سلبيات تحيق بالنجاحات.. هل تصبح ريادة الأعمال "موضة" عابرة"؟

ريادة الأعمال- تعبيرية
ريادة الأعمال- تعبيرية

رغم النجاحات الكبيرة التي حققها رياديون أردنيون خلال السنوات القليلة الماضية وقدرتهم على التطور والنمو وجذب الاستثمارات، والنشاط اللافت للقطاع مقارنة بالدول العربية، إلا أن مشاهد سلبية مقلقة في منظومة ريادة الأعمال المحلية أصبحت ملحوظة مع شح الأفكار الجديدة، وتضخيم الإنجاز، ودوران نفس الأسماء والشركات الناشئة على معظم الجهات الداعمة للريادة وفعالياتها، مع تقليد أعمى للأفكار المحلية أو الأجنبية، وفقا لخبراء. 

اضافة اعلان


وأكد الخبراء انه رغم سلبية هذه المشاهد إلا أنها تعكس وعيا عاما بأهمية انشاء شركات ناشئة ورغبة من الشباب لدخول عالم ريادة الأعمال، وبأنه مع تكرار التجارب يمكن أن نخلق قصص نجاح حقيقية في القطاع.


ولكن الخبراء أوصوا بتقييم التجربة الحالية وتوحيد الجهود لخلق ريادة أعمال حقيقية بالعمل على محاور التوعية والثقافة والتمويل والوصول إلى الأسواق وتوزيع الدعم بعدالة ودعم من يستحق، حتى لا تكون موجة وموضة عابرة دون تاثير اقتصادي حقيقي في بلد بلغت نسبة البطالة العام الحالي 21.9 بالمائة.


وقال الخبراء إن ريادة الأعمال الحقيقية تبنى على فكرة مقبولة اقتصاديا واجتماعيا وتحل مشكلة حقيقية في قطاع ما، وتكون قابلة للتوسع والنمو، ويقف خلفها ريادي يتمتع بصفات الريادي الذي يمتلك الشغف بالفكرة والاصرار والصبر على مواجهة التحديات وقادر على بناء فريق عمل يمكنه ان يحول المشروع إلى مشروع إنتاجي اقتصادي مؤثر. 


وترى رئيسة شعبة التعاون والعلاقات في مركز الابتكار والريادة في الجامعة الأردنية الدكتورة لينا الحياري أن ريادة الأعمال الحقيقية هي "انعكاس ونتاج لعمل رائد الأعمال الناجح الذي يمتلك القدرة على إنشاء مشروع تجاري يحل مشكلة أو يضيف قيمة للمجتمع والبيئة التي يعيش فيها".


وأكدت الحياري أن ريادة الأعمال الحقيقية يمكن قياسها بكم النتائج والأرباح وكذلك الأثر المجتمعي الذي تم تحقيقه، والمساهمة في تقليص البطالة، مشيرة إلى أن هذه المؤشرات بحد ذاتها تعكس جانبا مهما من "ريادة الأعمال حقيقية".


ودعت رياديي الأعمال والشباب لتجاوز وعدم الانسياق وراء مسميات المدير تنفيذي والمؤسس كما نرى في نماذج من الشباب ممن تسيطر عليه " الرغبة العارمة بالهرولة باتجاه هذه المسميات".


وقالت الحياري إن على الجامعات دور كبير في تسليح الشباب بالمعارف الاساسية اللازمة لانشاء الشركات مع تسليط الضوء على الشركات الناجحة المؤثرة التي اسسها الشباب الاردني والتي اسهمت بشكل حقيقي في خدمة المجتمع والافراد.

 

وأشارت إلى أن على الإعلام والمؤسسات الحكومية المؤثرة استغلال منصاتها بشكل مباشر لتعظيم الجهود الحقيقية والصادقة، والابتعاد عن بهرجة القصص والأشخاص ضمن فعاليات ليس لها أثر وقيمة ملموسة. 


وبينت الحياري بأن على الرياديين الناجحين التأثير في الجيل الذي يسير على خطاهم ضمن حملات إرشادية ولقاءات توعوية وأحاديث ملهمة عن قصص نجاحهم وتجاربهم في هذا القطاع. 


ودعت الشباب الجدد الراغبين للدخول في هذا المجال إلى التحلي بالإيمان والإصرار ومواصلة العمل لأهمية الدور الذي يقع على عاتقهم في ايجاد حلول للمشكلات وانشاء مشاريع تجارية ناجحة. 


كما دعت إلى الاستفادة من تجارب الرياديين في دول أخرى والتي قد تكون محفزة إذا وجدت فيها قواسم مشتركة مع ما يقوم به الرواد في الأردن. 


الريادة تؤثر في التنمية والاقتصاد


وقال رئيس لجنة مركز رواد الأعمال المهندسين "رام" في نقابة المهندسين الأردنيين م.معتز العطين إنه إذا تم الاستثمار بريادة الأعمال بصورة حقيقية بعيدا عن الشعارات الفارغة أو الموضة فهي ستؤثر إيجابا على الاقتصاد وعلى التنمية وعلى واقع أصحابها أو الناس، لان الريادة أساسها معالجة التحديات وحل المشاكل. 


وأكد العطين: "ان على كل من يفكر أن يدخل عالم ريادة الأعمال عليه أن يعلم بأن هذه الطريق شاقة وتحتاج للصبر والمثابرة والشغف والاصرار، وبإن قصص النجاح التي يقراءها ويسمع عنها الشباب هي قصص جاءت بعد عشرات أو مئات المحاولات وواجهت الكثير من التحديات". 


وأضاف بأنه لا يكفي من كل أطراف منظومة ريادة الأعمال اليوم: حكومة أو جهات داعمة او صناديق استثمار دعوة الناس لريادة الأعمال دون وضع مسار واضح على مختلف المستويات، تحدد فيه الرؤية والأهداف الحقيقية من ريادة الأعمال وما هي الأهداف التي نريد الوصول لها. 


وبين قائلا : علينا العمل بجد لتعزيز ريادة الأعمال في محاور التعليم أو في سهولة تأسيس الأعمال أو في الضرائب والحوافز والتسهيلات أو في التشريعات والقوانين الناضمة للوصول لبيئة محفزة ومبتكرة".


واقترح العطين توفير حواضن أعمال حقيقية توفر بيئة مناسبة لأصحاب الأفكار وأن تكون هذه الحواضن بحثية وصناعية وتكنولوجية متقدمة في الجامعات وخارجها توفر الدعم والتمكين اللازم لكل الأفكار سواء تكنولوجية أو اقتصادية أو بحثية أو حتى صناعية.


ولفت إلى أهمية أن تكون فكرة ريادة الأعمال اليوم متجهة نحو المشاريع الريادية وخاصة الإنتاجية والتي تعزز من فكرة الإنتاج الذي ينعكس بشكل حقيقي على النمو الاقتصادي وعلى التنمية، وقال: "علينا أن نفكر في المشاريع الريادية التي تخلق منتجا وطنيا منافسا ومبتكرا يقلص من الفجوة بين الصادرات الوطنية والمستوردات، ويعزز من فكرة الإنتاج الوطني والمنتج المحلي بصورة حقيقية". 

 

واقع ريادة الأعمال في المملكة 


وبلغة الأرقام، يحتل قطاع ريادة الأعمال في الأردن المركز الرابع على مستوى الإقليم، مع وجود 20 مؤسسة تمويلية للمشاريع الريادية منها 14 صندوقا استثماريا خصصت مجتمعة 110 ملايين دولار للاستثمار في المملكة، وأكثر من 40 حاضنة ومسرعة أعمال في المملكة.


أرقام رسمية أخرى تظهر أن الأردن يحتضن 200 شركة ناشئة مسجلة، كما تظهر الأرقام أن العام 2021، شهد ارتفاعا في حجم الاستثمار في الشركات الناشئة في المملكة، إذ وصل إلى حوالي 120 مليون دينار، مقارنة بحوالي 20 مليونا في العام الذي سبقه.


دراسة محايدة لجمعية "إنتاج"، أظهرت أن عدد الشركات الريادية في الأردن يتجاوز 400 شركة معظمها تقنية، أو تطوع التقنية لخدمة القطاعات الأخرى. 


ومن جانبها قالت الريادية رموز صادق بأن الترويج المستمر لفكرة ريادة الأعمال والاحتفاء برواد الأعمال وسهولة ايجاد الدعم في مرحلة الفكرة دفع بعضا من رياديي الأعمال لتقديم أفكار غير ناضجة أو منسوخة لأجل الانضمام إلى بيئة ريادة الأعمال لكنها قالت بأنه أمر صحي كون هذه التجارب تكون الخبرات اللازمة للمشاريع القادمة.


وأكدت صادق بأن ريادة الأعمال الحقيقية تحمل في معناها الحقيقي " تقديم حلول حقيقية ومبتكرة ذات أثر إيجابي على المجتمعات والاقتصادات". 


وبينت بأن الريادة تحتاج إلى قدرة كبيرة على حل المشاكل بشكل يومي والابتكار والقدرة على القيادة والبناء والتطوير والكثير من الصبر. 


الريادة لا تصلح للجميع 


وأضافت صادق، وهي المؤسسة لشركة " مرايتي" الريادية: "بناء عليه فان ريادة الأعمال قد لا تصلح للجميع وخصوصا  أنها تنطوي على مخاطرات مالية واجتماعية متعددة". 


وبينت صادق أنه من الجيد أن ريادة الاعمال أصبحت فكرة راسخة في أذهان الشباب الأردني مع الجهود الجبارة التي بذلت لترويج فكرة الريادة في المجتمع لكن يجب أن يقترن ذلك مع توفير الدعم الحقيقي للشركات الناشئة في مرحلة النمو أو التوسع لأن الخدمات والتدريبات المتاحة الان تستهدف مرحلة الفكرة بشكل واسع وتهمل الشركات الناشئة التي بدأت بالنمو وبامكانها أن تصبح مراكز لصنع شركات ريادية جديدة مما يجعل ريادة الأعمال فكرة أكثر استدامة. 


وأكدت المديرة التنفيذية لمؤسسة " انتروجيت"، المتخصصة في نشر ثقافة ريادة الأعمال للصغار واليافعين وطلاب المدارس، سمر عبيدات أن رياديي الأعمال الحقيقيين تدفعهم دائما عجلة التفرد والإبداع، للسعي الدائم لتقديم منتجات فريدة، تلبي احتياجات حقيقية في السوق وبطرق جديدة، ما يترك بصمة حقيقية في السوق والمجتمع.


وقالت عبيدات إن هناك فرقا بين عقلية الموظف وعقلية رائد الأعمال والتي تتجلى الإختلافات بينهما في النهج والتفكير، حيث أن عقلية الموظف تتحكم بها بيئة تنظيمية محددة تنخفض فيها المخاطرة والمغامرة التي تعتبر من صفات الريادي الأساسية يدفعه الشغف، روح المغامرة، حب التغيير والتطوير، الابتكار المستمر، ليس هناك سقف لطموحه، دائما ما يسعى للمزيد.


مشاريع حكومية للتوعية بالريادة 


وعن دور الحكومة في مجال توعية ونشر ثقافة ريادة الأعمال الحقيقية قالت مديرة مكتب تنفيذ السياسة العامة الوطنية لريادة الأعمال في وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة نسرين عيد على حرص الحكومة للتوعية والتثقيف بمفاهيم ريادة الأعمال الحقيقية لابعاد الشباب والرياديين عن المفاهيم الخاطئة والدخول في هذا القطاع لمجرد الظهور أو التقليد الأعمى.


وقالت عيد: "إن السياسة الوطنية لريادة الأعمال احتوت على محور لنشر الوعي وبناء القدرات الريادية، من خلال مجموعة من المشاريع ستنفذ على مستوى المدارس والجامعات والخريجين الجدد بالإضافة إلى موظفي الحكومة إلى جانب مجموعة كبيرة من المشاريع الأخرى ستندرج تحت مظلة مجموعة من المحاور الداعمة لريادة الأعمال الحقيقي: في التمويل أو الوصول إلى الأسواق وغيرها من المحاور التي تعالج تحديات ريادة الأعمال في المملكة". 


وبينت أن الخطة التنفيذية للسياسة الوطنية لريادة الأعمال تضمنت مشروعا لبناء قدرات طلاب المدارس)، والمشروع الثاني موجه لطلاب الجامعات وهو (مشروع بناء قدرات الجامعات، ومشروع ثالث موجه لمن بدأ العمل بعد التخرج وهو ( مشروع تعيين متدربين لدى الشركات الريادية)، إلى جانب مشروع رابع موجه لموظفي الحكومة وهو (مشروع تدريب وبناء قدرات موظفي الحكومة الذين لهم تأثير مباشر على أعمال الرياديين.


المدرب والمستشار في مجال ريادة الأعمال محمد الافرنجي يرى بأن ريادة الأعمال مثل أي مجال أو قطاع يقوم على رحلة، ومن يلتزم بالرحلة ومراحلها ويبني قدراته يستطيع أن يكون متميزا. 


وأشار إلى أن التقليد في القطاع "ظاهرة طبيعية"، فالرياديون الناجحون هم محط اهتمام الجهات الداعمة والإعلام يحصلون على الدعم المادي والمعنوي، والكثير من الشباب يريد أن يصل إلى دعم مماثل عبر تخطي العمل الجاد والتركيز على الظهور الإعلامي. 


وأكد على مسؤولية الجهات الداعمة وحواضن الأعمال والإعلام في التحقق من رحلة كل ريادي وتفحص إذا كان لديه مثلا منتج مبتكر يحقق عائدا أو يشغل عددا مناسبا من الشباب. 


ودعا الافرنجي الجهات المعنية بريادة الأعمال إلى توجيه الشباب للريادة ودعم المتميزين منهم فقط لضمان مساعدتهم في رحلتهم ، وتنسيق الجهود لضمان عدم تكرار الدعم لنفس الشركات. 


وقال الخبير في مجال التقنية والاقتصاد وصفي الصفدي بأن قرار التحول إلى رائد أعمال من قبل الشباب يجب ان يستند إلى تقييم واقعي من قبلهم لنقاط قوة الفرد واهتماماته واستعداده لتقبل التحديات التي تأتي مع رحلة ريادة الأعمال.


وأضاف قائلا: "لضمان أن تظل ريادة الأعمال مستدامة ومؤثرة، وليست موضة عابرة، يلعب العديد من أصحاب المصلحة والعلاقة، فعلي الحكومة ان تقدم الدعم التنظيمي بإنشاء وتهيئة بيئة ملائمة ومواتية لريادة الأعمال من خلال لوائح تنظيمية معقولة، ودعم الوصول إلى التمويل.


واكد الصفدي على دور للحكومة في مجال دمج تعليم ريادة الأعمال والتدريب على مختلف المستويات التعليمية لتعزيز ثقافة الابتكار، وتعزيز البنية التحتّية بما في ذلك الاتصال بالإنترنت والنقل، لتمكين الشركات من العمل بكفاءة. 


ودعا الشباب إلى الانفتاح لاستكشاف مسارات وظيفية غير تقليدية وتبني ريادة الأعمال كخيار قابل للتطبيق، وتطوير مهاراتهم المختلفة ومنها مهارات التواصل. 


وقال الصفدي إن على الجهات الداعمة لريادة الأعمال مسؤولية الإرشاد وتوجيه رواد الأعمال وتعزيز مهاراتهم القيادية والمالية، وتوفير الموارد مثل مساحة العمل والتكنولوجيا وتوفير التعليم والتدريب إلى جانب توفير الدعم وفرص التمويل. 

 

اقرأ المزيد : 

7 تحديات تعيق وصول منظومة ريادة الأعمال لمرحلة النضج