مسارات نحو المستقبل والسلام: 63 عاما على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن

AlmahrahPost2022-06-12-899297
اليمن والأردن
سمير الحباشنة * 
د. باسل باوزير **

يصادف هذا العام الذكرى الـ63 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن، وهي فرصة خاصة لاستحضار الماضي وإدراك الحاضر، وتصور مسارات نحو المستقبل والسلام. اضافة اعلان
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن في فترة مبكرة نسبياً، وذلك إذا ما قورنت بنشأة العلاقات الدبلوماسية بين العديد من الدول العربية الأخرى، ففي 19 نيسان (إبريل) 1961، تأسست العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وحتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، كانت العاطفة العربية بين شعبي البلدين متجذرة بعمق، فمداميك العلاقة المتينة بينهما بدأت منذ 1939 عندما وصلت البعثة العسكرية الأردنية الأولى إلى المكلا عاصمة سلطنة القعيطي في حضرموت، وذلك لتولي مهمة تدريب الجيش الوليد للسلطنة القعيطية الحضرمية.
ولم تقتصر العلاقات الأردنية مع السلطنة القعيطية الحضرمية على التعاون العسكري، وإنما اتسعت لتشمل التعاون التعليمي، اذ أرسلت حكومة شرق الأردن في ذلك الوقت، بعثات لمعلمين أردنيين لتولي التدريس في المدارس الحضرمية، بخاصة مدارس الفتيات.
كذلك كان حال العلاقات بين المملكة المتوكلية اليمنية "قبل قيام الجمهورية" مع الأردن، بحيث بدأت العلاقات بينهما مبكراً منذ أربعينيات القرن الماضي، وشهدت تنسيق سياسي كبير نتج عنه مشاركة اليمن إلى جانب إمارة شرق الأردن بتأسيس جامعة الدول العربية (1945).
وفي مطلع السبعينيات، تطورت العلاقات الثنائية بين الأردن واليمن لتشمل التعاون في المجالات كافة، وصولاً إلى توقيع البلدين لاتفاقية إنشاء اللجنة العليا المشتركة بين البلدين في 22 كانون الثاني (يناير) 1989، وبموجب هذه الاتفاقية، تتولى هذه اللجنة التشاور والتنسيق والتعاون في مختلف المجالات وبصفة خاصة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعملية والفنية. 
وكانت اللجنة العليا، نقطة الالتقاء التي يجري خلالها مناقشة وتطوير العلاقات الثنائية، وانعكاساً لذلك النمو في العلاقات، عقدت اللجنة منذ إنشائها 14 دورة أعمال بالتناوب بين صنعاء وعمّان، نتج عنها توقيع نحو 92 من الاتفاقيات والبروتوكولات والبرامج التنفيذية ومذكرات التفاهم التي شملت المجالات كافة، وقد اعتبرت كل الحكومات المتعاقبة في البلدين هذه العلاقات مهمة، واستثمرت بكثافة في تعزيزها، بحيث يناقشا القضايا التي تغطي النطاق الكامل للعلاقات الثنائية، عبر الاجتماعات الدورية التي تعقدها اللجنة وكان عقد آخر دورة لها في صنعاء عام 2014.
إن العلاقة الأخوية الدائمة بين البلدين، تضرب بجذورها في الدفء المتبادل وحُسن النية، وتعززها التبادلات المتكررة رفيعة المستوى بين قيادتيهما، واكتسبت هذه الرابطة أهمية كبيرة بعد مشاركتهما بتأسيس مجلس التعاون العربي في 16 شباط (فبراير) 1989 الذي ضم العراق ومصر إلى جانب اليمن والأردن.
والعلاقات بين البلدين عميقة الجذور ومتعددة الأوجه، إذ شهدت السنوات القليلة الماضية، بخاصة قبل اندلاع النزاع في اليمن، مبادرات جديدة، لتعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية في مجالات متنوعة، بخاصة في التعليم الجامعي والسياحة العلاجية.
بعد اندلاع النزاع في اليمن عام 2015، اضطلع الأردن رسمياً بدور مهم في جهود إعادة السلام هناك، إذ يستضيف الأردن مقر مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، وتنتظم في أراضيه الاجتماعات الدورية لأطراف النزاع، بخاصة المتعلقة بالإفراج عن المحتجزين "الأسرى"، وكذلك التسهيلات الأردنية بتنفيذ عناصر الهدنة المستمرة في اليمن منذ نيسان (ابريل) 2022 عبر استقبال الرحلات الجوية من مطار صنعاء. وبالإضافة لذلك، فإن الأردن يوفر مساحة آمنة لجميع الأطراف والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني اليمنية، لعقد الاجتماعات وورش العمل التي ترعاها المؤسسات الدولية المعنية باليمن. ولم يكن الدور الأردني في تعزيز الاستقرار واستعادة السلام في اليمن مُنبتاً، وإنما كان وصلاً لتاريخ طويل من الوساطة الأردنية لحل العديد من النزاعات في اليمن، منها: خطة المبادرة الأردنية للحل في اليمن لسنة 1965 أثناء النزاع بين الجمهوريين والملكيين، واتفاقية العهد والاتفاق الموقعة في عمّان بين الأطراف اليمنية برعاية جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال لمعالجة أزمة صيف 1994.
لم تقتصر الجهود الأردنية في دعم عملية السلام باليمن على الجانب الرسمي، وإنما تضافرت معها جهود المجتمع المدني، بحيث يحتضن الأردن مقر الأمانة العامة لمجموعة السلام العربي باعتبارها أول منصة عربية خالصة للتوسط بحل النزاعات العربية، وكانت من أولوياتها وقف الحرب في اليمن. فمنذ أن تأسست المجموعة في 2016 عندما تداعت شخصيات سياسية وفكرية عربية بهدف التصدي للصراعات والحروب البينية العربية العربية، كان وقف النزاع اليمني حاضراً وبقوة كهدف أساسي للمجموعة، بحيث قدمت مبادرات موجهة لأطراف النزاع المحلية والاقليمية، وكانت من أوائل الداعين لتفاهم اقليمي يجنب اليمن مآلات الفوضى والتقسيم، وهو ما حدث لاحقاً بعد عدة سنوات من دعوتها، ما أثبت صحة تشخيصها لطبيعة النزاع في اليمن، ووجهت المجموعة كذلك النداءات لجميع الأطراف بضرورة وقف نزيف الدم اليمني. وبالإصافة لذلك تدعم المجموعة الجهود الدولية والاقليمية لايجاد حل سياسي للأزمة اليمنية. 
ختاماً، في مطلع العقد السابع لمسيرة العلاقات اليمنية الأردنية، ستمضي العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين نحو مسارات، تؤكد روابط الود والشراكة في السراء والضراء التي جعلتهما في صف واحد بمواجهة تحديات مشتركة، وشكلت نموذجًا للعلاقات العربية البينية. فقد قطعت العلاقات اليمنية الأردنية في العقود الستة الماضية، شوطاً كبيراً من التطور السليم المستقر، وجنت ثماراً ملحوظة من التعاون في شتى المجالات، بما يعود بالخير على الشعبين الشقيقين.

* الأمين العام لمجموعة السلام العربي.
** أستاذ جامعي في القانون الدستوري.