خطاب الكراهية المستعر في الغرب يدق جرس التوجه للتربية الإعلامية

1697833080053101300
أطفال يشاركون في مسيرة تضامنية بعمان لدعم الأشقاء في غزة-(الغد)

تبرز أهمية التربية الإعلامية والمعلوماتية في نشر ثقافة حرية التعبير، ومواجهة خطاب الكراهية في المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى.

اضافة اعلان


وفي وقت يرتفع فيه سعار هذا الخطاب في الإعلام الغربي، للتحريض على الأبرياء والمدنيين والآمنين في قطاع غزة، في ظل الحرب الدائرة على القطاع، تثار تساؤلات عديدة، حول أبرز ما نتطلع اليه في تدريس الطلبة مهارات وكفايات التربية الإعلامية، والطريقة المثلى في تدريسها للوصول الى تحقيق الغاية منها؟


وكعادته، فإن خطاب الكراهية الذي يشتد سعاره في الغرب، سينجم عنه تحريض المتعصبين والمتطرفين الواضحين أو الكامنين، لارتكاب جرائم ومظاهر عنصرية، ضد العرب والمسلمين، ولعل ما أثارته الجريمة النكراء التي استهدفت طفلا فلسطينيا (6 أعوام) بـ26 طعنة في الولايات المتحدة الأميركية، مؤخرا، استدلال لا لبس فيه، على مؤديات هذا الخطاب المروع.


ولعله لا يخفى على أحد على وجه الكوكب، حجم الضخ التحريضي الغربي على الفلسطينيين والعرب والمسلمين، في المدارس ووسائط الإعلام الغربية، الى جانب تصريحات سياسيين غربيين ومفكرين ومؤثرين، ذات الطابع العنصري والمتطرف.


وهو ما ينجم عنه اتجاهات تعزز الكراهية في المجتمعات، وتقودها الى حالة من الانفصام القيمي والأخلاقي، فقد وصفت الجريمة بحق الطفل الفلسطيني الذي قتله أميركي (70 عاما) في وسائل الإعلام الأميركية، بأنها جريمة كراهية، في وقت انتشرت فيه خطابات موازية عند وقوع الجريمة، تحرض على الفلسطينيين، تحت ذريعة التحريض على المقاومة الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال الصهيوني، من سياسيين أميركيين، وغربيين، وشخصيات مشهورة شعبيا.


مدارس المملكة، باشرت منذ مستهل الفصل الدراسي الحالي، بتدريس كفايات التربية الإعلامية والمعلوماتية، وقد ضمنتها بمناهج وكتب اللغة العربية والدراسات الاجتماعية للصفوف: 1 و4 و7 و10، إضافة الى كتب التربية الإسلامية من الصف 1 حتى 11.


خبراء في التربية ومختصون في الشأن الإعلامي والقانوني، قالوا في أحاديثهم المنفصلة لـ"الغد"، إن تدريس هذه المفاهيم والكفايات، يجب أن يبتعد عن الطرق التقليدية في التعليم، بل يتوجب أن يجري عبر توظيفها في الحياة اليومية، بحيث تضمن لها النجاح والاستدامة، واعتماد الأسلوب التفاعلي، عن طريق مجموعات وحوار ومناقشة ومناظرة في تدريسها.


في هذا النطاق، يتطلع المركز الوطني لتطوير المناهج لإدماج مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية في الكتب المدرسية، بهدف تحصين المجتمع في تعامله مع التكنولوجيا الرقمية والاتصال والإعلام المعاصر، ومساعدة أفراده على التوثق من تلك المعلومات والبيانات التي يرونها قبل تداولها، وتقييم محتواها الإعلامي، ليتمكنوا من التفريق بين الأخبار الكاذبة والصحيحة.


كما أن هذه الكفايات، تعزز قيم المواطنة الرقمية، وتسهم بمحاربة الإشاعة والتزييف والتصدي لخطاب الكراهية، وتنمي مهارات التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة، والوصول إلى المحتوى المعلوماتي والإعلامي الأكثر موثوقية، والتمكين من إنتاج محتوى إعلامي، يخدم قيم التسامح والتعددية ويرتكز على الهوية والقيم الوطنية.


عضو مجلس نقابة الصحفيين الزميل خالد القضاة، قال إن إدماج مفاهيم وكفايات التربية الإعلامية والمعلوماتية، في غاية الأهمية، في ظل الثورة الرقمية التي نعيشها الآن، إضافة الى أنها تعلم الطلبة كيف يمارسون حقوقهم بطرق صحيحة.


وأضاف القضاة، أن النصوص الإعلامية التي تقدم للطلبة في الكتب، يجب أن تتلاءم مع مراحلهم العمرية، فالغاية منها ليس النجاح والرسوب، وإنما الكفايات والممارسات التي يجب عليهم امتلاكها وإتقانها في حياتهم اليومية، معتبرا أن تحقيق الغاية من تدريس هذه المفاهيم، مرتبط بضرورة ترجمتها تطبيقيا في الغرف الصفية.


وأكد ضرورة عدم تدريس هذه المادة على نحو تقليدي، بل بتوظيف هذه المفاهيم في الحياة اليومية، بحيث تضمن نجاحها واستدامتها، واعتماد أسلوب تفاعلي، أكان عبر مجموعات العمل أو المناظرات والحوار، الى جانب الصور والفيديوهات التوضيحية، لما يجب استخدامه من مفردات أو عدمه.


وأوضح القضاة، أن كثيرا من الطلبة يستخدمون مفردات من خطاب الكراهية وأشكال من التنمر، داخل أسوار المدارس أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولكنهم لا يدركون ذلك. من هنا تأتي أهمية وجود مبحث منفصل للتربية الإعلامية والمعلوماتية في المدارس.


وأشار الى أهمية وجود مسار في كليات الإعلام في جامعات متخصصة للتربية الإعلامية، لتسهم بتخريج طلبة يمتلكون الكفايات اللازمة لتوصيل هذه المفاهيم، بصورة يفهمها الطلبة، أي أنهم يمتلكون استراتيجيات التدريس، والمهارات الإعلامية.


وشاركه الرأي، أستاذ التشريعات الإعلامية الخبير القانوني د.صخر الخصاونة، الذي عرف خطاب الكراهية، بأنه الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فردا بناء على خصائص متأصلة (مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي وغيرها)، ما يهدد السلم الاجتماعي.


وبين الخصاونة، أن هذا الخطاب يؤدي لإثارة النعرات الطائفية والعنصرية، التي بدورها تشكل ردود فعل تجاه الأفراد، خصوصا إذا ما جرى تهذيب ما ينشر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، لافتا الى أن العهد المدني للحقوق المدنية والسياسية، جرمه.


وأوضح أن خطاب الكراهية، يبدأ تناميه في محيط الأسرة، وصولا الى المجتمع، فهو يميل للسخرية وتنمر طلبة مدارس تجاه طلبة أضعف منهم، فيبدأون نعتهم بصفات تقلل من قيمتهم، وتؤثر على نفسيتهم، وهذا ما يطلق عليه التنمر المدرسي، الذي انتقل الى الفضاء الالكتروني أيضا.


وأشار الخصاونة، الى أن قانون الجرائم الالكترونية، يحد منه ومن التنمر الالكتروني، الذي بتنا نراه في مواقع التواصل، لافتا الى أن إدماج مفاهيم وكفايات التربية الإعلامية في الكتب المدرسية، أضحى ملحا الآن، في ظل التطور التكنولوجي الكبير حاليا، وتنوع مصادر المعلومات.


وأكد أهمية تدريس المفاهيم والكفايات على شكل مواقف، في نطاق حصص اللغتين العربية والإنجليزية، والدراسات الاجتماعية التي تتناول مواضيع خطاب الكراهية وأثره على المجتمعات، والتنمر ومضاره، والطرق المثلى لاستخدام التكنولوجيا، وكيفية التحقق من المعلومات والأخبار، وإنشاء محتوى خال من المخالفات، كالقدح والذم والاعتداء على الحياة الشخصية والكراهية والعنف.


ولفت إلى أنه في حال بقاء الفجوة بين ما يتعلمه الطالب ويمارسه أو يشاهده على أرض الواقع، لن نحقق شيئا، لافتا الى ضرورة توفير عوامل نجاح لهذه الخطوة، أبرزها عدم تدريس هذه المفاهيم ضمن حصص تقليدية عن طريق الحفظ، بل الهدف المطلوب، توظيفها في الحياة اليومية، بحيث تضمن لها النجاح والاستدامة.


وشدد الخصاونة، على أهمية تقديم المفاهيم والكفايات الإعلامية والمعلوماتية الواردة في المواد المختلفة، بأسلوب الحوار والمناظرة والمناقشة، لافتا إلى أن ترسيخها في أذهان الطلبة، يجب أن يكون عبر تطبيقات عملية في الغرفة الصفية على شكل أنشطة حية نموذجية تحليلية ونقدية للمواقف، مؤكدا أهمية تعزيز المساواة بين الطلبة وتعليمهم المسامحة والاعتذار عن الأخطاء، وتدريبهم على قبول الرأي الآخر واحترامه.


وبدوره، قال الخبير التربوي د.عايش النوايسة، إن وزارة التربية والتعليم تسعى لتسليح الطلبة بوسائل تحميهم من الإنترنت وخطره في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات، وتعليمهم كيفية الاستفادة من المواقع والمعلومات على شبكته، والتحقق من المعلومات التي تنشر عليها ومدى مصداقيتها، والتمييز بين الإشاعة والخبر الحقيقي، ووجهة النظر والمعلومات، وأهمية ذلك في عالم الانترنت والمعلومات والمجتمع الرقمي.


كما أنها تسعى، بحسب النوايسة، لتمكين الطلبة من التعبير عن رأيهم بشكل مسؤول وتفاعلي، يقبل الرأي والرأي الآخر، والتركيز على تعليم إنتاج المحتوى المرئي وصحة الأخبار، وأخلاقيات بث ونشر المحتوى الإعلامي والخصوصية والأمان عبر الإنترنت.


وبين النوايسة، أن الطريقة المثلى لتدريس التربية الإعلامية، تستند إلى الربط مع الواقع عبر طريقة التدريس خلال الأحداث الجارية، من حيث الربط بين الحدث الإعلامي والواقع الزمني، فعند إقرار قانون الجرائم الإلكترونية، مثلاً، على المدرسة والمعلمين، معالجة الموضوع بصورة تربوية، عن طريق تمكين الطلبة من استخدام أدوات التحليل والفهم، لمعرفة السياق الذي أقر فيه القانون والحاجة إليه، بحيث يجعل الطلبة سفراء لنقل الفكرة والحاجة للقانون، وكأنهم يمثلون الجانب المعني بالقانون، ما يعني الوصول بالطلبة إلى حالة المسؤولية المجتمعية، وهذا واحد من أهم أهداف التربية والتعليم.


وأكد أن على المدرسة تزويد الطلبة بالمنهج الخاص في التعامل مع الأخبار والأحداث، بتمكينهم من مهارات التفكير الناقد، بحيث لا يقبل الخبر أو الحدث على أنه مسلم به، إذ لا بد من تحليل الأفكار ونقدها وتمحيصها، للوصول إلى الحقيقة، ومن ثم تبنيها ونشرها.


وأشار الى أن التربية الإعلامية والمعلوماتية، لها دور كبير بإعداد جيل ذي معرفة وفهم لقضايا الأمة، ومنها القضية المصيرية (القضية الفلسطينية)، ففي زخم الأحداث، وسيطرة الصهيونية على أدوات الإعلام الغربي، لا بد من توظيف طريقة الأحداث الجارية بتوعية الطلبة بما يجري، وكيفية التعاطي معه، بخاصة وأن هذا الجيل يوجه عبر وسائل التواصل ذات التأثير الكبير على السلوك، من هنا يتوجب تمكينهم من فهم الواقع وتقديره، والتعايش مع الآخرين، واستيعاب مقتضيات العصر، وآليات التفاعل مع العولمة، وتعبئة الشباب لمواجهة الأحداث الطارئة وغير الطارئة.


وشدد النوايسة، على ضرورة تمكين الطلبة من المهارت التي تعينهم على المواجهة، عوضاً عن الخوف والاستسلام أو الانعزال والرفض أو التبرير، أو إسقاط المشكلات على الآخرين، كما تعنى التربية الإعلامية بمساعدة الطلبة على فهم حقوقهم وواجباتهم، وتقدير قيم الشورى والإخلاص، وحب الوطن، والانتماء، واحترام الآخر، والحرية، ومواجهة الإشاعات والتضليل، ومحاربة الانحرافات الفكرية والمنحرفين، وفق طرق مناسبة لذلك.


وبين أن كل ذلك، يحتاج إلى منهاج متطور قادر على استيعاب التغيرات والتطورات المتلاحقة على الأصعدة والمجالات كافة، ولا بد من الاستناد إلى المنحى التكاملي في المنهاج، لجعل التربية الإعلامية جزءا من تعلم وتعليم المواد الدراسية كافة، وألا تقدم منفصلة، وهذا يحتاج إلى معلم مهني كفء معد بطريقة احترافية، بتمكينه من أدوات وطرق تدريس التربية الإعلامية المختلفة.

 

اقرأ المزيد : 

الأردنيون ينتصرون لفلسطين ويطالبون بوقف الإبادة الجماعية