هل نستطيع العفو والتسامح أم تبقى هنالك "خطوط حمراء" يصعب تجاوزها؟

منى أبو حمور
العفو والتسامح

سنوات مرت على القطيعة، ومع مرور الوقت، ازداد الجفاء والبعد، بل وتسللت مشاعر البغيضة أيضا. لم تعد المسألة تتعلق فقط بالقدرة على المسامحة والعفو، بل بات الأمر يتعلق بمخطئ لا يُقرّ بخطئه، ويُكابر على ما فعله، وكأن حقوق الناس وكرامتهم لا قيمة لها أمام كبريائه.

اضافة اعلان


بهذه الكلمات تبرر جميلة محمد عدم قدرتها على مسامحة أحد أفراد عائلتها، على الرغم من مرور سنوات على المشكلة التي حدثت بينهما. فحجم الأذى الذي تسبب به لها كان كبيرا، وما زال يلقي بظلاله على حياتها.


ولكن ما يؤلم جميلة أكثر هو عدم اكتراث الطرف الآخر بمشاعرها، وعدم محاولته طلب الصفح أو الاعتذار عن تصرفه. فكأنّه لا يُدرك حجم الألم الذي سببه لها، ولم يحاول حتى طلب الصفح أو الاعتذار عما بدر منه.


تؤكد جميلة على أن المسألة ليست مجرد قدرة على العفو والتسامح، بل تتطلب أيضا شعورا بأن المخطئ يستحق ذلك، أو على الأقل إظهار ندمه على خطأه ويسعى لتصويبه، فكيف يمكن للفرد أن يسامح ويصفح عن شخص لا يقر بخطئه أصلا ولا يعترف به؟


ويتفق خالد وجهة نظر جميلة، مؤكدا أن الصفح والعفو من شيم الرجال الكرام، لكنهما يتطلبان مبادرة حقيقية من المخطئ. فكيف يمكن لمن أخطأ وتكبر على خطئه ولم يبادر أو يحاول، وكأنه لم يسبب أي أذى، أن ينال العفو والتسامح؟


ويعتبر خالد الصفح مع هذه النوعية من الأشخاص ضعفا، وكأنه يمنحه الحق في التطاول والتجاوز مرات عديدة.


الحال مختلف تماما مع أحمد العياش الذي يرى أن التسامح والصفح والعفو عند المقدرة هو ما حث عليه الدين الإسلامي وهو أيضا من المروءة والأخلاق الحميدة التي لايمكن أن يتحلى بها إلا الإنسان السوي المتصالح مع نفسه وهو ما يقوم به.
ووفق العياش فإن ممارسة التسامح والصفح والعفو هو أمر يقوم به يوميا، فقبل النوم كل ليلة، يصفح عن كل من أساء إليه خلال اليوم، ويتجاوز عن الأخطاء، طالما لم تسبب تلك الأخطاء أي أذى حقيقي له أو لعائلته.


يوضح العياش أن التسامح لا يشمل جميع الأخطاء، فبعضها لا يمكن المسامحة فيه، خاصة عندما يتعلق الأمر بعائلته وسمعته، فكثير من الناس يخطئون من دون وعي منهم بالأذى النفسي الكبير الذي يلحقونه بالآخرين، مؤكدا على أن مثل تلك الأخطاء قد تترك آثارا نفسية عميقة.


الاستشاري النفسي والتربوي موسى مطارنة، ينوه أنّ الإنسان بطبعه يميل إلى الخير، والإنسان الحكيم هو من يرى في هفوات الآخرين أخطاء ناتجة عن غياب الوعي، ويحاول فهم دوافعها وإيجاد التبرير لها، ممّا يُساعده على المسامحة.


ولكن في حال كانت الخطيئة كبيرة، قد يسامح الشخص لكنّه لن ينسى، وقد يضطر في بعض الأحيان إلى قطع علاقاته بمن أساء إليه.


ويلفت مطارنة إلى أن البعض يرون في التسامح ضعفا وتنازلا، لكنه ليس كذلك ولا يصدر عن ضعف وقلة حيلة وإنما من عزيمة صادقة وقوة إرادة وإيجابية وقدرة بالسيطرة على الغضب والعدوانية.


يُوضح مطارنة أن التسامح لا يقتصر على مجرد مسامحة المخطئ، بل يتضمن أيضا التماس العذر له وفهم دوافع خطئه، والبحث عن أسبابه، وتقديم العون له لتصحيح مساره.


يصف مطارنة الإنسان المتسامح بالشخص القوي، وذلك نابع من ثقته بنفسه ورقيه، ممّا يمكنه من الترقع عن الأذى، لافتا أن من يرفض التجاوز عن أخطاء الآخرين يتولد في داخله حقد وسواد كبيران، ولا يرى سوى الأذى ويغض البصر عن الجانب الإيجابي والحقيقي للإنسان.


"الإنسان بطبيعته خطاء وبالتالي يجب أن يكون التسامح حاضرا"، يقول مطارنة، منوها إلى أن ديننا وأخلاقنا تدعونا للتسامح والعفو، كما أن الأخطاء ليست جميعها متساوية، فبعضها تترك أثرا كبيرا وهو ما يجعل التسامح والصفح صعبا بالنسبة للكثيرين.


يشير مطارنة إلى أنّ الأخطاء التي تمس العائلة والأولاد وسمعة الشخص، تخلف آثارا نفسية سلبية، قد تُشكل تحديا كبيرا أمام التسامح. لكنه يؤكد على أن التسامح لا يعني بالضرورة المصالحة وعودة العلاقات إلى مجراها السابق، ففي بعض الأحيان قد يكون تجنب بعض الأشخاص له آثارا نفسية إيجابية كبيرة.


ويوضح أن هناك كثير من الأشخاص وجودهم في حياة الآخرين أذى بحد ذاته كالأشخاص السلبيين الذين لا يأتي من ورائهم إلا المشاكل والأذى النفسي، قد يسامحهم البعض على أخطائهم لكن كل طرف يبقى في طريقه حتى يحافظ على إيجابياته وسلامته النفسية.


ويبرر مطارنة عدم قدرة البعض على الصفح والمسامحة، إلى ما تسببه ذلك الخطأ من أذى كبير جدا وبالتالي لا يتمكن من تجاوز ما حدث، لكن الإنسان المتصالح في نفسه يمكنه التجاوز لأنه في قناعة نفسه يعلم أن الله سيأخذ له حقه وينصفه.

والعفو خلق كريم ولا يقدر عليه سوى صاحب الشخصية القوية ومن كان في قلبه إيمان قوي وهو ليس أمرا سهلا على الناس بحسب أخصائي علم الشريعة الدكتور منذر زيتون، فالقوة تكمن في العفو والتسامح.


وفي قول تعالى "فاعفو واصفحوا حتى يأتي الله بأمره"، فالأمر لا يتوقف على العفو بل والصفح ونسيان ما حدث فبعض الأشخاص قد يعفون ولكن تبقى في أنفسهم رواسب، وفي ذلك إرهاق للنفس.


قيمة العفو بحسب زيتون بأن ينزع الإنسان من نفسه ما يشغلها ويزيل من نفسه آثارا متعبة. ويقول، "الذي يعفو يتخلص من هذه المشاعر والتوتر الذي يتحول إلى عدائية وخصومة مع الوقت"، متابعا أن على المسلم أن يعفو ويصفح، لقوله تعالى "فاعفوا عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"، فالصفح إحسان وعمل صالح، ونحن مدعوون إليه حتى يبقى المعروف بين الناس.


ويتابع زيتون لايوجد شخص إلا ويخطئ، ولو أصر كل شخص على رأيه يرفض التسامح قد يلاقى بنفس الجزاء ولا يجد من يقبل بمسامحته، والمقصود أن الخطأ واقع لدى الجميع، وإذا الناس اعتادوا العفو فالكل سيعفو والكل سيتجاوز ويعذرون بعضهم البعض.


ويتساءل زيتون: مالذي يستفيده الأشخاص الذي لايصفحون ولا يسامحون؟ في حين أن المسامحة ستمنحهم أجرا كبيرا وعظيما، فعندما تسامح شخصا قد يكون في مقياسك الشخصي لا يستحق، ولكن بمقياس الله عز وجلّ الأمر عظيم وقد يعوضنا الله بدل ذلك أشياء كثيرة.


ويدعو زيتون بدوره الناس للتجاوز عن أخطاء الآخرين، والمخطئ أن يبادر للاعتذار والتسامح ولكن للأسف البعض تأخذهم العزة بالإثم ورفض الاعتذار.


ومن الأهمية بمكان ممارسة الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة، للتمكن من التسامح والعفو، لافتا زيتون إلى أن صعوبة التسامح في بعض الأحيان إلى عدم مبادرة المخطئ بطلب الصفح، مما يعيق عملية المصالحة وعودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي.

 

اقرأ أيضاً: 

في اليوم العالمي للتسامح.. دعوة لتقبل الثقافات وطي صفحات الخصام