عائلة أم ضياء: مكفوفون يشع النور من زوايا منزلهم

 مجد جابر

عمان-  في بيت صغير تشع منه الحياة رغم ظلمتها، ويغلفه الحب والحنان، والابتسامة الجميلة؛ تعيش عائلة لم تبصر النور يوما، لكنها تربي الأمل الذي يساعدها على تخطي الآلام والأوجاع. اضافة اعلان
أجواء تملؤها السعادة والمرح وروح الفكاهة، يلحظها الزائر بمجرد دخوله إلى بيت الحاجة فوزية التي تعيش هي وأسرتها المكفوفون فيه. تستقبلك بكل ترحاب وطيب فور دخولك عليها لتنادي على الزائر وتميزه من صوته اذا سبق وتعرفت عليه من قبل.
الارادة القوية ومواجهة الحياة والرغبة في العيش رغم كل ظروف الحياة الصعبة، والتأقلم معها، هي الدروس التي يتعلمها أي شخص يزور بيت الحاجة فوزية.
تجلس على سريرها وبجانبها صديقها ومؤنس وحدتها الراديو الذي لا يفارقها طوال اليوم، وبعض المستلزمات التي تحتاجها، وأحفادها من حولها يلهون ويلعبون.
أم ضياء كما يناديها كل من يعرفها هي امرأة فقدت بصرها في أولى سنوات عمرها وبعد مرور الزمن ارتبطت بزوجها الكفيف ليرزقهما الله 5 أبناء 3 منهم جاؤوا غير مبصرين.
وبصوت كله ايمان بارادة الله وقضائه، تقول ام ضياء أنها تعيش حياة طبيعية جداً ولا ينقصها شيء وقد اعتادت على حياتها بهذه الطريقة، مبينة أن الأشخاص الذين اعتادوا على زيارتها حينما يدخلون عليها تميزهم من أصواتهم وتعرفهم مباشرة.
تقول “تزوجت ايضا من رجل كفيف مثلي لمدة عشرين عاماً ولم أحتج أحدا في أي يوم من حياتي، وكنت أعتمد على ابنتيّ المبصرتين، الا أنهما تزوجتا الآن وتعيشان مع زوجيهما”.
وتضيف “كنت احيك الصوف على يدي وعلى الماكنة، واحضر كل المواد التموينية من مقدوس وزيتون وكل أنواع المخللات دون أي مساعدات”.
ام ضياء تعيش الآن مع ابنتها الكفيفة، وبجوارها يسكن ابنها الكفيف الذي يعيش هو وزوجته الكفيفة وأبناؤه، مبينة أن الله أنعم عليهما بحفيدين مبصرين زينا لهما الحياة واعطيا لهما الأمل.
فداء الكفيفة هي كنة ام ضياء التي تعيش في بيتها مع زوجها وولديها، رياض وريان اللذان يمثلان عينيها في هذه الحياة، وأملها في مستقبل. تقول “أولادي هم سندي في الحياة وأمنيتي أن أؤمن لهم مستقبلهم”.
الشابة فداء التي يشهد لها كل من حولها من جيران وأصحاب، باهتمامها ببيتها وزوجها وابنيها وقيامها بكل واجباتها على أكمل وجه واهتمامها بأدق التفاصيل، وصناعتها لأشهى المأكولات، لحين عودة زوجها الذي يخرج يومياً على عكازه منذ الصباح لبيع بعض المستلزمات والاسترزاق منها.
تقول فداء “أولادي هم عيننا أنا وزوجي في هذه الحياة، وأشعر أنهم أجمل أولاد في هذه الدنيا فأنا أراهم في قلبي قبل عيني”.
وحول آلية اهتمامها بأمورهم، تقول فداء أنها باتت تعرف كل شيء وأحياناً اذا احتاجت شيئا تقوم بسؤال أحد أولادها عنه، مبينةً أنها عندما تخرج لتشتري لهما مستلزماتهما تذهب برفقة جارتها التي تساعدها في الاختيار.
وبمشهد يعكس مدى الحب والترابط الذي يطوق هذه العائلة يمسك الطفلان بيد والدتهما ذاهبين إلى منزلهم، يشدان على يديها محاولين تجنيبها لأي عقبة قد تعرقل طريقها، وكلهما حرص بأن ينجزا مهمتهما بسلام خوفا على أمهما قرة أعينهما.
وفاء وهي واحدة أخرى من بنات ام ضياء التي فقدت بصرها في صغرها وهي بعمر 13 عاما، الا أن ذلك لم يعقها أو يقف بطريقها بل على العكس تابعت حياتها بشكل طبيعي جداً، وتخرجت من الجامعة الأردنية وتزوجت من زوجها الكفيف الذي فقد بصره بحادث سيارة ولديها طفل، وهي الآن تعمل مدرسة لغة عربية في محافظة الزرقاء للصفين الثامن والتاسع.
وفاء تعيش حياتها بشكل طبيعي، وتقوم بكل شيء تريد عمله، ففي عملها لا تجد صعوبة كونها تدرس الطلاب منهاجها بطريقة بريل وهم بالمناهج العادية، الى جانب أن هناك تعاونا كبيرا من قبل المدرسات والإدارة.
وتضيف أنه بالرغم من كل شيء فهي قادرة على ضبط الفصل، مبينة أنها تعرف كل فتاة من صوتها وتميزها ومن تتخطى حدودها تعطيها انذارا على الفور، كذلك تستطيع من صوت الشخص أن تميز اذا كان يودها أو لا.
وتشير وفاء إلى أنها لا تجد صعوبة في الوصول إلى أي مكان تريده فهي مع الوقت تحفظ أي طريق تريده مثل المدرسة أو السوق، وتذهب من الزرقاء لناعور مواصلات، “آخذ تاكسي من البيت للمجمع ومن ثم أركب في باص يوصلني الى عمان ومن ثم باص آخر يوصلني الى دوار ناعور ومن هناك أنزل الى بيت والدتي مشيا على الاقدام “.
أما عن مهام البيت وعائلتها، تقول وفاء أنها تنجز كل شيء وتنظف وتطبخ، وتعتمد على حاسة الشم فمن خلالها تستطيع أن تعرف اذا كانت الطبخة ستنحرق أو لا، وبعد الانتهاء من كل طبختها تقوم باقفال اسطوانة الغاز مباشرة لمنع أي خطأ قد يحدث.
أما زواجها من رجل كفيف، تقول أن الكفيف عندما يرتبط بزوجة كفيفة مثله يندمجان كثيرا، فهما يعرفان حاجات بعضهما البعض أكثر من أي شخص آخر.