مفاوضات غزة.. ما مصير الصفقة وسيناريوهات الحرب؟

فلسطينيون يتفقدون أحد المباني لإنقاذ الجرحى وانتشال جثث الشهداء بعد قصفه من قبل الاحتلال في القطاع.-(وكالات)
فلسطينيون يتفقدون أحد المباني لإنقاذ الجرحى وانتشال جثث الشهداء بعد قصفه من قبل الاحتلال في القطاع.-(وكالات)
الدوحة - لم يخل الرد الإيجابي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مقترح الوسطاء من المطلب الأساسي الداعي لوقف الحرب على غزة، الأمر الذي وجدت فيه الحكومة الصهيونية صعوبة في قبوله، فأرسلت دباباتها إلى معبر رفح واحتلته في حركة استعراض للقوة.اضافة اعلان
ويهدف الاحتلال من هذا التحرك إلى ممارسة ضغوط ميدانية على حماس، بدون أن تضطر لإثارة حفيظة الولايات المتحدة والعالم بعملية شاملة في رفح.
مطالب أساسية
من المهم الإشارة إلى أن حماس تجنبت تقديم مقترح جديد كما فعلت في مرحلة سابقة من المفاوضات، وأعلنت موافقتها على مقترح الوسطاء بعد أن عملت معهم على إدخال تعديلات تتوافق مع مطالبها، وتؤمن مخرجا مناسبا للخلافات، وتسمح لحكومة نتنياهو بالنزول عن الشجرة التي اعتلاها برفض وقف إطلاق النار.
فاستخدمت مصطلحا سبق أن قدمته الولايات المتحدة، ويتحدث عن "وقف العمليات العسكرية والعدائية"، وأضافت لها "بشكل دائم".
علما أن التعديلات التي أجرتها هذه الحركة على صيغة باريس نجحت في تثبيت مطالب أساسية، وهي-حسب تصريحات قادتها- وقف العدوان بشكل دائم، وانسحاب الاحتلال من كامل قطاع غزة، وعودة النازحين بدون قيد أو شرط، والإغاثة وإعادة الإعمار وإنهاء الحصار، وإنجاز صفقة تبادل حقيقية وجادة.
وبهذا التكتيك، ظهرت حماس بموقف المسهل للاتفاق، على عكس الصورة التي كان يتمناها نتنياهو ويسوّق لها بأنها تعطل الاتفاق، بل إنها رمت كرة اللهب تجاه الحكومة المتشددة.
وبدون شك، فقد قدمت حماس استحقاقات مهمة، مثل تخفيض معادلة تبادل الأسرى لصالح التركيز على المطالب الإغاثية الإنسانية التي تخفف من آلام ومعاناة حاضنتها الشعبية، في ظل معركة طويلة يخوضها الشعب الفلسطيني مع الاحتلال.
كما تمسكت حماس بمطلب عودة النازحين بدون أي عقبات صهيونية، عبر التأكيد على انسحاب القوات الاحتلالية من معبر نيتساريم ودوار الكويت.
غير أن المقاومة لم تكن لتفرط بمطلب انسحاب الجيش الصهيوني من غزة، ووقف الحرب، إذ لا معنى لتبادل الأسرى، بدون أن يتم النص على عدم قيام جيش الاحتلال بشن عدوان جديد على غزة بعد أن تكون المقاومة فقدت ورقة الأسرى، وهي أهم ورقة تفاوضية لديها.
خلافات صهيونية
وعزز الاقتراح الجديد الخلافات داخل حكومة الحرب الصهيونية، فعلى خلاف رغبة نتنياهو الذي يريد تعطيل الصفقة ومنع الوصول لاتفاق يؤدي لوقف الحرب وتعريضه للمحاكمات، فإن عضوي المجلس من كتلة المعسكر الوطني، بيني غانتس وغادي آيزنكوت يطالبان بالتوصل لصفقة تؤدي لعودة الأسرى.
ويتناغم موقفهما مع الموقف الأميركي بهذا الصدد، بل ويتعرضان لضغوط من قاعدتهما الانتخابية حول جدوى استمرار وجودهما في حكومة فشلت في السابع من تشرين الأول (اكتوبر)، وتفشل في إدارة الحرب، وتسعى لإطالة أمدها لأهداف شخصية تخص نتنياهو.
غير أن إدارة نتنياهو للتفاوض سيؤدي إلى زيادة الخلافات داخل ائتلافه، خصوصا في ظل فشل الاحتلال من تحقيق هدفي الحرب بالقضاء على حماس وتحرير الأسرى.
وقد توصلت الأجهزة الأمنية الصهيونية مجتمعة على أن الكيان فقد ميزتين أساسيتين في هذه الحرب، وهما: الدعم الأميركي ووحدة الشارع، وأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، وذلك يضرب مبررات نتنياهو للاستمرار بالحرب وتسويق ذلك بشعار النصر الكامل الذي هو غطاء لرغبته في الاستمرار في الحكم، وتجنب محاكمته بالفساد وبالفشل في السابع من تشرين الأول (اكتوبر) وبعدها.
وسيؤدي الموقف المتشدد لنتنياهو إلى تسعير الاحتجاجات من قبل أهالي الأسرى، بما يشكل ضغطا متصاعدا على الحكومة بمختلف أطيافها.
إلى أين تذهب الصفقة؟
من الصعب التكهن بمستقبل الصفقة في ظل التفاعلات داخل الاحتلال، والصيغة التي ستتوصل لها الحكومة في التعامل مع مقترح الوسطاء، والتباينات مع الموقف الأميركي.
ولكن من المرجح أن تستمر المفاوضات أياما أو حتى أسابيع، وستشهد ضغوطا أميركية معتدلة على الاحتلال بما في ذلك محاولة ثنيها عن شن حرب شاملة على رفح.
غير أن هذه الضغوط المعتدلة، مثل تأخير وصول شحنات الأسلحة للكيان قد لا تكون كافية للجم طموح نتنياهو لاستمرار الحرب وتعطيل أي صفقة للأسرى، بما في ذلك المضي قدما في احتلال أجزاء أخرى من رفح مع احتمال التسبب بمجازر، ستؤدي إلى المزيد من تفكك الدعم الغربي للاحتلال، وتصاعد المواجهات مع حزب الله والحوثيين.
ومن المشكوك فيه أن يحقق العدوان على رفح نجاحا لم يحققه جيش الاحتلال في الشمال والوسط، بل قد يؤدي- حسب تقديرات الأجهزة الأمنية- لمواجهة أفخاخ إستراتيجية أعدتها المقاومة لجيش الاحتلال.
ومن المرجح ألا يتعامل نتنياهو جديا مع المفاوضات إلا بعد أن ينجح بتسويق إكمال مهمته واحتلال كل غزة وتحقيق هدف النصر الكامل، ولكنه قد يضطر مع تصاعد الضغوط الأميركية إلى التعامل الإيجابي مع مقترح الوسطاء قبل اكتمال مهمة احتلال رفح، خصوصا أن شركاءه لا يرون خلافات جوهرية بين ما يريده الكيان وبين ما هو معروض في الصفقة.
وقد يسفر ذلك عن الشروع بتطبيق المرحلة الأولى من الصفقة بعد التوصل لحلول مرضية للطرفين، مع استمرار تمسك المقاومة برهن المضي بالمرحلتين الثانية والثالثة ببند صارم يؤكد وقف إطلاق النار.
حيث إن المقاومة تستطيع من خلال تطبيق المرحلة الأولى أن تحقق إنجازات مهمة على صعيد إغاثة الشعب الفلسطيني ووقف جرائم الاحتلال فضلا عن النجاح بالإفراج عن نحو ألف فلسطيني بينهم 250 مقاوما من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، مع استمرار الاحتفاظ بالورقة الأهم وهم العسكريون.
غير أن نتنياهو وبعد الموافقة على الصفقة بإدخال تعديلات عليها، قد لا يستطيع تسويقها أمام شركائه المتشددين، بما يؤدي لانسحابهم من الحكومة. ولا يشترط أن يؤدي ذلك لانفراط عقد الحكومة، وذلك بعد تعهد خصمه المعارض نفتالي بينيت بتوفير شبكة أمان له إذا ما قرر المضي في الصفقة.
وربما يؤدي شعور الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بعدم توفر بدائل لهم في حالة الخروج من الحكومة، بالبقاء فيها ومحاولة تعطيل ما يستطيعون من الصفقة.
ولذلك قد يتضمن هذا السيناريو نجاحا للمرحلة الأولى، ولكن نجاح المراحل الأخرى يظل غير مضمون.
وفي كل الأحوال فإن توقيع الصفقة سيؤذن بنهاية حكومة نتنياهو على المدى المنظور، وسيعزز موقع المقاومة ويعطيها الفرصة لالتقاط أنفاسها في معركة مستمرة مع الاحتلال، وسيحبط محاولات إيجاد البديل عنها، مع تفعيل خطة إعادة الإعمار لقطاع غزة من خلال حكومة وطنية ضمن توافق فلسطيني.
وما تؤكده هذه المفاوضات أن المقاومة لا تدخل المفاوضات في حالة ضعف وانكسار، كما أن الاحتلال لا يدخلها ضمن حالة انتصار تستطيع بها فرض شروطها. ولكن معادلات الواقع التي تضغط على الطرفين تحتم عليهما اللجوء لصفقة تبادل ووقف النار ضمن جهود الوساطة العربية والدولية.-(وكالات)