سيادة سورية وشرعية الأسد

بحسب موقع "حروب جوية" (Airwars) المتخصص برصد وتوثيق العمليات العسكرية الجوية في كل من سورية والعراق وليبيا، بلغ مجموع الغارات الأميركية تحديداً على سورية منذ 1 كانون الأول (ديسمبر) 2014، وحتى 2 نيسان (أبريل) الحالي، 7524 غارة (تضاف إليها 372 غارة من الدول الأخرى في التحالف الدولي). وكما هو معروف، فقد نُفذت هذه الغارات جميعها من دون إذن الأسد، بل واستدعت في يوم بدئها، أواخر أيلول (سبتمبر) 2014، عنواناً احتفالياً من صحيفة "الوطن" المملوكة من أيقونة الفساد في سورية وابن خال الأسد، رامي مخلوف، نصه: "واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري"؛ ثم تأكيداً من الصحيفة ذاتها، في اليوم التالي، لاستقبال "الشارع السوري عموماً الضربات الأميركية بارتياح".اضافة اعلان
أما الأهم، فهو أن الولايات المتحدة، كما يعرف (أو يُفترض أن يعرف) أدنى مطلع، صارت تملك قواعد عسكرية في سورية، بُنيت على مرأى بقايا نظام الأسد وروسيا وإيران، من دون أن ينبسوا ببنت شفة!
مع ذلك، يبدو مفهوماً أن ينفُض الآن فقط أنصار بشار الأسد، من عروبيي طهران وموسكو، الغبار عن كلمة "السيادة"، لأن القصف الأميركي استهدف يوم الجمعة الماضي مطار الشعيرات، والذي يستخدمه الأسد فقط لقتل الشعب السوري. إذ بالنسبة لمكتشفي السيادة السورية أخيراً، ليست سورية إلا "سورية الأسد"؛ فلا مساس بها و"بسيادتها" إلا إن كان في ذلك تهديد لبقاء الأسد. وهو ليس بقاء بأي ثمن فقط، بل ولو من دون أدنى صلاحيات باستثناء المشاركة في مقابلات صحفية، كما هي الحقيقة الآن.
وفي سياق الخرق الأميركي "الأول" للسيادة السورية، باعتبارها سيادة الأسد، يبدو مفهوماً أيضاً أن تأتي أكثر التصريحات تنديداً بالحدث، كماً وانفعالاً، ليس من مسؤولي الأسد، بل –وكما أصبحت العادة- من روسيا وإيران، بعد أن قام الأسد بـ"تأجيرهما" أو "بيعهما" السيادة السورية، مبرراً وأتباعه ذلك بـ"الشرعية" التي يمتلكها.
طبعاً، حين يكون مفهوم "الدولة" ذاته قروسطياً؛ "أنا الدولة والدولة أنا"، يصير متوقعاً تماماً معنى الشرعية المعوق، ومصادرها المختلة، وأوجه إهدارها، وبما ينسجم فعلاً مع شرعية الأسد. فهي لم تعد حتى كما كانت سابقاً "شرعية قتل"؛ أي خلق جو من الإرهاب الذي يضمن خضوع المواطنين وصمتهم. بل هي اليوم "شرعية تقتيل متواصل"، باعتبار أن القتل عملية مستهدفة لذاتها، حد طرح السيادة السورية وحتى الأرض السورية بالمزاد العلني لقاء استمرار هذه العملية، بديلاً عن الإصلاح ولو بحده الأدنى.
على الرغم من كل ذلك، يبقى ثمة سؤال برسم الإجابة من "القومجيين" واليساريين العرب المؤيدين لجرائم الأسد وروسيا وإيران بحق السوريين وسورية ككل، باسم "المقاومة والممانعة": كيف يمكن تبرير –دع عنك تفسير- اختفاء "السيادة" ذاتها والغضب لها، عندما يتم انتهاكها من قبل إسرائيل، وبشكل متواصل، بالتنسيق مع سيدة المقاومة الجديدة، مالكة "سيادة الأسد"، روسيا؟ لماذا لا يتم الاحتجاج ضد موسكو، أو لديها على الأقل؟ أم أن السيادة يتم اختزالها هنا بمجرد بقاء الأسد؛ وطالما أن القصف الإسرائيلي لا يستهدف الأسد شخصياً، فإن "السيادة" السورية بألف خير؟!