الأطفال والتكنولوجيا.. انسحاب تدريجي من المحيط الاجتماعي

مجد جابر

عمان- تأخذ الأجهزة التكنولوجية مساحة كبيرة من حياة وتفاصيل الطفل، إذ يقضي ساعات طويلة من وقته أمامها دون كلل أو ملل، ترافقه أينما كان، يدخل عالمها لينعزل عن محيطه، وكأنه لا يشعر بانسجام وفرح وتواصل إلا من خلالها.اضافة اعلان
هذه الأجهزة "الصماء" أصبحت رغبة الطفل الأولى والأخيرة. أما الأهالي فأصبحوا يدركون جيدا الأضرار الكثيرة التي تتركها تلك الأجهزة على الأطفال، وبالوقت ذاته يجدون صعوبة بالسيطرة عليهم وحرمانهم منها، مع غياب الرقابة الدائمة.
ويذهب اختصاصيون لأهمية التوعية من مخاطر الأجهزة الالكترونية على الأطفال، وإبعادهم قدر الإمكان عنها، والتركيز على الحاجة للتواصل مع البيئة المحيطة لضمان نموه وتطوره بالشكل الطبيعي.
 وأكد الاختصاصيون أن الطفل كائن انفعالي عاطفي بطبيعته، واستخدام الأجهزة من غير ضوابط، يسبب خللا في البنية العاطفية له، بالتالي سيكبر وينمو ولكنه متأخر نمائيا.
ولفتوا إلى السلبيات والمخاطر وتأثيرها على نمو الدماغ بشكل سريع عند الاطفال، لأن التعرض لهذه الأجهزة بشكل مبالغ يؤدي إلى ضعف بمهارات التواصل والتعلم واللغة من البيئة المحيطة، وظهور مشاكل في السلوك واضطرابات نفسية مثل ضعف التركيز وتشتت الانتباه، مما يجعل منه طفلا عصبيا ومتوترا وحتى عدوانيا.
واستناداً الى مسح تكنولوجيا المعلومات في المنازل لعام 2016 الذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن 96 % من الأطفال في الأردن يستخدمون الإنترنت على الهواتف الذكية.
وشملت عينة الأسر 3340 أسرة والتي بينت أن 13% من الأطفال في الفئة العمرية من 5-9 أعوام يستخدمون الانترنت في الأردن. وأن 28% من الأطفال في الفئة العمرية 10-14 يستخدمون الانترنت.
وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة الى أن هناك أدلة متزايدة على أن الأطفال يدخلون الانترنت بأعمار أصغر وأصغر عما قبل. ويواجه الأطفال الذكور أو الاناث 3 مخاطر رقمية رئيسة عند استخدامهم للانترنت وهي المحتوى والاتصال والسلوك.
ويؤكد الاستشاري الأسري أحمد عبدالله لـ "الغد" خطورة هذه الأجهزة وتأثيرها على بنية الطفل الاجتماعية، مبينا أن الأجهزة الحديثة تمتلك خاصية سحب الطفل من محيطه الاجتماعي، بالتالي إذا استمر هذا لسنوات من الممكن أن يكون لدينا "أطفال منعزلون وغير اجتماعيين".
ويبين أن الطفل كائن انفعالي عاطفي بطبيعته، واستخدام الأجهزة بشكل مستمر وبعيدا عن الرقابة يسبب خللا في بنيته العاطفية، في المقابل لن تقدم له هذه الأجهزة أي تطور أو إثراء عاطفي، بالتالي سيكبر وينمو ولكنه متأخر نمائيا.
ويضيف عبدالله أن على الأبوين إخضاع استخدام الأجهزة لسلطة قانونية حازمة في المنزل، تبدأ من ضبط استخدامهم هم - الأبوان - لمثل هذه الأجهزة وانتهاء بالأبناء.
وتعتبر الاختصاصية النفسية والمختصة بشؤون الأطفال الدكتورة أسماء طوقان أن على الأهل تجنب تعريض أطفالهم حديثي الولادة حتى عمر سنتين للأجهزة الذكية مثل الايباد والهواتف المحمولة، مبينة أنه من عمر 3 الى 5 سنوات ينبغي أن لا تزيد المدة على ساعة فقط وليست على مرة واحدة بل بتوزيعها على اليوم كاملا، وبمراقبة الأهل ووضع البرامج الهادفة فقط.
وتضيف أن من عمر 6 الى 13 سنة، يسمح للطفل باستخدام هذه الأجهزة لمدة ساعتين كأقصى حد مع توزيعهم ومراقبته طوال الوقت، مشيرة إلى أن هذه الأجهزة لها تأثير سلبي على نمو الطفل وتطوره النمائي.
 وتكمن هذه السلبيات والمخاطر، وفق طوقان، بتأثيرها أولا على نمو الدماغ بشكل سريع عند الاطفال وبالمحفزات البيئية المحيطة بالطفل وعند تعرضه لهذه الاجهزة بشكل مبالغ به يؤدي الى ظهور مشاكل في السلوك واضطرابات نفسية مثل ضعف التركيز وتشتت الانتباه عند الاطفال والتعلم، وكذلك العصبية والعدوانية.
وتشير إلى أن المراحل العمرية الاولى عند الطفل يكتسب بها مهارات التواصل والتعلم واللغة من البيئة المحيطة له، فعند استخدامه للأجهزة الذكية لفترات طويلة يشكل عائقا لديه في عملية التعلم، فهو بحاجة الى أن يتحاور ويرى ملامح وتعابير وجه الشخص الذي يتحدث معه والمستمع له وكيفية التعبير عن الانفعالات والمشاعر أمامه حتى يكتسبها ويتعلمها، وهذا الشيء غير متوفر في هذه الأجهزة الذكية.
الخبير في حماية الأطفال وحقوق الطفل مستشار أول الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان، يبين أن لعب الطفل بالهاتف الخلوي أو الأجهزة اللوحية المعدة للكبار تبعدهم عن حاجتهم للتواصل الطبيعي مع البيئة الخاصة بهم وما يحتاجه الطفل لنمو وتطور طبيعي.
ويذهب إلى أن الأجهزة الخلوية واللوحية المعدة، تعمل عن طريق ربطها بالأمواج الكهرومغناطيسية G3 G4 او/و بواسطة حقول الـ WIFI وهناك مخاطر محتملة لتعرض الأطفال وخاصة في عمر مبكر لأضرار وأذى بالجهاز العصبي المركزي، وإعاقات في تطور ونمو الطفل.
ويضيف أن إبقاء الهاتف الخلوي بالقرب من رأس الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، يزيد من احتمال تعرضه لأمراض سرطان الدماغ والأذن والغدد اللعابية، عدا عن الاضطرابات العصبية، فالعواقب بعيدة المدى للأمواج الكهرومغناطيسية على الجهاز العصبي المركزي للطفل تؤدي إلى اضطرابات المزاج والسلوك وصعوبات التعلم.
ويشير جهشان إلى أن الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة هم عرضة للمخاطر أكثر من الكبار كون سماكة جدار الجمجمة رقيقا وغير مكتمل لديهم مقارنة مع جمجمة الانسان البالغ، وأيضا يكون دماغ الطفل بعمر مبكر أكثر عرضة للضرر لكونه ما يزال في مرحلة التطور، فالنظر إلى شاشات الخلوي والأجهزة اللوحية لفترات طويلة يؤدي الى ضمور في عضلات العينين لغياب التأقلم مع الضوء الطبيعي في البيئة المحيطة بالطفل.
ويرى جهشان أن الأطفال في عمر الطفولة المبكرة يتعلمون بسرعة، وتشكل الأجهزة اللوحية المعدة والمبرمجة خصيصا لهم أسلوبا جيدا لإيصال المعلومات المناسبة لكل مرحلة من مراحل نموهم وتطورهم، فيتوقع من الأهل اختيار الأجهزة المناسبة التي تحتوي على برامج ذات فائدة لهم، وتنمي قدرات الطفل التفاعلية.
لذلك على الأهل، وفق جهشان، اختيار الأجهزة اللوحية الخاصة بالأطفال وبما يساعدهم على زيادة القدرة على التفكير والاستماع ومن نموهم المعرفي.
ويمكن استخدام تطبيقات متخصصة تساعد الأطفال بعمر ما قبل المدرسة على تعلم مدى واسع من المفردات والعبارات المناسبة لمرحلة نموهم.
وتعود طوقان لتؤكد أن المشاكل التي يسببها الإفراط في استخدام الأجهزة يتمثل باضطراب النوم عند الاطفال، فإن لم يحصل على الآيباد او الهاتف المحمول عند ذهابه الى النوم تبدأ نوبات البكاء والغضب والصراخ لديه فتقوم الأم باعطائه ما يريد حتى تسكته ويهدأ وهذا الأمر خاطئ لأنه يؤثر على عين الطفل وتأخره في النوم، وبالتالي بصبح نومه غير مريح.
وتشير إلى أن الطريقة الأفضل ان تقوم الأم بتوفير بديل للطفل عند سحب الأجهزة منه، وعدم سماحها له بالحصول على ما يريد، فمثلا أن تقوم بقراءة قصة هادفة ومفيدة قبل النوم لطفلها بدلا من اعطائه الآيباد بما يساعد على نمو نفسي وعقلي سليم.