بالوعي والتجربة.. دودين تؤسس لابنها المصاب بـ"متلازمة داون" حياة أفضل

الطفل عمر - (من المصدر)
الطفل عمر - (من المصدر)

 الأمومة، حب من نوع آخر وعطاء لا ينتهي، هي الملاذ والأمان، وهناء أحمد دودين أم تحمل في قلبها كل الحنان والدفء رغم الكثير من العقبات. بوعيها وصبرها وإيمانها بالله تمكنت من أن تسند ابنها عمر من متلازمة داون وتكون جديرة بأمومتها. هي لم تفقد ولو للحظة الرضا بقضاء الله وبأن عمر طفلها الأول هو قطعة من الجنة تعيش بينهم.

اضافة اعلان


آمنت برسالتها كأم لأقصى حد، وقررت أن تكون على قدر المسؤولية. حبها الكبير لابنها جعلها أكثر وعيا، وتبحث عن كل ما يسعده ويوفر له حياة أفضل فيها الكثير من الحب والاهتمام. الثقة بأن الله معها يقويها ويمنحها الصبر لتكمل المشوار الذي اختاره لها هي ما دفعتها لتتمسك بالأمل أكثر وتكون في الوقت نفسه، منطقية تعرف متى تتحدى ومتى تتقبل الحقيقة.


تقول هناء في حديثها لـ"الغد": "في البداية لم يستطع  الأطباء تشخيص حالة ابنها، والصعوبة كانت في عدم القدرة على تحديد وضعه الصحي باعتبار أن الأعراض المرافقة لمتلازمة داون لم تكن تنطبق عليه كلها، لكن بعد إجراء الفحص مرتين، تأكدوا من أنه مصاب، مبينة أن الخبر كان بمثابة الصدمة بالنسبة إليهم وخاصة هي التي حاولت بكل قوة أن تتجاوز حزنها بفترة قصيرة.


شعورها بأن عليها أن تسير في طريق مجهول لا تعرف عنه شيئا، زاد حتما من قلقها وجعلها أسيرة لمخاوفها بعض الوقت، لكن ذلك الشعور لم يدم  طويلا، كونها أدركت حجم المسؤولية التي تحملها وهنا لم يكن أمام هناء خيارا سوى أن تصون الأمانة، فالله لم يكرمها بتلك النعمة من فراغ هو يعلم كل العلم أنها قادرة على حماية ابنها والاهتمام به، وأيضا هي كأم واعية تعرف جيدا كيف تجعل منه شخصا مميزا. 


وتشير هناء، إلى أنها هي وزوجها كانا داعمين لبعضهما البعض، إضافة إلى الدعم الكبير الذي تلقياه من أهلها وأهل زوجها، فمن المهم أن تكون البيئة المحيطة غير محبطة ليستطيعا التعود على الوضع الجديد. 


أحبت هناء ابنها جدا وعرفت كيف تحتضنه، فكان ذلك بداية المشوار حسب رأيها. تقول: "أولى خطواتها كانت الاطمئنان على صحته، ومن رحمة الله وكرمه أنه لم يكن يعاني من أي مشكلات صحية سوى خلل في الغدة الدرقية، ثم بعد ذلك استعانت بمن يرشدها للطريق الصحيح، ويأخذ بيدها لتستطيع أن توجه ابنها فكانت جمعية الياسمين من أوائل الداعمين لها وخاصة أن ابنة مؤسسة الجمعية من متلازمة داون".


 تلقى عمر في الجمعية، اهتماما كبيرا فحرصوا على علاجه وظيفيا وتعليمه كل المهارات التي تناسب عمره، موضحة أن أكثر ما كانت تسعى إليه في تلك الفترة تحديدا، هو أن تحسن من شخصية ابنها ونفسيته وتطور من قدراته، كل ذلك دفعها إلى أن تخضع لدورة التعليم المبكر والتي ساعدتها كثيرا في التعامل مع ابنها كما يجب بناءا على عمره. 


وفي مرحلة ما قبل التعليم الأكاديمي، حاولت هناء التركيز على بعض المهارات اللازمة لتمكين ابنها من دخول المدرسة، كمسك القلم والتدريب على الالتزام وعدم الحركة طوال الوقت. 


وفعلا، لمست ذلك التحسن في تصرفاته واستطاعت أن تثقف نفسها وتكون واعية في أمور كثيرة، وبعد تلك المرحلة قررت أن تتحدى وتثبت للجميع، أن عمر قادر على الالتحاق بالمدرسة كغيره من الأطفال، فكان لديها ذلك العناد الإيجابي. وبإصرارها الكبير واهتمامها بأن يتعلم التحق عمر بإحدى المدارس الخاصة والتي تطبق الدمج. 


تقول: "إن المدرسة كانت حاضنة لابنها وداعمة له على مختلف المستويات منذ البداية وحتى اليوم. فوصول عمر للصف الخامس هو نتيجة تعب وجهد وإصرار على النجاح. 


وتبين هناء، أن المدرسة تحتوي على قسم تعليم مساند للغة العربية والإنجليزية والرياضيات، لافتة، إلى "أننا يجب أن نعترف أن لهم قدرات معينة فلنكن منطقيين نعرف ما المناسب لهم فهناك أشياء أساسية مهم أن يتعلموها وأخرى قد يستوعبونها بمرور الوقت أما بقية المواد فيدرسونها مع أقرانهم بشكل طبيعي".


اليوم، هناء تشعر براحة نفسية كبيرة تجاه ابنها عمر كونه موجودا في بيئة مدرسية تتقبله وتسانده، فهو بدعم والدته وإرادته ومحبة المحيطين به نجح في أن يثبت نفسه ويتميز أكاديميا، مؤكدة أن وجود أخيه معه بالصف جاء بالصدفة لكنه في الوقت نفسه طمأنها. 


ولأنها حريصة على أن تبني ثقته بنفسه وتشجعه، فهي تتعمد دائما إشراكه في الأنشطة وتحضير الدروس وشرحها من خلال تقديم وسائل تعليمية تقوم هي بإعدادها. فهي ضد أن يحفظ عمر دون أن يفهم لذلك تحاول التركيز على ما يفيده فقط وتقييم ما هو بحاجته.


ووفق هناء، هي تريد أن تطوره لا أن تعقده كونها على دراية بإمكاناته، وهذا ما دفع إدارة المدرسة إلى أن تطلب منها كتابة الأمور التي تريد تعليمها لابنها والتركيز عليها والهدف من ذلك كما تقول، أن يدرس وهو مستمتع لأن إجباره على تعلم أشياء فوق قدرته من الطبيعي أن يخلق لديه ردة فعل سلبية تجاه الدراسة، مبينة أن تعاطيها مع دراسة ابنها بهذه الطريقة دفع بعض الأمهات للاقتداء بأسلوبها. 


أما عن تربيتها له داخل البيت، فتحرص هناء على تعليمه الخطأ من الصواب هي من جهة تحن عليه، ومن جهة أخرى تعاقبه إذا أخطأ فهي تريده أن يكون قويا قادرا على مواجهة المجتمع لذلك تهتم بتعديل سلوكه وبناء شخصيته بما لديها من وعي وحب.


 ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي واختلاطها بالناس، تسعى إلى توعية كل فئات المجتمع وتعريفهم بالأشخاص من متلازمة داون. تقول: "نحن لا نستطيع أن نلوم الناس على عدم ثقافتهم ولكن بإمكاننا أن نوعيهم ونغير من تفكيرهم تجاه الإعاقة". وهذا تماما ما تطلبه من كل أب وأم لديهم ابن من متلازمة داون، "تقبلوا أبناءكم وأحبوهم حتى يتقبلهم المجتمع فقوتهم من قوتكم.. آمنوا بمشيئة الله وكونوا أكثر صبرا ووعيا باحتياجات أبنائكم". كما أنه، من الضروري أن تكونوا منطقيين وتسعوا في كل الاتجاهات، كما أن  القراءة مهمة جدا في هذه الحالات إذ تمكن الأهل من فهم أبنائهم أكثر وتساعدهم في تحسين حياتهم. 


وحتى يعيشوا باستقرار ويكونوا متميزين لا بد من رسم طريقهم بشرط أن يتواءم ذلك وميولهم ومواهبهم، ومن ثم تأسيس مشاريع خاصة بهم دون الاقتصار على بعض الوظائف التي باتت تقليدية وتفتقد للأمان. وفي المقابل، المجتمع مطالب برفع الوعي وتقبل مثل هذه الفئات واحترامها إلى دعمهم من كل النواحي، فالرسالة بين الأهل والمجتمع تكاملية لا يمكن أن تصل وتنجح إذا لم يكن التعاون بينهم متبادلا. 


ولأنها تخاف على ابنها من الحياة؛ تهتم هناء بالتواصل مع أمهات لديهن أبناء شباب من متلازمة داون، حتى تعرف أكثر وتتثقف وتكون واعية بكل ما سيمر به ابنها  مستقبلا.


وتبين، أنه في مرحلة الشباب تحديدا تكثر أسئلتهم ويبدأون بإثبات أنفسهم أكثر من قبل. هم وبكل بساطة يحتاجون إلى أن يعيشوا  كغيرهم. هناء كأم عرفت جيدا كيف تزرع في أبنائها الحب تجاه أخيهم، وفكرة أن يكونوا سندا لبعضهم البعض في كل شيء وهذا ما بدأ يطمئنها مؤخرا ويريحها نفسيا، وخاصة أن أبناءها على قدر كبير من الوعي والمسؤولية تجاه أخيهم، وكل ذلك كان بحاجة إلى أن تكون صبورة قوية إلى الدرجة التي تمكنها من العدل بين أبنائها وتسليحهم بالحب.

 

اقرأ أيضاً: 

"متلازمة قلبي".. فعاليات ترسم الفرح على وجوه أطفال داون