التشكيلية صبح: الفن سؤال يقود إلى الحقيقة

أحمد الشوابكة

عمان- تركز الفنانة التشكيلية نسرين صبح في مجمل أعمالها على التعمق في رموز وألغاز المرأة، بعيداً عن نظرة الرتابة والكلاسيكية، بوصفها رمزاً للخصوبة والنماء والحب المشاع في المجتمع.
تعتمد على فلسفة جمالية فريدة من نوعها، بأن الفن ليس هو الحقيقة، لكنه السؤال الذي يقود إلى الحقيقة، كما في أعمالها، وفق ما ذكرت لـ"الغد".
وتدرك الفنانة صبح أهمية البحث عن خطاب يرتكز على الفن المفاهيمي كضرورة لابد منها، لأنه يسمح للفنان بالتقاط المشاهد والأفكار وصياغتها بطريقة تلفت المتلقي وتجعله يحلل رموزها وفك شفرتها وفق منهجية كشف العوالم الخفية لرسم اللوحة، وهذا ما ترمي إليه بحسبها.
تقول "لا نريد من المتلقي أن ينتابه الإبهار البصري وجماليات الألوان المبهرة الطاغية على اللوحة، بقدر ما نرنو إليه هو الفكر التحليلي وفهم ما ترمز إليه تشكيلة اللوحة".
وتبرهن صبح التي تتبوأ رئاسة مجلس إدارة جمعية بقاء للثقافة والفنون، أهمية توظيف حضور المرأة في الفن التشكيلي كـ "كيان بشري" يتجاوز النظرة الضيقة التي تبرزها كجسد أنثوي فقط، إلى حضور أكثر رصانة وحيوية، بعيداً عن النظرة النمطية، إنما المرأة هي المنتجة والمبتكرة للإبداع والشريكة في كافة الأدوار والتي تؤكد مكانتها الرئيسية في نهوض وتطور المجتمع الإنساني.
وتنسل صبح من جمال المرأة لوحة تشكيلية بمختلف تفاصيلها كبرهان أساسي ومتين مرتبط كلياً بين المرأة والحياة اللذان يشكلان حالة تناغم متكافلة دون زيادة ولا نقصان، وفق ما قالت.
وتؤكد صبح وهي حاصلة على درجة بكالوريوس الفنون الجميلة– من الجامعة الأردنية، أن عين الفنان دائماً ما تلتقط لحظات الفرحة والحركة وردة الفعل. يخزنها، ثم يخرجها في أعماله الفنية، مشيرة إلى أن الفنان الذي يستخدم الفكر أكثر من الرسم دائماً ما يخزن الحدث ويعيد صياغته، ويظهره في أجمل حالة بعدما يكتمل في ذهنه، عكس الفنان الذي يرسم المشهد كما يراه في الطبيعة، "نحن نختلف فكريا عن هؤلاء".

جانب من لوحات الفنانة- (من المصدر)
اضافة اعلان

وتنحاز أعمالها إلى استلهام الأسلوب الواقعي المتمثل في التعبير عن البيئة المحيطة، والتي تتمثل في رسم الوجوه والجسد والطبيعة والبيوت القديمة وشبابيكها الصغيرة، وشكلت مفرداتها مع التراث عناصر القوة والسحر في لوحاتها.
ولا تنكر صبح انتمائها إلى جميع المدارس التشكيلية التي بدأت تتداخل مع بعضها البعض في هذا الوقت، لكن لديها أسلوباً معيناً في التعامل مع اللوحة، وهناك خصوصية من حيث التقنية المستخدمة على السطح؛ فاللوحة المعاصرة مزيجاً من المدارس، و"لوحاتي مزيج من هذه المدارس، وهي من اللوحات المعاصرة المواكبة للتطور الفني".
وتعيد التأكيد بأن الفنان إنسان مرهف، وهذا قاسم مشترك بين الفنانين، إنسان شفاف يتعاطى مع الواقع والحياة بمشاعر عالية وخلاقة، وضروري أن يكون هناك تنوع بالفن واختلاف بالآراء، مشيرة إلى أن مدارس الفن التشكيلي التي مرت بها كالمدرسة الواقعية والكلاسيكية والانطباعية وغيرها، أغنت لديها الحركة التشكيلية ووضعتها في مصاف الريادة.
وبرزت أهمية إبداعات الفنانة صبح عبر مشاركاتها في معارض للفنون التشكيلية المتنوعة، إذ بقيت فاعلة ومؤثرة في مجموع النشاطات، وقدمت نحو خمسة عشر معرضاً، مشيرة إلى أن الدور الإنساني من مواصفات أي فنان إنسان بتكوينه وبإبداعاته وشفافيته.
وتمر اللوحة الفنية بمراحل مختلفة عندها، لكنها دائماً تخضع لمنهج التجريب والبحث الفني، فهي في كل يوم تقوم بمجموعة من الأبحاث والدراسات، وكل لوحة تعد بحثاً مستقلاً بحد ذاته تسطر فيها مشاعر وحالات اجتماعية عاشتها أو عاشها بعض من حولها، ثم تترجم بلوحتها.
وتنوه أن الفن إنتاج لواقع جديد، فالجمالية لا تستمد من الواقع، بل من ذات الفنان أي من فكرها، فالإبداعية في الأعمال تعني الحضور للذات في مستوى الأثر الفني، مؤكدة أن فنها التشكيلي مرافق لجماليات الحياة بأدق تفاصيلها، فتولد في لحظة وللظرف الحالي، وتبني ثقافة الحياة على نظرياتها المختلفة.
وتبين أنها تهرب دوما إلى الفن لتتمرد على واقعها، وتصرخ في لوحتها عبر ألوان وشخوص.
وعن تقليص النشاط الفني المحلي حاليا بسبب الظرف الاستثنائي الذي سببته جائحة كورونا، أكدت، أن الفن التشكيلي تأثر بالأزمة كحال غيره من أنواع الفنون الأخرى. كما بات يعد بالنسبة لشريحة واسعة من الناس رفاهية.
وترسم لوحاتها بالألوان الزيتية وأقل لوحة تستمر معها لعدة أشهر، والسبب بحسبها يعود إلى حالة من التعايش مع اللوحة، كأنها قطعة من روحها، وتمتزج بكل جوارحها، لتكتمل بصورة مبهرة وفكرة ملهمة، معبرة عما يجول بداخلها من خلال اللوحات التي تدشنها برسم الحق والخير والجمال والإرادة والعزيمة والاعتزاز بالنفس.