بصراحة نحن نتراجع

لا يمكن مواصلة الصمت عن تطورات سلبية في مجتمعنا، بدأت تؤثر بشكل واسع على المزاج العام، وتعود بأثر سلبي عليه، فلو تصفحنا مواقع التواصل الاجتماعي سنشعر أن بعض المتحجرين المرتادين لها يريدون زرع طاقة سلبية، وهذا الزرع يجد للأسف من يؤيده ويتبناه ويبدأ بترويجه، ما يؤثر بشكل لا إرادي على منظومة القيم العامة، سواء الأخلاقية أو الإنسانية أو المجتمعية.اضافة اعلان
وبالأثر يمكن ملاحظة أن أولئك وبعضهم مؤثّر ومتواصل افتراضيا يجيدون فن التشكيك، الذي يطال الحكومة أحيانا، فبتنا نرى عزوفا مجتمعيا عن تصديق الحكومة، وتكذيب كل ما تقوله، وللاستدلال على ذلك ما عليك سوى تتبع المتصفح الأزرق (فيسبوك) لتلمس ذلك،  فنادرا ما تجد تأييدا أو تصديقا لرؤية الحكومة سواء أكانت تلك الرؤية تتعلق بقضية كبيرة أو صغيرة، وهذا انعكاس مجتمعي سلبي، يطول الجميع؛ حكومة ومجاميع مجتمعية، وعلى الحكومة تشخيصه والتعامل معه.
طبعا، ليس مطلوبا مطاردة ناشطي التواصل الاجتماعي، وملاحقتهم و"تهكير" صفحاتهم، وإنما وقفة جادة، تبدأ بدراسة أسباب ما يجري ومسبباته، وسبب عودة الناس للتقوقع المناطقي والجغرافي والعشائري وغيرها من تفريعات لا يمكن أن تكون بديلا من الدولة، خصوصا أنه لا يمكن الذهاب بعيدا في بناء الدولة الحضارية طالما بقيت تلك التقوقعات تكبر دون حل.
المطلوب تشخيص مشكلتنا، وانتفاضة حكومية بيضاء قولا وفعلا، فالمواطن ملّ الشعارت الحكومية الورقية و"الدونكوشوتية" دون أن يلمس أثرا وتأثيرا لها على أرض الواقع، إذ لا يكفي أن نتحدث عن حل مشكلة البطالة دون أن تخرج علينا الحكومة لتخبرنا ماذا فعلت خلال عام من وعدها بالحل!، كما لا يمكن أن تبقى الحكومة تقول إن وضعنا الاقتصادي صعب وعلى المواطن الصبر وشدّ الحزام، وبعد أن يكون وسط المواطن ذاب من الشدّ لا يرى نتيجة شد حزامه على أرض الواقع، بل يرى عجزا يرتفع، ومديونية تزيد، فيما الفساد يرتفع والتقشف لا أحد يسمع به!!
ولا يمكن أن نبقى نتحدث عن دولة حداثة ومدنية وعصرية، وفي الوقت عينه نسمح للواسطة والمحسوبية بالتغلغل فينا دون رقيب أو حسيب، ولا يمكن أن نتحدث عن إصلاح وحزبية ودعم الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات وغيرها في الوقت الذي نرى فيه تهجما رسميا على الأحزاب، وإحجاما عن تيسير أمورها في المواقع العامة، ومحاسبة الطالب اذا انتسب لحزب سياسي!!، كما لا يمكن أن نتحدث إنشائيا عن المواطنة وفي الوقت عينه نسمع ونرى ساستنا يستخدمون مصطلحات مناطقية وجغرافية في مجالسهم العامة!، فأي انفصام هذا؟!
نحن بحاجة لإعادة بناء حقيقية تبدأ بالحكومة التي عليها أن تؤمن بما تكتبه على الورق وتنفذه ممارسة عملية، وأن تسنّ قوانين تذهب بنا للتأسيس لمرحلة جديدة، دون أن يكون في خلفية عقل الحكومة أي أبعاد مناطقية أو جغرافية، وتأهيل المواطن ثقافيا وحضاريا ومجتمعيا ووطنيا، عبر إعادة النظر بكل ما نقرأه ونسمعه ونشاهده، ومنح الناس الحق في الاختلاف على طريقة حب الوطن وليس الاختلاف على الوطن، وأن نؤمن بأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وأن الفيصل بين ابن الوزير وابن الغفير القانون وليس الواسطة، والإيمان أن العشيرة تعين على إنفاذ القانون ولا تحمي منه.
الطريق ليس صعبا، وإنما بحاجة لإرادة سياسية أولا، إرادة تبدأ بثورة بيضاء على كل ما من شأنه وقف عجلة التطور، وثورة على ما تم اكتسابه من عادات سلبية باتت تؤثر على بلدنا، وتساهم بخلخلة بنيانه.
ختاما، علينا الإيمان بأن أكثر من 1450 عاما هي الفترة الزمنية التي تقطع بيننا وبين الشاعر دريد بن الصمة، الذي أراد أن يعطل تفكيره ورأيه، عندما قال:  "وما أنا إلا من غزية إن غـوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد"، وللأسف ما يزال كثير منا يتبعون هذا الشعر حتى اليوم، وهو سبب رئيس في تعطيل تطورنا وتقدمنا للأمام.