضاح أنواع الجناة في الجرائم الجنسية بمرجعية علم النفس الجنائي؛ فهناك عاشقو الأطفال وهي حالة نفسية مرضية تتصف بدافع ممارسة الجنس مع الأطفال عامة، وعادة ما يستغل المعتدي معرفته الطفل الضحية كقريب أو جار أو أحد أفراد أسرته أو من خلال تردد الطفل على ناد رياضي أو ثقافي، وعادة يبدأ التحرش بالطفل أو الطفلة بعمر أقل من سبعة أعوام ويستمر إلى مرحلة ما قبل البلوغ.
كذلك المعتدي الذي تتصف شخصيته بارتدادها لصفات المراهقة، وهؤلاء يتصفون بعدم النضوج الجنسي ويستغلون ضحاياهم من المقربين لهم في الحي أو المعارف أو الأصدقاء لدى وصول الضحية لعمر المراهقة.
والمعتدي الذي تتصف شخصيته بالاستحواذ للمتعة الجنسية، الذي يستخدم ضحيته كوسيلة للتخيلات الجنسية، وأنشطته الاستغلالية تتصف بأنها متفرقة وعادة ما يشعر بالندم عقب كل اعتداء.
والمعتدي الذي تتصف شخصيته بخلل ونقص عاطفي وبالاعتماد على الآخرين، وفق جهشان؛ عادة ما يكون وحيدا ومكتئبا ويرتكب الأنشطة الجنسية لشعوره بالحاجة إلى التقرب والألفة من ضحيته والجنس بحد ذاته ليس دافعه الرئيسي.
كذلك المعتدي الذي تتصف شخصيته بالغضب وباستخدام الأنشطة الجنسية مع الضحية للانتقام منها أو أقارب لها.
ويشير جهشان الى أنه يعتبر إفصاح الطفل عن تعرضه لاعتداء أو استغلال جنسي عنصرا حاسما في بدء التدخل لوقت الاستغلال ومنع تكرار الاعتداء، ومعالجة آثاره الفورية، وتقليل احتمالية حدوث عواقب وخيمة مثل الأمراض الجنسية المعدية والحمل والعواقب النفسية بعيدة المدى.
ويعتبر أن طبيعة العنف الجنسي ضد الأطفال ذاتهم والبيئة التي يحصل بها، تجعل من الإفصاح عنه أمرا في غاية التعقيد والتعسر، وتشير الأبحاث الأممية من مجتمعات عدة إلى أن أغلب الأطفال المتعرضين للعنف الجنسي لا يفصحون عنه ويبقون الاعتداء سرا، ويتم التبليغ عن بعض الحالات إذا ظهرت مؤشرات الاعتداء أو عواقبه على الطفل والتي قد تكتشف بالصدفة من قبل راعي الطفل أو من قبل المدرسين أو الأطباء، وبعض الحالات النادرة يتم التبليغ عنها إذا اكتشفت صدفة أثناء الاعتداء، وكثير من الأطفال الذين ظهرت عليهم مؤشرات تعرضهم للعنف الجنسي ينكرون الاعتداء على الرغم من وجود أدلة كافية تؤكد حدوث الاعتداء.
ويشير جهشان الى أن هناك العديد من العوائق التي تمنع الإفصاح عن العنف الجنسي ضد الأطفال، وأهمها صفتا التبعية والضعف الكامنان في مرحلة الطفولة، إضافة للعوامل الإدراكية والعوامل المعتمدة على مرحلة نمو الطفل، وعوامل أخرى تعتمد على البيئة التي يعيش بها الطفل وحالته النفسية التي تؤدي الى شعوره بالذنب وأنه هو المسؤول على تعرضه للعنف، وبسبب شعوره بالخجل والخوف من الوصمة بين أصدقائه وزملائه وأقاربه.
أغلب الأطفال يعتقدون أن أحدا لن يصدق ما حصل معهم وأنه لا يوجد أحد قادر على مساعدتهم، وهذا التخوف يظهر بشكل أوضح في الأطفال ذوي الإعاقة والأطفال الفقراء وفي المجتمعات المهمشة وفي مجتمعات اللجوء والحروب.
ووفق جهشان، فإن خوف الطفل من العقاب الجسدي والعنف النفسي والكلامي ضده أو ضد والدته أو أشقائه أو شقيقاته يمنعه من الإفصاح عن العنف الجنسي الذي تعرض له، وقد يكون خوف الطفل هذا متجها للمجرم الذي قام بالاعتداء عليه، خاصة في حال حصول العنف داخل الأسرة.
وعلى الرغم من برامج التوعية لعموم المجتمع وللمهنيين في القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية حول مؤشرات العنف الجنسي وضرورة الإبلاغ، إلا أن هناك إخفاقا كبيرا بالتبليغ عن الحالات المشتبهة. وجزء أساسي من برامج التوعية هذه موجه للأطفال حول حقهم بحماية أنفسهم وتشجعهم على الإفصاح والتبليغ، إلا أن هذه البرامج متعثرة لفقدها الاستدامة ولحساسية التعاطي مع الموضوع وخاصة في المجتمع المحافظ.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي التربوي الدكتور عايش مدالله النوايسة الى أن ظاهرة التحرش الجنسي في الأطفال ظهرت في الآونة الأخيرة وبشكل لافت، وهذا ما تشير إليه الإحصائيات الصادرة عن الجهات المتخصصة، ولعل أبرز الأسباب وراء شيوع هذه الظاهرة واختيار الجاني الطفل ناتجة عن ضعف قدرته الجسمية وانعدام الوعي لديه في المواضيع المتعلقة بالحياة والعلاقات الجنسية بين البشر في شكلها وحرمتها. لذا عادة ما يقع الطفل فريسة للجاني المتحرش الذي يعمل أحياناً على استخدام وسائل منها الإغراء بالألعاب أو الأكل لاستدراج الطفل الضحية، فالمتحرش يكون شخصا مضطربا دائما وغريبا في تصرفاته يتودد للطفل باستمرار وقد يكون من أقاربه في الأسرة أو الغرباء، ويجلس باستمرار معه.
وهنا، لا بد من من تشديد الرقابة بصفة مستمرة على الأطفال سواء في المدارس أو الشوارع ومتابعة جميع أفعالهم وتصرفاتهم، وضرورة محاسبة المتحرش وعدم غلق الموضوع أو السكوت عنه خوفا من الفضائح، وضرورة تعريف الأطفال وتنبيههم بعدم الحديث مع الغرباء، إضافة إلى الخصوصية الشديدة وعدم التعري نهائيًا في الملابس، وتوعيتهم بمعلومات بسيطة عن كيفية التصدي للمتحرش ومقاومته بالفرار من أمامه أو الاستغاثة بالمواطنين وعدم سماع كلامه والانسياق وراءه.
ومن وجهة نظر علم النفس، يرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن التحرش سلوك انحرافي صادر عن شخص منحرف في الأساس، بالنسبة للأطفال فإن المتحرش يعتمد على أنهم قد لا يفهمون ماهية ما يحدث معهم، إلا أن الأهم من ذلك هو أن أغلب المتحرشين يكونون من البيئة المحيطة للشخص، إما من الأسرة نفسها أو المحيطين بها.
لذلك، لا بد من الأساس أن لا يترك الطفل بعيدا وأن لا يغيب عن رقابة الأب والأم مهما كانت البيئة تعد آمنة، كون الطفل لا يعي ولا يدرك السلوك الذي تعرض له، لذلك فإن الرقابة الأسرية مهمة جدا للطفل، وفي سن معينة يجب أن يبدأ الطفل بإدراك طبيعة هذه السلوكيات التي يجب أن لا تحدث معه، وتوعيته بها بطريقة مناسبة لعمره.
ويشير مطارنة الى أن الأصل أن يبقى الطفل دائما تحت الرعاية الأبوية، مبينا أن هناك الكثير ممن تعرضوا للتحرش ولم يتحدثوا إما خوفا من الفضيحة أو الابتزاز، وهذا أمر خاطئ ويترك آثاره السلبية الكبيرة على صحة الإنسان النفسية.
وينوه لضرورة أن تقوم الأسرة بدورها في الوعي والرقابة والاهتمام، والمجتمع يقوم بدوره بردع هؤلاء المنحرفين والوقوف لهم بالمرصاد ونبذهم وإبعادهم عن الجميع.
ويلفت مطارنة الى أن الانعكاسات النفسية على الأطفال تكون كبيرة مثل الإحساس بالذنب الداخلي، تدني مفهوم الذات، غياب الجرأة والشجاعة والقدرة على التفاعل الاجتماعي، والخوف والفوبيا من أي شخص يشبه المتحرش أو المكان الذي يشبه مكان التحرش.
ويضيف "عندما يكون هناك أشخاص مضطربون ومرضى نفسيون مثل المتحرشين، فإنهم يشكلون خطرا على أي مكان يتواجدون فيه، وللأسف الخطر هو أنهم أشخاص مخفيون وغير واضحين، لذلك الحذر واجب من الجميع وحماية الأطفال من أي جرح تترك أثرها الطويل على المستقبل البعيد".