بتحد وإصرار تثبت أنها جديرة بالحياة ومعاناتها مع متلازمة داون لم تقف عائقا أمام حلمها

بشرى تجتهد لتكون على قدر الطموح وتحصد الميدالية الذهبية في السباحة

بشرى الشرايري - (من المصدر)
بشرى الشرايري - (من المصدر)

 تقف بشرى الشرايري ابنة الـ(18 عاما) محملة بأحلامها الكبيرة التي لا تتنازل عنها. هي وبكل تحدٍ وطموح تجتهد لأن تكون رقما صعبا في واقع يحتاج منها لأن تثبت أنها جديرة بالحلم وبالحياة. بشرى فتاة من متلازمة داون تتميز بشخصيتها القوية المثابرة التي لا تعرف سوى أن تنجح وتسجل الإنجاز تلو الآخر، أحبت السباحة وتعلمتها حتى احترفت الكثير من أسرارها، فحصدت الميدالية الذهبية وعن استحقاق.

اضافة اعلان


بشرى لم تحبطها نظرة المجتمع السلبية ولم تسمح للعوائق بأن تحجم حلمها أو تسلبها إياه، بل ظلت متماسكة متكئة على عائلتها التي أحبتها وآمنت بها وكانت الداعم لها في كل الأوقات.


تقول والدة بشرى منيرة السكر، في حديثها لـ"الغد"، إن فترة الحمل كانت طبيعية جدا ولم يكن هناك أي مشاكل صحية، لكن مشيئة الله فوق كل شيء. في الأول عاشت كأم حالة من الذهول أول 5 دقائق تقريبا، كما تبين، لكنها بعد ذلك حاولت أن تستوعب الموضوع وتستجمع قوتها، وخاصة أنها متخصصة في علم النفس وتعمل منذ سنوات مع متلازمة داون وغيرها من الإعاقات.


"المسؤولية كبيرة والحياة قاسية"، هذا تماما ما كانت تقوله لنفسها وهي تتأمل طفلتها التي لم تدرك بعد حقيقة وضعها والمشكلات الصحية المرافقة له من أمراض قلب وغيرها. المشوار صعب، حسب ما تقول الأم، لكن بالإرادة يتحقق كل ما ظنته مستحيلا، مشيرة إلى أن التحدي الأكبر بالنسبة لها كان في البداية، وبخاصة مع إخوة بشرى الذين يتقاربون في الأعمار، هنا تحديدا كانت الصعوبة، هم ورغم صغر سنهم، مطالبون بفهم وضع أختهم الجديدة وتقبلها بينهم والتعود عليها بطريقة تضمن لها حياة مريحة ومستقرة، وأيضا أن يكون الحب أساس المعاملة السوية لها والتي من حقها أن تحظى بها في بيتها.


تبين والدة بشرى أنهم كعائلة وجدوا دعما كبيرا من أهلها وأهل زوجها، إذ إن لبشرى مكانة مميزة بينهم، يحبها الجميع ويحرصون على إسعادها وإشراكها في كل المناسبات العائلية. حضورها المميز وقربها من الناس وشخصيتها الاجتماعية المرحة، كل ذلك ساعد على أن تكون فتاة محبوبة يحترمها كل من يعرفها. تقول إنه رغم وجود الداعمين حولها وحول ابنتها، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الأشخاص الذين كانوا غير متقبلين للفكرة، بل أكثر من ذلك، فالبعض منهم لم يخجل من أن يتساءل عن الذنب الذي اقترفوه حتى يرزقوا بطفلة بهذا الوضع، هم بقلة وعيهم لم يفهموا أن وجود مثل هؤلاء الأطفال في الحياة نعمة عظيمة من الله.


الاهتمام كان كبيرا ببشرى، فمنذ طفولتها حظيت بالرعاية والحب، وبحسب الأم، فالمسؤولية لم تكن سهلة أبدا، رافقها الكثير من التعب لكون بشرى ولدت في الشتاء ولأنها طفلة من متلازمة داون، فقد كانت تحتاج للعديد من التحاليل والفحوصات للاطمئنان على صحة القلب والوظائف الأخرى، فكانت الظروف الجوية الصعبة تضاعف من حجم التعب، لكن ورغم ذلك كان التعب مختلفا يميزه الحب الكبير تجاه بشرى.


وفي عمر السنتين ونصف، قررت والدتها أن تلحقها بمركز زين الشرف حتى يكون التدخل مبكرا وتتمكن من تعلم المهارات الأساسية، ومن ثم انتقلت إلى مركز نازك الحريري، وهناك ساعدوها كثيرا على تطوير شخصيتها وبناء الثقة لديها كما في التخفيف من العناد، وهي صفة مشتركة عند الأشخاص من متلازمة داون. أما عن تمكينها اجتماعيا ونفسيا، فتشير الأم إلى الدور الكبير الذي لعبوه كأسرة في حياة بشرى؛ حيث كان التعامل معها معاملة طبيعية داخل البيت ولم يميزوها بشيء عن إخوتها. تربت بشرى بطريقة متوازنة نفسيا جعلتها تفرق بين الخطأ والصواب وتستجيب لأي توجيهات من شأنها أن تصقل شخصيتها وتميزها أكثر، موضحة أنها كأم لم تخجل منها يوما، بل على العكس كانت تحرص على اصطحابها دائما ودمجها في الحياة الاجتماعية وتعريفها بالناس وتوعيتهم بما لديها من أساليب ليتقبلوها. وهذا ما تحصد بشرى ثماره اليوم، فقد أصبح لديها رصيد كبير من الحب في قلوب المحيطين بها، وتمكنت من تكوين علاقات قوية، فهي بطبيعتها فتاة تحب الحديث مع الناس وتهتم بتقديم المساعدة.


وعن التصرفات التي تزعجها من المجتمع، توضح الأم أنهم كأهال لأبناء من متلازمة داون يعانون من عدم وجود أماكن مخصصة للترفيه تراعي وضع أبنائهم، وخاصة عندما يصلون إلى عمر المراهقة. تقول "يصعب علي جدا في بعض الأحيان أن أقنع ابنتي بأنها كبرت وأن الألعاب الموجودة لم تعد تناسبها، فهي من حيث الجسد، جسد شابة، أما عقلها فما يزال عقل طفلة تريد أن تلعب وتتسلى". إضافة إلى النظرات التي تضايق ابنتها شخصيا وتشعرها كما لو أنها كائن غريب، فلا يكون أمامها خيار سوى أن تسأل عن السبب الذي يدفعهم لأن ينظروا إليها بتلك الطريقة الجارحة تارة والمشفقة تارة أخرى. 


أما المعاناة الكبرى، برأي الأم، فهي مشكلة قبولهم في المدارس وأخذ حقهم في التعليم، فالمدارس حتى اليوم ما تزال ترفضهم لكون عملية الدمج بطيئة جدا، وحتى وإن طبقت في بعض المدارس فلم تطبق بصورة حقيقية وفعالة ترقى للمستوى المطلوب.


أحبت بشرى السباحة وأرادت أن تكون رقما صعبا في هذا المجال وصاحبة إنجازات كبيرة تكون سببا في سعادتها وسعادة كل من يحبها، هي تعلمت السباحة قبل 8 سنوات، لكنها لم تكن تعلم أنها ستغير حياتها وستجعل منها شخصية استثنائية تسعى لأن تكون مميزة بكل ما تقدمه.


بشرى أثبتت أنها على قدر الحلم والثقة فاستحقت أن تحصد الميدالية الذهبية في الأولمبياد التي أقيمت في ألمانيا مؤخرا. مشاركتها في الأولومياد كانت ضمن فريق جمع 4 مشاركين من متلازمة داون قرروا أن ينجحوا معا ويثبتوا للعالم أنهم قادرون على الإنجاز وأن العقبات لن تزيدهم إلا إصرارا.


وتبين الأم، أن التحديات التي تواجه الأشخاص من متلازمة داون في تعلم السباحة، تتلخص في عدم وجود مدربين متخصصين للتعامل معهم بالشكل الصحيح، لذلك فليس أمام الأهل خيار سوى الاستعانة بمدرب خاص على حسابهم الشخصي، وهذا ما لا يستطيع أغلب الأهالي تقديمه لأبنائهم لصعوبة الوضع المادي.


وتختم الأم حديثها "كل من لديه ابن من متلازمة داون عليه أن يؤمن به كإنسان أولا ثم بقدرته على الوصول"، فهم متميزون بإيجابيتهم، بحبهم للحياة ورغبتهم الدائمة في أن ينجحوا. وهذا ما تراه بابنتها التي تطمح لأن توصلها للعالمية من خلال احترافها السباحة، مؤكدة أن فوز بشرى بالأولمبياد حمسها أكثر وأعطاها الأمل لتشتغل عليها أكثر.  كما أنها حاليا تبذل كل طاقتها لتمكين بشرى من مهارات الحاسوب ومساعدتها للحصول على شهادة الدبلوم في هذا المجال، فبالجد يكون الاستحقاق و"لا شيء صعب ما دام الأمل موجودا".

 

اقرأ أيضاً:

شاب من متلازمة داون يحترف مهنة الحلاقة ويبدع بالبيتبوكس والتمثيل المسرحي