فائدة اعتذار الغرب لإسرائيل

مؤتمر صحفي لوزير خارجية إيران عقب مباحثات مع الغرب في فيينا -(ا ف ب)
مؤتمر صحفي لوزير خارجية إيران عقب مباحثات مع الغرب في فيينا -(ا ف ب)

إسرائيل هيوم

دوري غولد

24/4/2015

يصعب تفسير سياسة إدارة أوباما تجاه إيران بدون أن نفهم كيف أن جهات مسؤولة عن رسم سياسة الخارجية تعتقد حقا بحسن نية أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية تدهور العلاقات بين الدولتين منذ 1979، السنة التي اقيمت فيها الجمهورية الاسلامية.اضافة اعلان
في هذا السياق فإن مؤيدي هذه المقاربة يعودون ويحيون ذكرى حادثة اساسية تاريخية، التي فيها اتخذت الـ سي.آي.ايه كما يبدو دورا في الانقلاب ضد رئيس حكومة إيران، محمد مصدق، في 1953.
إن استرجاع هذه القصة حول النشاط الأميركي في إيران في 1953 اعطى وزنا اخلاقيا لادعاءات ايران ضد الولايات المتحدة. في الوقت الذي يتهم فيه الأميركيون إيران بدعم الارهاب أو بالتدخل في الشؤون الداخلية لجاراتها فان طهران تستطيع ان ترد بالادعاء بأن ايدي الولايات المتحدة ليست نقية، على ضوء سياستها واعمالها في إيران في بداية الخمسينيات. ان تصريحات بعض السياسيين الأميركيين التي يتضح منها ان إيران تطرح ادعاء له وزن، تخلق مشكلة سياسية.
راي تاكيا، احد الباحثين الأميركيين البارزين في الموضوع الإيراني ادعى في مقال في "فورين افيرز" في الصيف الماضي ان الاعتقاد القائل بأن الـ سي.آي.ايه ازاحت مصدق، اسطورة تم طرحها من قبل اوساط معينة في الولايات المتحدة. تاكيا الذي خدم تحت امرة دنيس روس في إدارة أوباما اتخذ موقفا شجاعا في هذا الموضوع.
حسب اقواله فان هذا الادعاء انتشر وحتى انه دخل الى حدود الثقافة الأميركية، كما تم التعبير عنه في فيلم "آرغو"، بطولة بن آبليك، والذي فاز في 2013 بجائزة الأكاديمية كأفضل فيلم. منتجو الفيلم ادعوا ان اندلاع أعمال العنف للثورة الاسلامية جاء كرد على النشاطات الأميركية في إيران قبل 25 سنة. تايكا لم ينف أن جهات غربية طلبت التخلص من مصدق بسبب جهوده في تأميم النفط الإيراني. ولكنه يرى ان المؤامرات التي حاكتها بريطانيا والولايات المتحدة ضد رئيس الحكومة الإيراني كانت غير فعالة، وفي نهاية الامر فشلت.
سقوط مصدق جاء بسبب مظاهرات الشوارع الواسعة للمواطنين ضده، والتي انضم اليها رجال دين وضباط. إيران لم تكن قادرة على تصدير النفط، اقتصادها تدهور بسرعة. الجمهور الإيراني شعر بالتعب من المواجهة مع الغرب وعارض رفض مصدق التوصل الى تسوية.
ادارة آيزنهاور فوجئت من سقوط مصدق، يدعي تايكا، لأنه كان من الصعب السيطرة على ما يحدث على الارض. الجهة التي ساعدت في نشر الادعاء بأن الولايات المتحدة هي التي كانت تمسك بالخيوط التي ادت الى ازاحته كان كما يبدو مذكرات كرمت روزفلت، الذي خدم في 1953 في صفوف الـ سي.آي.ايه في ايران وضخم دوره في قضية مصدق.
على الرغم من هذه الحقائق فان الاسطورة بقيت وما زالت حية، القائلة ان الغرب هو الذي ازاح مصدق وارجع الشاه من المنفى. الايرانيون استغلوا هذا من اجل العزف على مشاعر الشعور بالذنب الغربي في محاولة للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة "في مواضيع لا ترتبط باحداث 1953، مثلا المفاوضات على البرنامج النووي الايراني".
كما اشار تايكا ان الادعاء بشأن الاتهام الاميركي "ارتكز على ثلاث نقاط الى درجة انها بدأت بالتأثير على طريقة تفكير القيادة الأميركية بالنسبة لإيران". الاثبات الافضل لهذا هو حقيقة ان القيادة الاميركية اعتذرت عن ازاحة مصدق رغم مرور بضعة عقود.
وزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت قالت في خطاب في واشنطن في 17 آذار 2000: "في 1953 قامت الولايات المتحدة بدور مهم في قيادة الانقلاب ضد رئيس الحكومة الإيراني ذي الشعبية محمد مصدق". واقتبست الرئيس كلينتون الذي قال على الولايات المتحدة أن تتحمل "بدرجة معقولة المسؤولية" فيما يتعلق بمشاكل اثيرت في العلاقات مع ايران.
وبالسياق هل غير خطاب اولبرايت شيء في طهران؟ هل تنحية مصدق كانت السبب الوحيد في خلق المشاكل في العلاقات بين واشنطن وطهران بصورة أدت الى أن تقوم إيران بتغيير سياستها في الشرق الاوسط. روبرت باير الذي شارك في عمليات الـ سي.آي.ايه في الشرق الاوسط فحص تأثير اقوال اولبرايت وكتب في هذا الموضوع ما يلي: "استقبلت هذه الاقوال في طهران بدون تاثير حقيقي". باير اشار الى أن اولبرايت "تستطيع ان تقرأ قائمة مشترياتها من البقالة على كل الإيرانيين الذين يهتمون بالامر". استنادا الى المحادثات مع الإيرانيين الذين جاءوا من النخب الدينية والعسكرية يعتقد باير ان الانقلاب ضد مصدق في 1953 لم يكن مهما لكنه استغل من اجل ان تكون اوساط معينة في الولايات المتحدة في موقف دفاعي بشان العلاقات مع ايران.
في خطابه في القاهرة في 4 حزيران 2009، دعا الرئيس باراك اوباما تحمل المسؤولية عن تنحية مصدق بقوله: "في ذروة الحرب الباردة فان الولايات المتحدة لعبت دورا في ازاحة حكومة ايرانية انتخبت بصورة ديمقراطية". لصالح اوباما علينا القول انه لم ينشر اعتذارا، ولكن اعترافه بالدور الاميركي في احداث 1953 وضع الولايات المتحدة في موقف انها مدينة بشيء ما لايران. حسب مقاربة تاكيا فان تبني هذه الرواية حول واشنطن الى مذنبة تريد التكفير عن اعمالها في الماضي.
سيكون من الخطأ ان ننسب مصدر السياسة الاميركية تجاه ايران فقط لاوباما. في واشنطن توجد مدرسة تؤيدها شخصيات مركزية تقول ان الولايات المتحدة هي العنصر المركزي لخلق التوترات في الشرق الاوسط وليس إيران.
مشايعو هذه المقاربة يعتقدون ايضا ان إيران طلبت التقرب من الولايات المتحدة بعد هجوم 11 ايلول، وفي 2003 كانت مستعدة للتوصل الى صفقة كبيرة مع الولايات المتحدة، ولكن في الحادثتين رفضت الاشارات الإيرانية من قبل الادارة. الحقيقة هي انه من اقوال شخصيات رفيعة المستوى ايرانية يمكن ان نفهم ان ايران ارادت التوصل الى تسوية مؤقتة مع الغرب من اجل اخفاء  مطامعها الحقيقية في المنطقة.
المسالة الايرانية التي تبحث اليوم لا تتعلق فقط باجهزة الطرد المركزي والاشراف على المنشآت النووية بل تتعلق بمسائل اوسع تقتضي التوضيح بشأن الدوافع الحقيقية التي تقف في اساس السياسة الايرانية: هل هذه الدوافع هي رد على استفزاز الغرب او نتيجة لايديولوجية امبريالية للقيادة الايرانية؟ المسالة الايرانية جزء من النقاش الاوسع حول الحقيقة التاريخية الذي يدور تحت البساط في واشنطن منذ اكثر من عقد، لكن فقط الان عرف تأثيره الحاسم على الموضوع الاهم الموجود على جدول الأعمال الدولي.