"الابتزاز الإلكتروني": النساء ضحايا سهلة لمرتكبيه.. والتوعية مفتاح الحل

1713358156268276800
الابتزاز الإلكتروني -(تعبيرية)

- غالبية ضحايا الابتزاز من النساء والفتيات ما يعرضهن لخطر نفسي وجسدي 
- الابتزاز الإلكتروني نوع جديد من الجرائم ظهر مع انطلاق ثورة الاتصالات الحديثة

اضافة اعلان

- المبتز يستدرج الضحية بإخفاء نواياه في البداية ليحصل على ما يساعده في جريمته 

- التصدي لجريمة الابتزاز بالتوعية والقانون وتعزيز الثقافة المجتمعية والتعليم
- الخوف من الأهل والفضيحة يمنع بعض النساء من عدم التبليغ عمن يبتزونهن

 

عمان- "الابتزاز الإلكتروني"، مفهوم جرائمي جديد، بدأ يتوغل في حياة المجتمعات، مع انتشار وسائط التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، ويتفاوت حجم انتشاره بين مجتمع وآخر، إذ تعتمد قوة انتشاره أو ضعفه على قدرة المجتمعات في التصدي له أخلاقيا وعن طريق التوعية، وفي نطاق فهم القوانين، وتعزيز الثقافة المجتمعية، والتعليم، كل هذه العوامل وغيرها، يجب أن ترتكز على فهم طبيعة الابتزاز الإلكتروني، وكيف يجري ردع المبتزين والتصدي لهذه الظاهرة المتسللة إلينا.
وفي ظل ما استقرت عليه هذه الوسائط، كجزء مهم من حياتنا في التواصل مع بعض، اتيحت الفرصة لأن يصبح عالمها متاحا للجميع وبلا استثناء، ما جعل عمليات الاتصال عبرها سهلة وسريعة وممكنة، حتى أن هناك من يعتقد بأن ما يجري في هذه الوسائط الافتراضية، يمكن تطبيقه على الواقع، لذا برز في هذا المناخ أشخاص يستغلونها لأغراضهم ومنافعهم الشخصية، في الاحتيال والابتزاز وغيرها من أعمال الجريمة.
لكن أكثر الفئات التي تقع ضحية جريمة الابتزاز، هن النساء والأطفال من الجنسين، وبعض الفئات الهشة والأشخاص ذوي الإعاقة، والمرضى.
ويستخدم المبتزون الصفحات الشخصية في مواقع التواصل وبرامج المحادثة غالبا لملاحقة ضحاياهم، بطرق تتزين بمظاهر الرومانسية، أو الدين، أو الأخلاق العالية، أو الثراء، أو التعاطف، أو الصداقة، أو الحب، عند التواصل مع الضحية، لاستدراجها عبر حوارات منظمة ومدروسة عن طريق برامج المحادثة المكتوبة، ثم المسموعة والمصورة، إذ يمضي المبتزون فيها إلى تسجيل كل ما يقومون به، لاستخدامه بتهديد ضحاياهم، لاستغلالهم ماديا او جنسيا أو في أمور سيئة أخرى.
في هذا النطاق، تكشف إحصائيات وحدة الجرائم الإلكترونية، بأن 6 آلاف و131 شخصا لجأوا إلى القانون لحمايتهم من أشخاص ارتكبوا بحقهم جرائم ابتزاز واحتيال، واخترقوا خصوصيتهم، وقدحوا وذموا بهم، وهدّدوا حياتهم، وفق آخر أرقامها الرسمية.
وتشير تفاصيل هذه الجرائم، إلى تسجيل ألف و100 قضية تهديد لحياتهم عبر الفضاء الإلكتروني، وألف و700 قضية احتيال وألف و490 قضية انتهاك للخصوصية، وألف و900 قضية قدح وذم، و641 قضية ابتزاز.
في هذا النطاق، تتحدث فاطمة (اسم مستعار) عن تجربة عاشتها تحت وطأة عملية ابتزاز، أوصلتها في لحظات مؤلمة من حياتها إلى أنها كانت تبحث عن طريقة للانتحار أو الموت للتخلص مما جرى لها مع أحد المبتزين. 
تقول، إن الأمر وصل بها حين كانت تريد التخفيف من معاناتها المدمرة نفسيا، تلجأ إلى تناول أي حبوب مهدئة أو غيرها بدون أي وصفة طبية، لتشعر- على الأقل- بأنها قد ترتاح ولو نسبيا، لكن حياتها ظلت جحيما من القلق.
وتضيف فاطمة.. السيدة الثلاثينية، أن هذه التجربة المرة، وصلت بها إلى أن تتناول أدوية ضغط وسكري وغيرها دون أي حساب، وتحشو بها معدتها لتصل إلى الخلاص الذي ينهك نفسيتها، ويدمر حياتها.
وتشير إلى أن كل ذلك الهجوم على تناول الأدوية بدون وصفة طبية، أرادت منه، أن يكون وسيلة لإنهائها لحياتها، والسبب: زمن طويل وشاق عاشته، إثر تعرضها لابتزاز إلكتروني.
توضح فاطمة، أن سبب قرارها الذي اتخذته ذات يوم لأن تنتحر بواسطة هذه الأدوية، وفق ما أفصحت عنه لـ"الغد"، هو رغبتها بأن تضع نقطة النهاية لمسلسل التهديد والرعب والخوف والابتزاز الذي تعرضت له في الفترة السابقة من حياتها، تلك التي ظلت هادئة إلى أن وقعت تحت هراوة أحد المبتزين، فأصبحت تضع أي أدوية في حقيبتها، ظنا منها بأنه وفي حال علم زوجها بما حدث معها، فإنها لن تبرر أو توضح الأمر له، بل ستتجه إلى الخيار الأسهل: تناول تلك الأدوية والموت.
وفي نطاق ابتزاز النساء الذي يلهث وراءه مبتزون مهووسون، فإنهم يخضعون ضحاياهم في عمليات الاستغلال، بتهديدهن بالفضيحة أمام أفراد من أسرهن، مستغلين بذلك القيم الاجتماعية لمجتمعنا المحافظ، وعاداتنا وتقاليدنا، غير آبهين بأنهم بذلك يسعون لتدمير القيم الأخلاقية التي تحمينا من الخراب.   
تعود قصة فاطمة في "مسلسل" الابتزاز الإلكتروني كما وصفت، إلى ما قبل عامين، بحيث كان لديها حساب مفتوح على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وفيه تنشر صورا لاحتفالات عائلية، وذات مرة نشرت احتفالا بابنة لها، "لقي تفاعلا كبيرا، ولم تتوقف تعليقات المتابعين والمهنئين عليه، لكنني مع الوقت لاحظت أن هناك شخصا علق أكثر من مرة على الفيديو، ومن ثم بدأ يعلق على منشورات قديمة حول ابنتي مدرجة على صفحتي".
وتضيف "لم ألتفت كثيرا إلى تعليقات ذلك الشخص المتكررة، وبعد فترة وجدته يراسلني عبر (الماسنجر)، بإرسال أدعية تحفظ ابنتي من الحسد، وغيرها من الأمور التي تبدو في ظاهر إرسالها جيدة، لكن المغزى من إرسالها ساكتشفه لاحقا، وهو ابتزازي".
وقد اتخد هذا الشخص خطة لابتزاز فاطمة، تتخفى وراء عبارات دينية، وحكم أخلاقية، وغيرها من المأثورات والقصص، لتكون مداخل له كي يفتح باب الحوار على الماسنجر معها.
أمام هذا النوع من التواصل والحوارات تقول فاطمة، إن استمرار حواراتها مع هذا الشخص لم يكن مخيفا بالنسبة لها، وبالتالي فقد "زرع الاطمئنان في داخلي، واعتبرته شخصا يخاف الله ومتدينا". لم تكن تدرك أن كل ما جرى هو عملية استدراج لها لتصبح ضحية له.
تطورت الحوارات التي كانت تعتقد فاطمة بأن عنوانها صداقة بريئة مع هذا الشخص، لكن بعدها كما تقول "شعرت بأن الأمور بدأت تنحرف عن مسار الصداقة، فقد بدأ يطلب مني أن افتح كاميرا جهازي أثناء مراسلاتنا عبر "فيسبوك"، بحجة أنه يريد رؤية ابنتي، وكنت وللأسف أصدقه، ومن ثم بدأ يدخل في معرفة تفاصيل علاقاتي الأسرية، ويحرضني على أسرتي، ويوحي لي بأن زوجي غير مهتم بي وبعائلتي".
هنا بدأت خيوط لعبة المبتز تتضح لفاطمة، وتلمس في هذا النطاق المريب، بأن العلاقة مع هذا الشخص تأخذ بعدا مختلفا عما بدأت به، وتنحو إلى مسار يخرجها عن دائرة "الصداقة"، تقول" لذا شعرت بأنه يجب علي إنهاء هذا التواصل مهما كلف الأمر"، فقد بدأ الخوف والقلق منه يتسرب إلي بقوة، بخاصة "عندما أخبرته برغبتي بقطع تواصلي معه، فأظهر لي بأنه يحترم قراري، ومن ثم اختفى لبضعة أيام من عالمي".
لكن بعد فترة، وتحت ذريعة أنه يمر بأزمة مادية، لأنه يريد مساعدة صديق له، عاد وبدأ تواصلا جديدا مع فاطمة، تواصلا من نوع آخر، إذ صار يطلب منها نقودا كلها بذريعة حاجته للمساعدة، و"يلح علي كثيرا من أجل الحصول على مال مني، لكن حين أخبره بعدم استطاعتي مساعدته، يتحول طلبه للمساعدة إلى تهديد، يقول لي فيه بأنه سيتواصل مع زوجي، ويخبره بحواراتنا وبما يعرفه عن عائلتي".
تقول فاطمة عن هذه اللحظات العصيبة في حياتها "من هنا بدأت رحلتي مع القلق والتوتر والكآبة والانكفاء عن أسرتي. إذ انقلبت حياتي رأسا على عقب"، فقد دخلت في مرحلة ابتزاز والتعرض لتهديدات ذلك الشخص، الذي كان يضعها أمام مهل محددة، عليها أن تلبي فيها مطالبه المالية وترسل إليه ما يحتاجه من نقود، وفي حال تخلفت عن موعد إرسال النقود، كان يخبرها بأنه سيرسل تسجيلات صوتية جرت بينه وبينها إلى زوجها، لكنه حين لمس أنها غير مهتمة بتهديداته، وأنها لا تأبه بها، حتى وجدته في إحدى المرات يتحرك أمام منزل عائلتها، فصار يهددها بأنه سيقوم بـ"فضحها".
وبرغم ذلك وجدت نفسها برغم القلق الذي تعيشه، بأنه لن ترضخ له، حتى اختفى لفترة من حياتها، كما تقول، لكن هذا الاختفاء كان مؤقتا، إذ عاد، وهذه المرة كان يحمل مطلبا كبيرا، فقد طلب منها بيع سيارتها لتعطيه ثمنها، إلا أن السيارة ليست ملكها فقد أخبرته بأنها باسم زوجها وأن بيعها يتطلب موافقته، ما يعني أنها لن تفعل له شيئا، إلا أنه وبكل وقاحة، وهذه عادة المبتزين كما تقول، "عاد ليهددني من جديد، ليخضعني للأمر الواقع، لكني بقيت متماسكة".
وبرغم ذلك، فإن فاطمة تقول "لم أعد أنام، بدأت أفكر بالانتحار. لأيام كنت أخرج من منزلي بسيارة العائلة، واختفي في مكان ناء أحدث نفسي فيه، بأنني سأقتل نفسي. كان حجم الضغط علي كبيرا، فما قد يفعله هذا الوقع المبتز من فضيحة لي ستدمر حياتي. وفي الوقت نفسه، كنت أتناول ما تيسر لي من مهدئات، على نحو عشوائي، للحصول على لحظات هدوء مع نفسي والتوقف ولو قليلا عن القلق".
الأخطر في كل هذا، تقول فاطمة "حال الهروب من الحالة التي عشتها، ورغبتي بالتخلص من حياتي، كانت ترتبط برغبتي في ألا أرى وجه من أحبهم وهم يشعرون بالخجل مني، مع أني لم أرتكب أي أمر مشين بحقهم أو بحق نفسي". وتضيف "لفترات طويلة من العناء النفسي والكآبة عشتها تحت وطأة التهديد بالفضيحة إذا لم أُلب لهذا المبتز ما يريد". 
وفي مرة كما تقول "شعرت فيها بأن الأمور وصلت إلى الذروة، أصاب بالجنون، ولا أعرف نفسي، فقد تحولت من سيدة هادئة منظمة تشعر بالارتياح، إلى امرأة متوترة قلقة، لا تستطيع أن تفعل شيئا سوى التواري عن الأنظار والترقب".
لجأت فاطمة إلى صديقة مقربة لها، وأخبرتها بتفاصيل القصة، فأصرت الأخيرة بأن تقدم فاطمة شكوى وعلى الفور، إلى وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام.
تلك الصديقة كما تقول فاطمة عنها "منحتني ثقة كبيرة بنفسي، وأفهمتني أن هذا المبتز لن يتوقف عندك، فهو يستغل غيرك بتهديداته ويبتزهم، يجب أن يعاقب". فتقدمت بشكوى بحقه إلى "الجرائم الإلكترونية، وبعد التحقيق والملاحقة، ها هو يقبع حاليا في السجن، بتهمة الابتزاز والتهديد الإلكتروني.
والآن تعيش فاطمة حياتها كالسابق، تقول "أشعر بثقتي المطلقة بنصرة الله للمظلوم، وأنا بفضله انتصرت، لكنني بصراحة ما زلت أشعر بالخوف، برغم أنه مسجون، أشعر أنه شيطان ممكن أن أراه أمامي في أي لحظة!".
وفي سياق آخر، لم تمنع ثقافة الترهيب من البوح بما تعرضت له من ابتزاز، أو الخوف من النظرة المجتمعية، الشابة رند (اسم مستعار) ذات الـ28 عاما، من التقدم بشكوى إلى وحدة الجرائم الإلكترونية، ضد شخص حاول ابتزازها إلكترونيا، لكن تعاطفها ووفق ما سردته في حديثها مع "الغد"، مع عائلة الجاني، جعلها تقبل بالمصالحة والتسوية، عبر الحصول على تعويض مادي بدلا من السجن.
فقد تعرضت رند، التي تعمل في مجال خدمة العملاء بإحدى الشركات الخاصة في العاصمة عمّان، لابتزاز إلكتروني مرتين، الأولى من زميل سابق لها درست معه في الجامعة، والثانية من حبيب صديقتها.
التجربة الأولى جرت لها في العام 2018، عندما استطاع زميلها الجامعي السابق، اختراق حسابها على موقع "فيسبوك"، ليقوم بتهديدها بنشر صور لها وهي من دون حجاب في حال لم تقم معه علاقة جنسية تحت مسمى "أصدقاء بمنافع"، تقول: تجاهلت تهديداته لكنه بدأ يرسل صورها إلى قائمة من الأصدقاء عندها، فقررت حينها التقدم بشكوى بحقه لدى وحدة الجرائم الإلكترونية".
"سبب جرأتي في تقديم الشكوى، كان دعم وثقة أهلي لي"، فقد أخبرت عائلتها بما جرى لها مع هذا الشخص، تقول رند، وتضيف "أعلم أن حالتي تعتبر استثاء في الأردن، فغالبا عندما تتعرض نساء وفتيات لابتزاز وتهديد إلكترونيين، يفضلن الصمت والسكوت، وعدم تقديم أي شكوى تخوفا من ردة فعل عائلاتهن، إلى جانب رهبتهن من نظرة مجتمعنا إليهن".
وترى رند أن الخوف يشجع المبتزين على الاستمرار في جرائمهم، والأمر نفسه ينطبق على عدم تفهم المجتمع لواقع العلاقات اليوم، ولما قد تحدثه وسائط التواصل في ضعاف النفوس من محاولات لاستغلال النساء بالفضيحة بين الأهل والمجتمع، فيمارسون الابتزاز لوجود عدم تفهم عند جزء كبير من الناس لمثل هذه الأمور.
وتلفت إلى أنها تقدمت بالشكوى ضد هذا الشخص المبتز، لكنها أسقطت حقها الشخصي أمام القضاء، مع تعهد بعدم اللجوء لارتكاب هذه الجريمة بحق أي كان.
أما المرة الثانية التي تعرضت فيها رند للابتزاز الإلكتروني، فكانت في العام 2021 من شخص، كان على علاقة عاطفية مع صديقتها التي رفضت إلحاحاته المتكررة بإقامة علاقة جنسية معها، ما قاده إلى التوجة لابتزازها كي تلبي له رغبته، فأنشأ حسابات وهمية على موقع "إنستغرام"، وضع في كل واحد منها، صور صديقات للضحية بينهن رند، وفي هذا النطاق وضع  صورا لهن بدون حجاب، مرفقا على اسم كل حساب توصيفات خادشة للحياء تومئ لهن، ومن ثم أرسل لكل واحدة تهديدا يفيد بأنه سيبقي الحسابات مفتوحة في حال رفضن إقامة علاقات جنسية عبر "الأون لاين" معه.
وبعد محاولات تقديم شكوى ضده، تبين هذا المبتز، يعيش خارج الأردن، وفق ما أشارت رند في ختام حديثها.
الطبيب والأختصاصي النفسي والتربوي د. موسى المطارنة، قال لـ"الغد" حول معرفة الآثار النفسية المترتبة على ضحايا الابتزاز الإلكتروني من النساء، أن "مجتمع العالم الافتراضي أصبح يتم التعامل معه من قبل بعض الأشخاص، على أنه عالم حقيقي، بحيث أن ما يمارس في الحياة الحقيقية، أصبح يمارس في الحياة الإلكترونية، ومن ضمن الممارسات والسلوكيات جرائم الابتزاز الإلكتروني".
وأوضح المطارنة أن "أكثر من يتعرض للاستهداف كفريسة لجرائم الابتزاز الإلكتروني هم النساء والأطفال، نتيجة خصوصية هذه الفئة، فالمرأة قد يجري استغلالها إلكترونيا للوصول إلى علاقة جنسية معها، بداعي الحب أو الزواج، ومن ثم يجري تهديدها وابتزازها".
أما الآثار النفسية المترتبة على ضحايا الابتزاز الإلكتروني كما يضيف، فكبيرة جدا، بخاصة عندما تضطر الضحية إلى السكوت عما يجري لها، وعدم الإفصاح عما تعرضت إليه، تحت رهبة الخوف من المجتمع، وذلك يؤدي إلى الوقوع في فخ الكبت والضعف النفسي، وقد يتطور الأمر ليصل إلى الإحباط والاكتئاب الشديدين، ومن الوارد جدا، أن يصل التطور إلى حد الخطورة، كأن تتعرض الضحية نفسها إلى إيذاء جسدي، جراء حجم الضغط النفسي الكبير الذي تقع تحته.
لذلك، يختم المطارنة، هناك خطورة كبيرة على ضحايا الابتزاز الإلكتروني من النساء والفتيات، ليس فقط على نفسيتهن، بل أيضا على حياتهن.
فهل هناك وعي قانوني إلى حجم خطورة الجرائم الإلكترونية في الأردن؟ سألنا المحامية الأردنية لين الخياط، فقالت "لا يوجد وعي قانوني بخطورة الجرائم الإلكترونية، لكن هناك وعي لاحق عندما تقع الضحية فيها، ذلك أن دوافع مرتكب الابتزاز مثلا لا تظهر في البداية، وغالبا ما تكون بداعي الحب، فيبدأ بالتراسل مع الضحية بحجة تأسيس علاقة حب معها، ومع الوقت يجرها للدخول في خصوصيتها، تحت بند الأمل في نشوء علاقة زواج معها، واستجابة الضحية لها، يعكس حجم حرمانها العاطفي، لذلك تقع ضحية تصديقه".
ويقصد بالوعي اللاحق لخطورة الابتزاز كما تفيد الخياط أنه "عندما تكتشف الضحية بأن الشخص الذي أمامها خدعها بجدية إقامة علاقة حب معها ليس صادقا، بل هو شخص مبتز، ونيته إيقاعها في فخه للحصول على مبالغ مالية منها، ويبدأ معها رحلة ابتزازها للحصول على سيارة أو مبلغ كاش أو غيرها من الأمور".
وحول ما إذا كانت تتناسب القضايا التي تصل للمحاكم  مع حجم جرائم الابتزاز الإلكتروني التي تحدث بالفعل؟ استبعدت الخياط الأمر، وقالت "لا أعتقد ذلك، وأرجح بأن أعداد الشكاوى التي تصل للمحاكم، أقل مما هي عليه في وحدة الجرائم الإلكترونية، خصوصا وأن أغلب تلك القضايا حساسة، وتصل إلى درجة كبيرة من الخطورة، وبناء على رغبة الضحية أي المشتكية، تفضل ألا تصل شكواها إلى المحكمة".
وهنا تشير الى أن خوف الضحية من وصول شكواها، يعرضها للابتزاز، كما تضيف، أن حصول المبتز على وثائق "يورطها مجتمعيا" بخاصة الصور، والأحاديث بينهما خلال المراسلات.
وتقول إن "الابتزاز الإلكتروني أصعب من جريمة التحرش الجنسي، لأن سكوت الضحية عن تعرضها لتحرش، يكون سببه الخوف من الوصمة الاجتماعية، لكن فيما يتعلق بالابتزاز فخوفها نابع عما صدر عنها، وبالتالي تشعر بأن مدانة".
واستشهدت بحادثة تابعتها على نحو شخصي، عندما هدد شخص ضحية، ادعى في بداية علاقته الإلكترونية بها، أنه ينوي الزواج منها، بفضح صورها أمام أهلها وجيرانها في الحي التي تسكن فيه، ووصل الأمر إلى محاولة الضحية الانتحار.
وتضيف "نعم، قد تصل خطورة الابتزاز للانتحار والقتل، وتصل غالبا إلى هدم الأسرة، أو اضطرار الضحية للهروب من البلد، والفصل من العمل، ناهيك عن الأمراض النفسية كالاكتئاب".
وفي حديث أجريناه مع الخبير القانوني وقضايا الجرائم الإلكترونية المحامي خالد الخليفات، أشار إلى أن المادة (415) من قانون العقوبات، تحدثت عن الابتزاز، بمفهومه البسيط " كل من هدد شخصا بفضح أمره أو إفشائه أو الإخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو من شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبالغرامة من خمسين دينارا الى مائتي دينار. وكل من ابتز شخصا لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له أو لغيره، عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين دينارا ولا تزيد على مائتي دينار".
واعتبر الخليفات، بأن الابتزاز الإلكتروني نوع جديد من الجرائم، ظهر مع ظهور ثورة الاتصالات الحديثة، وما عزز وجوده سهولة الاتصال والتواصل والسرعة في الانتشار، بحيث ينتشر أسرع وأخطر من طرق الابتزاز القديمة.
وقال "برأيي في ظل الخطورة التي تسببها سهولة وسرعة الانتشار في جرائم الابتزاز الإلكتروني، هناك حاجة ملحة لتغليظ العقوبات الواقعة على مرتكبي هذه الجرائم، وذلك عبر تعديل قانون العقوبات، بما يتناسب وحجم خطورتها".