عودة المدارس.. "صدمات مالية" تدفع عائلات لخطط تقشفية

سيارة تتزود بالبنزين في إحدى محطات المحروقات في عمان-(تصوير: أمجد الطويل)
سيارة تتزود بالبنزين في إحدى محطات المحروقات في عمان-(تصوير: أمجد الطويل)

بشرى عودة

عمان- "كأنه تعرض لعملية جراحية" لم تجد أم نور أقرب من هذا الوصف لتحديد حالة حذاء ابنتها الذي ستنتعله للذهاب إلى مدرستها في اليوم الأول من أيام الفصل الدراسي الجديد.اضافة اعلان
الابنة الوسطى ذات السبعة أعوام ستذهب إلى المدرسة بحذاء تقول عنه أمها (أم نور) إنه تعرض إلى "خمس عمليات جراحية، لو نظر أحدهم إلى الحذاء لظن أنها ارتدت ما وجدته مطروحا بجانب الحاوية".
الرحلة اليومية التي تقطعها ابنة أم نور في إحدى مدارس وسط عمان تستنزف 25 دقيقة ذهابا و25 دقيقة أخرى أيابا حتى تصل إلى مدرستها، كل خطوة تسيرها تعرض ذاك الحذاء ذو القطب للانفتاق من جديد.
وتقول أم نور الأم لثلاثة أطفال "الزي المدرسي الذي اعتادوا أن يرتدوه خلال سنتين لم ينقذنا لهذا العام أيضًا.. كبر الأطفال وضاقت ملابسهم المدرسيّة..".
وتتساءل والحيرة تسكنها "زي ابني يكلّف 10 دنانير وزي ابنتي 7 أخرى هذه الأرقام بالنسبة لعائلات أخرى قد تكون أرقاما عاديّة، لكنها تنهك العائلات التي تشبهنا."
أما طفلتها الثالثة، لها قصة أخرى "هي تبلغ من العمر 5 أعوام والأصل أن تدخل الروضة وهكذا هيأت نفسها فهي تسير في البيت يوميا وهي تحمل حقيبة أختها الكبرى على ظهرها ظنا منها أنها ستكون في مقاعد الروضة بين الأطفال".
لكن أم نور صارحت الصغيرة بالحقيقة " لا روضة هذا العام " ومنذ ذلك الوقت والطفلة تبكي كلما تذكرت ألا روضة تذهب إليها.
ربما عقل الطفلة لا يستوعب الأسباب لكن قلب الأم لا يمكنه الاستيعاب فالحرقة تلازمها كلما ترى أولادها يكبرون ويكبر همهم في ظل دخل زوجها الشهري الذي لا يتجاوز 250 دينارا!!
الابن الأكبر في الصف السابع، يذهب إلى مدرسته التي تبعد عن بيتهم أكثر من نصف ساعة؛ مشيًا على الأقدام في أغلب الأيام عندما لا يتواجد قسط مواصلاته والابنة ذات الحذاء ذي القطب تتشارك مع أخيها في رحلة السير لمدرستها التي تبعد عن بيتهم أكثر من 25 دقيقة، فلا سبيل لدفع اشتراكاتهم في المواصلات شهريا.
تتشابه قصة أم نور مع قصة أبو أحمد؛ الوالد لثلاثة أطفال، رغم أنه يصف نفسه ووضع عائلته الاقتصاديّ بـ "العائلة المستورة".
ويخبر عن خطته الاقتصاديّة التي يصفها بـ "الخطة التقشّفية"، مع بداية كل عام دراسيّ، إذ يقسّم راتبه الذي لا يتجاوز الـ 650 دينارا؛ بين مستلزمات مدرسية أساسية، ومواصلاته إلى عمله في محل للحلويات؛ لكونه لا يملك سيارة، إضافة لمواصلات أطفاله واشتراكاتهم الشهرية، وايجار منزله الذي يكلفه شهريا 300 دينار.
ويوضح أنه لم يبدأ بشراء مستلزمات أطفاله المدرسية، ويكشف نيته لشراء القرطاسيّة الأساسيّة، قائلًا: "الحمد لله.. لن أشتري الزي المدرسي لأولادي لهذه السنة، سيرتدون ثياب السنة الماضية، وسأتبضع مستلزماتهم القرطاسيّة من أسواق وسط البلد، عسى أن أجد عروضا هنا أو هناك."
ويخبر أبو أحمد الذي يعيش في شرق عمان أن رحلة بحثه عن روضة لابنته الصغرى أوصلته لأرخص قسط، حيث إنه وجد روضة قسطها 650 دينارا بالسنة، وسيدفعهم بالتقسيط شهريا.
وفي حديث مع زوجته أم أحمد التي أضافت "مع بداية موسم المدارس كل عام، نبدأ بالعيش على أهم الأساسيات، من دون أي قدرة على شراء أو اقتناء أي شيء يعد من الكماليات.. فهذه الفترة تفعل في عائلتنا الخطة التقشفيّة؛ لنستمر ما استطعنا إلى لذلك سبيلًا"
عائلتا أم النور وأبو أحمد ليستا إلّا قصتين من أصل العديد من القصص التي تحمل في طياتها تحديات اقتصادية تواجه العديد من العائلات الأردنية الفقيرة أو متوسطة الدخل؛ في ظل الأزمات الاقتصاديّة وانتشار البطالة بشكل كبير وملحوظ في المملكة.
وفي إطار الحديث عن تجهيز العائلات الأردنية أولادهم لبداية المدارس، أكد نقيب تجار القرطاسيّة محمد حجير أن أسعار القرطاسيّة بالمجمل عاديّة، لكن يوجد ارتفاع في أسعار المواد الورقية، موضحا: "أيّ شيء ورقي ارتفع سعره 20 % عن سعره السابق وهذا الارتفاع ارتفاعا عالميا، وبالتالي انعكس هذا الأمر على الأسعار المحليّة."
وأشار حجير إلى أن كل شيء ورقيّ في السوق مستورد من الخارج، لكون الأردن لا يمتلك المواد الخام اللازمة، وحتى المصانع المحليّة تقوم باستيراد المواد الأوليّة من الخارج من ورق ومكابس وغيرها من المواد، وبالتالي سعر الورق محليا مرتبط بالسعر العالميّ، وأضاف: "كان سعر كرتونة الورق تبلغ 24 دينارا وأصبح سعرها 30 دينارا نتيجة الارتفاع الذي حصل."
وفي حديث لـ"الغد" مع الخبير الاقتصادي قاسم الحموري أكد صعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تواجها أغلب العائلات الأردنيّة في الفترة الحاليّة، موضحا: "نسبة الفقر ازدادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بحيث وصلت النسبة إلى ربع سكان المملكة".
كما وأضاف جملة من الأسباب التي أوصلت الوضع الاقتصادي إلى هذا الحال، قائلا: "خرجت الأسر الأردنية من فترة كورونا مخلفة وراءها الكثير من المشاكل الاقتصادية، إضافة إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى الأفراد بسبب التضخم وارتفاع الأسعار بشكل متزايد، ولا يمكن تجاهل الحرب الروسية الأوكرانية التي خلّفت وراءها العديد من المشاكل لأغلب دول العالم."
الأرقم الرسمية تشير إلى أن التضخم بلغ أكثر من 5 % في الشهر السابع من العام الحالي بينما تعيش أكثر من 15 % من الأسر الأردنية تحت خط الفقر و 17 % من الأسر الأردنية دخلها أقل من 416 دينارا شهريا (5 آلاف دينار سنويا) وأن 37.3 % يتراوح دخلها بين 833 و416 دينارا شهريا (5 آلاف و10 آلاف سنويا) فيما يتراوح دخل 22 % من الأسر بين 833 دينارا و1250 دينارا شهريًا (10 آلاف و15 ألف دينار سنويا) و11.8 % من الأسر دخلها يتراوح بين 1666 و1250 دينارا شهريا (15 ألفا و20 ألف سنويا) و11.5 % من الأسر دخلها يزيد على 1666 دينارًا شهريا (20 ألف دينار سنويا).
ويؤكد الحموري أن الفترة الحالية التي تشهد بداية المدارس تسببت للعديد من الأسر الأردنية بـ "الصدمة الماليّة" حسب وصفه، موضحا: "موسم المدارس من نظرة اقتصادية يعني العديد من التكاليف والرسوم على الأسر الأردنية؛ من دفع للرسوم، وتكاليف النقل، وشراء القرطاسية والكتب وغيرها من المستلزمات المدرسيّة.."
وأضاف الحموري أن " أوضاع الأسر يزداد صعوبة في ظل ارتفاع الضرائب والرسوم، وغلاء الأسعار لأغلب الحاجيات" موضحا أن جميع هذه التفاصيل تستنزف الراتب المحدود الذي يتلقاه رب الأسر في نهاية الشهر.
وأشار الحموري إلى انتشار ظاهرة الاستدانة بين الأسر الأردنيّة محدودة الدخل، في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، موضحًا: "زيادة الأعباء الاقتصادية على الأسر الأردنيّة سيؤدي إلى زيادة اقتراض الأسر من البنوك، أو حتى زيادة الاقتراض من الأفراد الذين عرفوا بـ (المرابين)؛ بحيث كثرت ظاهرة الاستدانة الفردية من الأشخاص الذين يضعون نسبة فائدة لاستعادة أموالهم."
وأضاف الحموري أن "انتشار مثل هذه الظواهر سيؤدي إلى إيقاع الأسر الأردنيّة في "فخ المديونيّة"؛ الأمر الذي سيزيد وضعهم الاقتصادي سوءًا، وستزداد الأعباء الاقتصادية والالتزامات الماليّة عليهم التي ستثقل كاهلهم لا محالة.