اللاجئون.. لماذا يتخلى العالم عن مسؤولياته؟

مخيم الزعتري -(الغد)
مخيم الزعتري


- تقليص المساعدات الغذائية لنحو 465 ألف لاجئ مستفيد بالمملكة 
- القرار سيشكل عبئا على الموازنة ما لم يتم تداركه من الدول المانحة
- ضرورة التحرك دوليا لإظهار الأعباء التي يتكبدها الأردن بملف اللجوء
- مطالبات للأمم المتحدة بتهيئة ظروف العودة الطوعية للاجئين السوريين

فتح إعلان برنامج الأغذية العالمي عن تقليص مساعداته الشهرية للاجئين السوريين في الأردن الباب أمام مخاطر لا يستهان بحجمها سوف تزيد من مشكلات الاقتصاد الوطني، بحسب خبراء اقتصاديين.

اضافة اعلان


وحذر خبراء من تبعات هذه القرار الذي يعد بمثابة "تخلي" من قبل برنامج الأغذية عن مسؤولياته على الصعيد الإنساني والتزاماته في دعم اللاجئين السوريين.


وأشاروا إلى أن هذه الخطوة سوف تترك الأردن وحيدا لتحمل آثار وأخطار هذه الازمة الكبيرة، وأنها تعد امتدادا لنكوص المجتمع الدولي عن الإيفاء بتعهداته في تمويل خطة الاستجابة الأردنية لأزمة اللجوء السوري والتي تسجل عجزا متزايدا من عام إلى آخر.


وأكد الخبراء أن هذا القرار سيشكل عبئا على الموازنة العامة للحكومة ما لم يتم تعويضه من الدول الداعمة والمانحة للاجئين،  إضافة إلى أنه سيؤدي إلى مزاحمة اللاجئين الأردنيين في سوق العمل ما سيرفع معدلات البطالة، إلى جانب رفع الطلب على السلع الغذائية وبالتالي ارتفاع أسعارها مما سيؤثر على المستوى المعيشي للفئات الفقيرة والمعوزة. 


وبين الخبراء أن الصراع الروسي والاوكراني سحب بساط اهتمام المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية من تحت أقدام القضايا الأخرى مثل أزمة اللجوء السوري، إذ أن الأولوية باتت اليوم تنصب على تمويل ودعم اللاجئين الأوكرانيين والدول المستضيفة لهم. 


وبهدف سد الفجوة التي سيخلفها قرار البرنامج، وإيجاد بدائل لدعم اللاجئين السوريين في المملكة دعا هؤلاء الخبراء الحكومة إلى ضرورة التحرك دوليا بشكل حاسم وقوي، نحو إظهار حجم الاعباء التي يتكبدها منذ سنوات نتيجة هذه الأزمة، وتغيير لغة خطابه مع المجتمع الدولي والعالم. 


كما دعا إلى أهمية تنظيم تجمع للاجئين ودعوة السفراء إليه، وايضا إلى زيارة مخيمات اللاجئين وإطلاعهم على التحديات المعيشية التي يواجهها هؤلاء وعلى حجم الخدمات التي تقدمها وتتحملها الأردن، إضافة إلى ضرورة البحث عن بدائل تضمن استدامة الدعم الذي كان يقدم من برنامج الغذاء، وذلك من خلال التواصل مع المنظمات والجمعيات الإنسانية الدولية ودعوتها للقيام بدورها الإنساني، إلى جانب وجوب حث المجتمع الدولي على تسريع ودعم جهود العودة الطوعية للاجئين السورييين 


وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن عن تقليص مساعداته الشهرية للاجئين السوريين في الأردن، ابتداء من شهر آب (اغسطس) للعام الحالي وبشكل تدريجي، حيث أن الأولوية ستكون للأسر الأشد احتياجا لتلقي المساعدة، بينما سيتم استثناء حوالي 50 ألف فرد من المساعدة الشهرية، وذلك لتوجيه الموارد المحدودة لتلبية احتياجات اللاجئين الأكثر احتياجا.


وأكد البرنامج في بيان صحفي له أن أزمة التمويل غير المسبوقة لديه، سوف تجعله يقلص مساعداته الغذائية الشهرية المخصصة لـ465 ألف لاجئ مستفيد في الأردن.


ويواجه البرنامج نقصا حادا في التمويل قدره 41 مليون دولار حتى نهاية عام 2023، وقد يضطر البرنامج إلى خفض مساعداته بشكل أكبر ما لم يحصل على التمويل اللازم، بحسب المدير القطري والممثل المقيم لبرنامج الأعذية العالمي في الأردن ألبرتو كوريا ميندي.


ودعا نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي في سلسلة تغريدات له على "تويتر" البرنامج إلى مراجعة القرار لما له من تداعيات على عدة مستويات، محذرا من أن قطع المساعدات عن اللاجئين السوريين في الأردن سيزيد من معاناتهم، وأن هذا الأمر يتحمله الآخرون، فالأردن غير قادر على سد هذه الفجوة. 


وشدد على أن اللاجئين السوريين في الأردن سيعانون، وهذا الأمر لا يقع على عاتق الأردن، بل يتحمله أولئك الذين يقطعون الدعم عنهم، إذ إن الأردن لا يمكنه تحمل هذا العبء وحده.


ولفت الصفدي إلى أن بعض وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمانحين يفعلون الشيء نفسه، مبينا أن الأردن يسعى للتشاور مع البلدان المضيفة الإقليمية لعقد اجتماع لتطوير استجابة مشتركة لانخفاض الدعم للاجئين السوريين من برنامج الغذاء العالمي والمانحين الآخرين.


وطالب الصفدي الأمم المتحدة بتهيئة ظروف العودة الطوعية للاجئين السوريين، وحتى ذلك الوقت على المجتمع الدولي الحفاظ على تقديم الدعم الكافي.


وتقدر تقارير رسمية أردنية عدد اللاجئين السوريين في الأردن منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 بنحو 1.3 مليون لاجئ،   من بينهم حوالي 670 ألف لاجئ يحملون صفة لاجئ رسمية ومسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. 


وحذرت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن شيري ريتسيما أندرسون من أثر نقص التمويل على استمرارية بعض البرامج  معربة عن قلقها الشديد إزاء نقص التمويل الذي قد يهدد بقطع الأنشطة الرئيسية الموجهة لكل من الأردنيين واللاجئين في الأشهر المقبلة.


ودعت أندرسون كافة الشركاء لإيجاد حلول للحفاظ على المكاسب، والحفاظ على الدعم المالي للبرامج التي تحتاج لذلك، وتحقيق الأهداف الإنسانية والإنمائية في الأردن من خلال تظافر الجهود، وضمان عدم إغفال أي شخص أو تخلفه عن الركب.


ويعتبر قرار برنامج الأغذية العالمي امتدادا لقرار سابق اتخذه البرنامج قبل أسبوعين أعلن به عن تخفيضه قيمة مساعداته الشهرية للأسر المحتاجة خارج المخيمات إلى الثلث، اعتبارا من الشهر الحالي تموز (يوليو)، لنحو 75 % من 465000 لاجئ ولاجئة يصلهم دعم شهري، جراء "نقص التمويل.


وتأتي هذه الخطوة من البرنامج، أيضا بعد عامين فقط من حذف البرنامج نحو 21 ألف لاجئ من جدول المساعدات الغذائية الشهرية.


ويشار إلى أن المتطلبات المالية لتنفيذ المشاريع المرتبطة بعمليات برنامج الأغذية العالمي للعام الحالي تبلغ قرابة  230 مليون دولار، توفر منها حتى نهاية شهر أيار (مايو) الماضي نحو 109 ملايين دولار فقط. 


وبلغت قيمة المساعدات الغذائية التي قدمها البرنامج للاجئين السوريين في الأردن عام 2022 نحو 200 مليون دولار أميركي، بهدف تلبية حاجاتهم الغذائية الأساسية وتحسين صحتهم وتخفيف معاناتهم


وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش "قرار برنامج الأغذية  العالمي الجديد الخاص باللاجئين السوريين خطوة أخرى تضاف إلى خطوات المنظمات والهئيات الدولية والحكومات في التخلي عن مسؤولياتها الإنسانية وإلتزاماتها في دعم الدول االمستضيفة للاجئين السوريين ومن بينها الأردن وتركه وحيدا لتحمل آثار وأخطار هذه الازمة الكبيرة". 

 

وبين أن المجتمع الدولي من بعد الأزمة الروسية الأوكرانية بات ينظر إلى اللاجئين السوريين على انهم لاجئون من درجة ثانية وثالثة، إذ أن الأولوية اليوم هي لتمويل ودعم اللاجئين الأوكرانيين والدول المستضيفة لهم.


وأكد عايش أن هذا القرار يحمل الحكومة الأردنية تكاليف وأعباء إضافية، ويرتب عليها مسؤوليات جديدة، وسيكون له انعكاس سلبي على الاقتصاد الوطني الذي فاقمت أزمة اللجوء السوري مشكلاته خلال العقد الماضي، موضحا أنه على الرغم من تواضع الدعم الذي كان يقدم من قبل برنامج الغذاء العالمي للاجئين السوريين في المملكة، إلا انه كان يحد قليلا من أعباء هذا اللجوء على الأردن.


ولفت عايش إلى أن الجانب الأردني كان من الأقل بين الدول المستضيفة اللاجئين السوريين الذي تحدث بلغة "جافة وشاكية"  عن الأعباء التي يتحملها نتيجة هذا اللجوء السوري، كما قد يكون من بين أكثر المجتمعات قربا واحتضانا لهؤلاء اللاجئين، بل حتى توفير فرص عمل لكثير منهم، وعلى الرغم من ذلك كان هناك عجز دائم في تمويل خطة الاستجابة الأردنية لازمة اللجوء السوري. 


وسجلت خطة تمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية منذ عام 2015 حتى نهاية العام الماضي 2022، عجزا بلغ نحو 10.27 مليار دولار من إجمالي حجم الموازنات السنوية المخصصة لدعم اللاجئين السوريين في المملكة، وبذلك تكون نسبة العجز في 8 سنوات قد بلغت 51.84 % من إجمالي حجم الموازنات السنوية المخصصة لدعم اللاجئين السوريين في الأردن والمقدرة بـ20.1 مليار دولار. ودعا عايش الحكومة الأردنية إلى التحرك دوليا بشكل حاسم وقوي، نحو إظهار حجم الأعباء التي يتكبدها منذ سنوات نتيجة هذه الأزمة، وأن يضع المجتمع الدولي ومؤسساته كافة أمام مسؤولياته الإنسانية، إضافة إلى أهمية تغيير لغة خطابه مع المجتمع الدولي والعالم إزاء هذه الأزمة. 


بدوره أوضح الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أن أزمة اللجوء السوري لم تعد تشكل أي أولوية للمجتمع الدولي والدول المانحة والممولة لدول المستضيفة للاجئين السوريين، إذ سحب الصراع الروسي الأوكراني "بساط الاهتمام" لصالح دعم اللاجئين الأوكرانيين وتقديم الدعم والمساندة لأوكرانيا وتمويل حربها ضد روسيا، إضافة إلى إطالة أمد الازمة السورية التي كانت تذهب كثيرا من التقديرات الدولية إلى إنتهائها بشكل أسرع. 


واكد مخامرة أن توقيف الدعم المقدم من برنامج الغذاء العالمي للبعض اللاجئين السوريين في الأردن وتقليص حجمه للبعض الاخر، سيشكل عبئا كبيرا على الحكومة الأردنية وعلى موازنتها العامة في حال ما لم يتم تعويضه من الدول المانحة.


وبين مخامرة أن هذا القرار من شأنه أن يزيد نسب الفقر بين اللاجئين وتقليص حجم السيولة لديهم مما سيدفع بالكثير منهم للبحث عن فرص عمل وبأدنى الأجور، وسيكون لهذا انعكاس على معدلات البطالة المرتفعة أصلا بين الأردنيين، إضافة إلى زيادة الضغط على البنية التحتية والخدمية التي تحملت الكثير من الضغوط على مدار سنوات الأزمة الماضية.


وأشار مخامرة إلى أن الحكومة مطالبة بالعمل على حث المجتمع الدولي في سد الفجوة التي سيخلفها قرار البرنامج وتحمل التبعات والنتائج التي ستترتب على التقليص المستمر في الدعم المقدم للاجئين السوريين، وآخره قرار برنامج الأغذية العالمي.


إلى ذلك، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري إن "قرار برنامج الأغذية العالمي سيكون له تبعات سلبية تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، وسيفرض اعباء مالية جديدة على الحكومة الأردنية". 


وبين الحموري أنه من بعد هذا القرار سيتجه كثير من اللاجئين المتأثرين به إلى سوق العمل مما سيؤدي إلى مزاحمة الأردنيين على فرص العمل الشحيحة وعلى أثر ذلك سترتفع معدلات البطالة محليا وقد تبلغ معدلات قياسية جديدة إضافة إلى أنه سيرتفع الطلب على بعض المواد الغذائية مما سيرفع الأسعار ونتيجة لذلك يتأثر المستوى المعيشي لكثير من المواطنين خاصة الفئات الفقيرة والموعزة.


وتجدر الإشارة إلى أن معدل البطالة في الأردن، قد بلغ خلال الربع الأول من العام الحالي 2023 ما نسبته 21.9 %، بانخفاض مقداره 0.9 % عن الربع الأول من عام 2022، وبانخفاض مقداره 1.0 % عن الربع الرابع من عام 2022. 


ويرى الحموري أنه آن الأوان أن يكون هناك موقف قوي للأردن في مطالبة المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته ، وحثه على الإيفاء بتعهداته لدعم أزمة اللجوء السوري، داعيا إلى أهمية تنظيم تجمع للاجئين ودعوة السفراء إليه، وأيضا إلى زيارة مخيمات اللاجئين والإطلاع على التحديات المعيشية التي يواجهها هؤلاء وعلى حجم الخدمات التي تقدمها وتتحملها الأردن.

 

كما دعا الحموري إلى ضرورة البحث عن بدائل تضمن استدامة الدعم الذي كان يقدم من برنامج الغذاء، وذلك من خلال التواصل مع المنظمات والجمعيات الإنسانية الدولية ودعوتها للقيام بدورها الإنساني وسد الفجوة التي ستترك بعد قرار برنامج الغذاء العالمي، إلى جانب حث المجتمع الدولي على تسريع  دعم جهود العودة الطوعية للاجئين السوريين. 

 

اقرأ المزيد : 

تقليص مساعدات الغذاء.. تبعات خطيرة على اللاجئين والمجتمعات المستضيفة