تدمير 260 مسجدا في غزة.. انتقام يفضح "الحرب الدينية"

مساجد دمرها الاحتلال في قطاع غزة
مساجد دمرها الاحتلال في قطاع غزة

- 170 مسجدا أصيبت بأضرار جزئية إضافة لتدمير 3 كنائس

-  90 مسجدا دمرت بشكل كلي منذ بدء العدوان على القطاع

اضافة اعلان

 

 سمح الضوء الأخضر الذي منحه الغرب للاحتلال الصهيوني؛ بتدمير كل شيء في قطاع غزة، إذ لم يبق حجرا على حجر، وعاث فسادا في الأرض، وسفك الدماء، وأوغل في إجرامه إلى حد لا يستوعبه منطق.


وبين شلالات الدم الزكية التي تسيل على أرض غزة منذ شهرين، عم الخراب الذي خلفته آلة البطش الإرهابية، وطال كل ما يمكن الناس هنالك من العيش أو الصمود لدفعهم إلى الهجرة قسرا، وتكرار نكبتهم على الهواء مباشرة.


ولم تسلم مستشفى ولا مدرسة ولا روضة ولا جامعة ولا مسجدا أو كنيسة وحتى الآثار التاريخية، من قصف ممنهج هدفه الانتقام من هذه البقعة التي تمنى يوما رئيس وزراء الاحتلال الأسبق شيمعون بيرز أن يبتلعها البحر.


ويؤشر حجم الإجرام الذي مارسه الاحتلال في غزة ضد كل شيء، وأرقام الضحايا الضخم الذي تجاوز ما أريق في حروب حول العالم استمرت سنوات، إلى "البعد الديني" لهذا القتل، رغم ما يحاول الساسة تجميله بأنه "صراع سياسي" بالدرجة الأولى، وفعل ورد فعل.


وكان السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الأكثر وضوحا بين صناع السياسة في الولايات المتحدة وحتى لدى الاحتلال والذي قال بعد أيام من بدء معركة "طوفان الأقصى": "نحن في حرب دينية"، داعيا إلى تسوية غزة بالأرض.


وقال غراهام آنذاك، والذي يصفه مراقبون بالوجه الحقيقي لأميركا: "نحن في حرب دينية هنا، أنا مع إسرائيل، قوموا بكل ما يتوجب عليكم القيام به للدفاع عن أنفسكم، قوموا بتسوية المكان".


ويمكن أن يفهم من هذا الموقف حجم التدمير الذي لحق بدور العبادة، سواء الإسلامية أو المسيحية، خلال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة.


ودمر الاحتلال كليا أكثر من 90 مسجدا آخرها المسجد العمري "الجامع الكبير"، و"عثمان بن قشقار" الأثريين في حي الدرج في البلدة القديمة بمدينة غزة، إلى جانب أضرار جزئية لحقت بأكثر من 170 مسجدا، إضافة إلى تدمير 3 كنائس.


وتنوعت أشكال التدمير إما بالقصف المباشر من الطيران أو المدفعية أو من خلال النسف بالمتفجرات بعد دخول جيش الاحتلال للأحياء السكنية.


"نبوءة إشعياء"
يرى الكاتب والمحلل السياسي والخبير في الجماعات الإسلامية د.حسن أبو هنية، أن الحروب على مر التاريخ دائما ما تأخذ شكلا دينيا حضاريا أو ما يعرف بـ"صدام الحضارات" كما وصفه "صامويل هنتنجتون".


وأضاف أبو هنية لـ"الغد" أن الحضارات جوهرها الدين، والحروب التي تقوم على أساسها تصبح حروبا دينية بشكل أو بآخر، يتم فيها استخدام الرموز الدينية.


وأشار إلى أنه أحيانا يكون ذلك بشكل صريح مثل ما يحدث في فلسطين والمسجد الأقصى بشكل يومي، والحديث عن هدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.


وأردف: "إلى جانب استشهادات قادة الاحتلال بقضية الدين، حيث استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصطلح (نبوءة إشعياء) لتبرير حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.


وأوضح أبو هنية أن "نبوءة إشعياء تبرر قتل المدنيين على أساس ديني، ونتنياهو يريد أن يحققها في غزة كما يزعم".


وأشار إلى أن رئيس وزراء الاحتلال استشهد كذلك بمسألة "النور والظلام" وهي مستندات دينية توراتية تعتبر اليهود "أبناء النور"، أما الآخرون فهم "أبناء الظلام"، في إشارة إلى غزة وحركة المقاومة الإسلامية "حماس".


ويؤمن اليهود بأن "إشعياء" هو أحد أنبياء بني إسرائيل، وأحد أعظم أنبياء العهد القديم، ويزعمون أن له نبوءات عما يسمونه "الانتصار وقتال الأعداء".


وكان نتنياهو قال في كلمة متلفزة في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي: "نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام".


وأضاف: "سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم، سنكون سببا في تكريم شعبكم، سنقاتل معا وسنحقق النصر".


ولفت أبو هنية، كذلك، إلى الخلفية الدينية المتطرفة لأعضاء في حكومة نتنياهو، أمثال الوزيرين يتسئيل سيموريتش وإيتمار بن غفير، واستشهاداتهم ومعتقداتهم التوراتية التي تبرر ما يجري في فلسطين على أساس ديني.


واعتبر أن قادة الغرب من أمثال إيمانويل ماكرون، وأولاف شولتز، وريشي سوناك وحتى جو بايدن، يتحدثون دائما عن شيء ديني في هذا الصراع أو الحرب.


ورأى أبو هنية أن تدمير المساجد في غزة جزء من المسائل التي يتحدث عنها الاحتلال، إلى جانب ربط الإسلام، عبر فصائل المقاومة لا سيما حماس والجهاد الإسلامي، بالإرهاب لتبرير ما يحدث للغرب دون أن يحرك الأخير أي ساكن.


وبين أنه رغم كل التدمير الذي حصل للمساجد في غزة والصمت العالمي بشأن ذلك، فإنه لو تم تدمير كنيس يهودي لقام العالم ولم يقعد.


وتابع: "الإرهاب عند الغرب مرتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، فإن كان مرتبطا بيهودي يسمى عنفا، أما إذا كان مسلما فيحال الفعل إلى أصل هوية الفاعل وهو الإسلام".


وبناء على ذلك، بحسب أبو هنية، يرفض الاحتلال وحتى داعموه الغربيون استخدام غيرهم للرموز الدينية أو الحديث عنها، لأن التهم، في نهاية المطاف، بحقهم جاهزة.


وبين أن ذلك لا يسمى ازدواجا في المعايير بل جنونا غير أخلاقي يعبر عن الإمبريالية الأمريكية بأن العالم محكوم بالقوة وليس الأخلاق، وهذه من خرافات الحداثة.
ولفت كذلك إلى أن "الهولوكوست" نفذ على أسس علمانية حداثية وليست دينية، حتى إن كتاب "دولة اليهود" لمؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل، يتحدث عن دولة قائمة على الدين وليس العرق.


"منع نهضة الأمة"
من جانبه، قال السياسي وأستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور بسام العموش، إن ما يسمى الصراع مع الكيان الصهيوني، هو حرب دينية وأن كثيرا من الناس يهربون من هذا الوصف.


وأضاف العموش في تصريح لـ"الغد"، أن الاحتلال والولايات المتحدة تهدفان من هذه الحرب إلى منع نهضة الأمة وتوحدها لما تشكله من خطر عليهم، مشيرا إلى الأهداف السياسية التي يريدها الغرب من وراء ذلك إلى إضعاف المنطقة وإنهاكها وإبقائها في صراع مستمر.


واعتبر أن تدمير المساجد في غزة ليس غريبا أو جديدا عليهم، إذ إن استهداف أماكن العبادة قديم منذ احتلال فلسطين، حيث تم تحويلها في المناطق المحتلة إلى زرائب للحيوانات أو أماكن لهو ورقص.


وأشار إلى أنهم يعتقدون أنه بتدمير المساجد يتم تدمير العقيدة أو القضاء عليها، وهذا أمر غير صحيح، فهي ليست حصرا في المساجد، إلى جانب أن ذلك يزيد من الإصرار على مقاومة مشروعهم الاحتلالي.


ورأى أن المقاومة في فلسطين "ولادة"، فعندما اغتالوا الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة حماس) لم يكن يحيى السنوار معروفا آنذاك، وهكذا فكل الأطفال الحاليين هم مشاريع مقاومين لاحقا.


وأشاد بصمود المقاومة الفلسطينية، والتي اعتبر أن قصفها لتل أبيب بعد شهرين من الحرب، هو أكبر دليل على أن الاحتلال لم ينفذ أيا من أهدافه بإضعافها.

 

اقرأ المزيد: 

الاحتلال يستشيط غضبا بعد قتله جنديا أفشلت "القسام" محاولة تحريره