"الفايبرومالجيا".. عدو جسدي ونفسي يعكر صفو حياة المصابين

"الفايبرومالجيا".. عدو جسدي ونفسي يعكر صفو حياة المصابين
"الفايبرومالجيا".. عدو جسدي ونفسي يعكر صفو حياة المصابين

في عالم مليء بالتحديات الصحية، يخوض الكثيرون معركة يومية ضد الأمراض المزمنة، بما في ذلك مرض الفايبرومالجيا، الذي يمثل تحديا كبيرا لكل من المرضى والأطباء.

اضافة اعلان


تقف سمر عوض، البالغة من العمر ثلاثين عاما، أمام طبيبها الذي أجرى لها فحوصات مكثفة شملت تحاليل الدم، صور الأشعة، والفحص السريري. ووصف لها عدة أدوية تحتوي على مرخيات العضلات وأدوية مضادة للاكتئاب، وشخص حالتها بأنها تعاني من آلام عضلية حادة ناجمة عن مرض الفايبرومالجيا. 


أكد لها الطبيب أن الألم الذي تشعر به، بالإضافة إلى الشعور بالتعب والإرهاق وقلة النوم، ليس له أسباب عضوية واضحة، مرجحا أن الضغوط النفسية والقلق قد يكونان من العوامل المساهمة في هذا المرض، حيث لم يتمكن الأطباء حتى الآن من تحديد سبب واضح للفيبروميالجيا.


تقول سمر: "أشعر بتعب دائم وألم في رقبتي، وفي نقاط محددة بيدي وكتفي، أحيانا أشعر بحرقة فيها. تختلف شدة هذا الألم؛ فأحيانا يكون شديدا لدرجة مؤلمة، مما يؤثر على مزاجي ويزيد من قلقي. 


وتتابع؛ "فكرة عدم معرفتي بما يحدث في جسمي تجعلني أشعر بقلق أكبر، وأتعب أكثر، ويبدأ عقلي بالتفكير في أمور وأمراض أكثر تعقيدا". السؤال الذي يؤرّقها دائما هو: هل سيزداد وضعي الصحي سوءا مع الوقت؟ وهل ستؤثر هذه الحالة على حياتي العملية والاجتماعية؟"


ومرض الفايبروميالجيا يمثل تحديا كبيرا للصحة النفسية، إذ يعاني المصابون به من الإجهاد النفسي والاكتئاب بسبب الألم المزمن والتعب المستمر.


يشرح اختصاصي العمود الفقري والعظام والمفاصل، الدكتور وسيم صالح، أن من أبرز أسباب مرض الفايبروميالجيا هو التوتر. يُعرف هذا المرض أيضا بمسمى "التليف العضلي المزمن"، وغالبا ما يكون ناتجا عن التعرض لصدمة عصبية أو عاطفية، مثل وفاة أحد الأقارب أو تعرض لحادث سير، أو تجارب متعددة من الضغط النفسي.


يوضح صالح أن أعراض الفيبروميالجيا يمكن أن تظهر في أي مرحلة عمرية، بدءا من المراهقة. ويؤكد أن هناك دراسات تشير إلى أن النساء يتأثرن بهذا المرض أكثر من الرجال، وذلك بسبب عوامل مثل الهرمونات، الحمل، الولادة، وكون المرأة عاطفية أكثر.


وينوه إلى أن هناك دراسات تبين أن الفيبروميالجيا منتشر أيضا بين الرجال، لكنهم غالبا ما يميلون إلى إخفاء مشاعرهم وآلامهم. وهذا المرض مزمن، ولكن يمكن تخفيف الأعراض بشكل ملحوظ لمن يلتزم بالعلاجات الموصوفة ويعمل على تغيير نمط حياته، لتكون الأعراض أخف وطأة.

 

وفقا للدكتور صالح، تظهر أعراض الفيبروميالجيا على شكل هجمات تشمل صداع متقطع، وآلام في جميع العضلات والمفاصل، مع وجود نقاط ثابتة وأخرى متغيرة للألم، إلى جانب خدران وتنميل، وحساسية شديدة للمس. كما يعاني المرضى من مشاكل في المعدة والقولون، وفي الحالات الشديدة جدا، قد يؤثر المرض على قدرة المريض على المشي.


يؤكد أن التشخيص يتم عبر الفحص السريري، بالإضافة إلى إجراء فحوصات مخبرية وشعاعية لاستبعاد وجود أمراض أخرى. أما بالنسبة للعلاج، فينصح دائما بالاعتماد على نظام غذائي صحي، يشمل الابتعاد عن القمح والجلوتين وتقليل السكر، وتجنب الأطعمة غير الصحية والوجبات السريعة.


ويوصي صالح بتجنب التوتر والضغط النفسي قدر الإمكان، من خلال تغيير نمط الحياة والانخراط في أنشطة مثل السباحة، تمارين الأكوا، اليوغا، والبيلاتس، علما أن الفائدة قد تختلف من مريض لآخر.


إلى ذلك، ينبغي الاهتمام بإجراء فحوصات دورية للفيتامينات والحديد، وأخذ العلاجات الدوائية التي قد تشمل مسكنات تتراوح من الخفيفة إلى القوية، لكن لا يُنصح باستخدامها بشكل مستمر. كما أن هناك علاجات بالأعشاب قد تناسب بعض المرضى، وفي حالات أخرى، قد يلجأ إلى أدوية الأعصاب، التي تختلف أنواعها ولا تناسب الجميع، وتبقى بحسب ما يقرره الطبيب المختص.


ويشير اختصاصي الأمراض النفسية الدكتور علاء الفروخ إلى أن التوتر والقلق يمكن أن يؤديان إلى أعراض وأمراض جسدية، لكن سببها الأساسي يعود إلى توتر نفسي شديد أو صدمات عاطفية لم يتم التعامل معها بالشكل المناسب. هذه التراكمات النفسية المزمنة يمكن أن تؤدي إلى أعراض جسدية مزمنة مثل القولون العصبي ومرض الفيبروميالجيا، حيث يكون السبب الرئيسي ليس عضويا بل نفسيا.


ووفق الفروخ؛ فإن نقص الوعي بأهمية الصحة النفسية والتردد في زيارة الطبيب النفسي مقارنة بالتخصصات الطبية الأخرى يزيد من معاناة الأشخاص، إذ تستمر الأعراض من دون تشخيص دقيق للسبب الحقيقي وراءها أو معرفة العلاج المناسب.

 

من الأهمية بمكان، التعرف على السلوكيات التي يمكن أن تحسن الحالة النفسية للفرد عند شعوره بالتوتر، مما يقلل من حدة الأعراض ويساهم في تحسين جودة حياته حتى يتمكن من الوصول إلى العلاج الفعال.


الفروخ يلفت إلى أن هنالك أدوية يتم وصفها للتخفيف من التعب العضلي، تشمل المرخيات التي يصفها أطباء العظام والروماتيزم، بالإضافة إلى أدوية مضادة للاكتئاب التي تخفف من حدة التوتر والقلق. وهذه الأدوية غالبا ما تكون مماثلة لتلك التي يصرفها الطبيب النفسي، مما يشجع الأشخاص على الاستعانة بالطبيب النفسي في حالات التوتر والقلق المستمر. 


أما العلاج في هذه الحالات يمكن أن يساعد الفرد على تجنب تطور الأعراض إلى حالات أكثر خطورة من المشاكل الجسدية.


يؤكد الفروخ أن من يعاني من الفيبروميالجيا يواجه ألما حقيقيا ومزعجا، وغالبا ما يشعر الأفراد بالخوف لعدم فهمهم للمرض وأعراضه في البداية. عندما يلجأ الشخص إلى أحد المقربين، تكون ردود أفعالهم مدفوعة بالمحبة، غالبا ما ينصحون بعدم التوهم، ولكن هذا قد يزيد من القلق والتوتر. لذا، من الضروري ألا يستمع الشخص لمثل هذه النصائح بل يجب دعمه وتشجيعه على التحدث عن آلامه ومعاناته دون تثبيط عزيمته.


يشدد على أهمية أن يستمع المقربون بعناية عندما يرغب أحدهم في الحديث عن مشاكله وأوجاعه. الاستماع الفعّال يعتبر علاجا حقيقيا يتيح التفريغ عن المشاعر، مما يساهم في تقليل التوتر وبالتالي التخفيف من المشكلات النفسية التي قد تؤدي إلى أمراض أخرى.


والعلاج الطبيعي يتضمن تمارين تهدف إلى تحسين المرونة وزيادة نطاق الحركة في المناطق المتأثرة، مما يسهم في تخفيف التشنجات وتعزيز القدرة على الحركة، حيث يعزز هذا النوع من العلاج قوة العضلات من خلال تمارين التقوية المحددة، مما يسهم في تحسين الدعم والاستقرار وتخفيف الألم.


يمكن للعلاج الطبيعي أن يرشد المريض إلى استخدام تقنيات ذاتية مثل التمدد والتنفس العميق والاسترخاء العضلي، والتي تساعد في إدارة الألم وتحسين الراحة. وأيضا في تحسين الوظائف الحيوية مثل التوازن، التنسيق، والقوة العامة، مما يعزز القدرة على أداء الأنشطة اليومية بفعالية أكبر.

 

اقرأ أيضاً:

طبيب: الفيبروميالغيا تصيب امرأة واحدة من كل خمس نساء