مصابو الإيدز.. بين الحق بالاندماج والوصمة المجتمعية

مصابو الإيدز.. بين الحق بالاندماج والوصمة المجتمعية
مصابو الإيدز.. بين الحق بالاندماج والوصمة المجتمعية
حنان الكسواني – لم يتردد أحد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) بأن يكون بطل قصة لفيديو يكشف بأسلوب درامي معاناة المصابين بهذا المرض في الأردن، جراء الرفض المجتمعي لهم، وممارسة التمييز ضدهم، منذ اكتشاف أول إصابة في الأردن قبل 36 عاما. ويمتد الفيديو التوعوي إلى 4 دقائق تقريبا وأنتجه مركز سواعد التغيير لتمكين المجتمع، وكانت تلك الدقائق كفيلة بتلخيص معاناة المتعايش أحمد (اسم مستعار) بدءا من رفض تزويجه، وحقه في الإنجاب، الى التعامل السلبي معه منذ "فضح أمر إصابته في عمله". ورغم حركة يدي أحمد المرتعشة، ونبرات صوته المتذبذبة في أغلب دقائق الفيديو، لكنه تمكن من إيصال رسالته إلى المجتمع الأردني والعربي معا، ومفادها أن "المتعايشين بشر مثلكم، لكنهم بحاجة الى دعمكم وليس تدمير حياتهم"، مضيفا: "أرجوكم تقبلونا كما نحن، ولا تسألوا عن سبب إصابتنا وتحاسبونا". "من 20 سنة وأنا بدور على وحده تتزوجني، وكل مشاريعي بالزواج فاشلة"، بحسب تعبير أحمد الذي لم يتردد بالإفصاح عن السبب الأخطر من الإصابة من وجهة نظره، وهو إفشاء سر إصابته بين الناس، مؤكدا أن "مكان عملي هو الأخطر". ولم تقتصر مطالبات المتعايشين مع الفيروس ومنظمات المجتمع المدني، بالتصدي لوصمة مجتمعية ملتصقة بهم، بل ذهبت الى تحركات عملية جادة، للضغط على الحكومة لـ"إلغاء تعليمات تستثني تعيين المصابين في وظائف رسمية، وهي وظائف كفيلة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية". غير أنه تم رفض هذه المطالبات التي جاءت بالتزامن مع اليوم العالمي لـ"الايدز"، الذي يصادف مستهل كانون الثاني (ديسمبر) من كل عام، بحيث يظل الباحثون عن عمل تحت "مقصلة" تعليمات رسمية، رسخت مبدأ التمييز. وانتقل المتعايش أحمد وهو واحد من بين 539 مصابا بالمرض، في حديثه الى حلمه بالزواج والإنجاب، مشيرا إلى من كان يريد عقد قرانه عليها كانت موافقة على الارتباط به رغم مرضه، لكن تم رفضه من أسرتها، وكذلك من أسر أخرى بعد أن كان شفافا معها وأفصح عن مرضه، ما شكل له صدمة نفسية من تكرار الفكرة ذاتها. وأكدت الخبيرة الوطنية والإقليمية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية الدكتوره منال التهتموني مبدأ حق المتعايشين بالإيدز بالزواج والإنجاب، شريطة أن يكون الحوار بينهما شفافا وواضحا حول طبيعة المرض. وأضافت التهتموني: "هنالك آليات عديدة قد تتحكم بعملية انتقال الفيروس بين المقبلين على الزواج، من ضمنها تناول الشخص المصاب أدوية مضادة للفيروس تقلل نسبة وجود الفيروس في الدم، وبالتالي تخفيض احتمالية نقله لزوجته". كما شددت على أهمية الالتزام بتناول الأدوية حتى للمرأة المتعايشة مع الفيروس، وهي أدوية آمنة خلال فترة الحمل، وكذلك متابعة صحة الأم حتى عملية الولادة. أما المتخصص في علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، فأشار الى أن السبب الرئيسي لعدم قبول المصابين بالايدز مجتمعيا على الرغم من أننا في القرن 21 هو "الجهل وعدم المعرفة"، بالإضافة الى العادات والتقاليد التي تلصق التهم أحيانا بالمرضى من دون التأكد من طبيعة المرض وطرق انتقاله. كما وجه الخزاعي رسالتين، أولاهما للمصابين انفسهم بأن "يكونوا على قدر من التحدي لمواجهة المجتمع، والصبر والتعامل بإيجابية حتى يستمروا بالحياة"، وأما الثانية فموجهة للمجتمع بأن "يتعامل مع المصابين بإنسانية". وأما المدير التنفيذي لمركز سواعد للتغيير لتمكين المجتمع الدكتور عبد الله حناتلة، فأشار إلى أن الوصمة المجتمعية تكونت بسبب "ثقافتنا المليئة بالتشدد حول أي قضية مرتبطة بالجنس، وهذا المفهوم خلق الرفض المجتمعي من دون الاستناد الى أسس علمية أو معرفية أو حتى تشريعية". ويضيف حناتلة: "بمجرد أن تلتصق الوصمة بشخص معين من قبل المجتمع المحيط، تتأثر نفسيته، وقد يتعرض لانتكاسة صحية، بسبب استمرار المجتمع لرفضه، فيقرر العزلة"، مؤكدا لـ"الغد" أن هذه الوصمة "مرفوضة من الناحية الإنسانية؛ فلا يحق لأي شخص أن يصدر أحكاما على شخص آخر". واستطلع الفيديو آراء مجموعة من المواطنين حول زواج المتعايشين مع "الإيدز"، فجاءت النتائج متفاوتة بين قبول ورفض الفكرة، غير أن أغلب الآراء ذهبت نحو الرفض نتيجة ضعف المعلومات حول انتقال المرض وأعراضه، واعتباره "مرضا معديا". يشار الى أن نتائج مسح السكان والصحة الأسرية (2017-2018) كشفت عن أن 90 % من الشباب الأردنيين ذكوراً وإناثاً والذين سبق لهم الزواج "لا يعرفون عن مرض (الإيدز)، غير أن 52 % من النساء اللاتي سبق لهن الزواج وأعمارهن بين 15- 49، و54 % من الرجال، يعرفون أن استخدام الواقي الذكري يعد وسيلة لمنع انتشار هذا الفيروس". ومن واقع تعامله مع المصابين المقيمين على الأراضي الأردنية، يرى حناتلة أن "المنظومة القانونية والحكومية غير مهيأة حتى الآن لتوفير الحماية للإناث، كما أن برامج التوعية والتثقيف حول الحد من انتشار فيروس الإيدز تراجعت، لكنها ترتفع طيلة هذا الشهر لارتباطه باليوم العالمي". "المجتمع يصر أن يحكم على كل مريض إيدز بالإعدام"، بهذه الكلمات المؤثرة ختم أحمد كلامه في الفيديو التوعوي لعله يتمكن من تغيير تفكير المجتمع إيجابيا تجاه المرض. اضافة اعلان