هكذا تعرضنا للهزيمة الأكبر في تاريخنا

جيش الاحتلال في غزة
جيش الاحتلال في غزة
هآرتس
زئيف معوز
 10/5/2024


الحرب في غزة سيتم ذكرها إلى أبد الآبدين، على اعتبار أنها الهزيمة الأكثر خزيا في تاريخنا، دون أخذ العار العسكري في الحسبان الذي كان في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.اضافة اعلان
سنبدأ بنسبة القوات. التقدير حول نسبة القوات القتالية في حماس هو 30-50 ألف مقاتل، حتى لو اعتمدنا الحد الأعلى في هذا التقدير، فإن منظومة قوات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الاحتياط، وصلت إلى 300 ألف في بداية القتال. أي ستة أضعاف قوة حماس. الحاجة إلى تركيز القوات في شمال البلاد إزاء خطر مواجهة شاملة مع حزب الله، ما تزال تبقي في قطاع غزة نسبة من منظومة القوات أعلى من النسبة التي اعتبرت حيوية للنجاح في العملية البرية، 1: 3 (لا نريد الحديث هنا عن تحريك القوات بسرعة من ساحة إلى أخرى).
سنواصل المقارنة من حيث النوعية وحجم المعدات التي توجد لدى الطرفين. حماس لا يوجد لها سلاح جو أو مدرعات أو مدفعية. هي محدودة جدا في مجال الحماية الشخصية والجماعية ومعدات الرؤية الليلية والمعلومات الإلكترونية والتنبؤ والمساعدة على اكتشاف الأهداف ومنظومة الاتصال اللوجستية. صحيح أنه يوجد لرجال حماس تفوق محدد: إمكانية الاختباء ومعرفة الأرض ومساعدة السكان، لكن كل ذلك يتقزم إزاء الفجوة بين الطرفين من ناحية نسبة القوة ونوعية وحجم المعدات.
على خلفية ذلك، فإن المعطيات في بداية الحرب كانت تميل بشكل كبير لصالحنا. ولو أنه كان يجب التنبؤ بالوقت والسرعة للحسم العسكري المطلق، لكان من المرجح بالتأكيد التوقع بأن الحرب ستنتهي في غضون أسبوع أو اثنين. بدلا من ذلك، الآن بعد سبعة أشهر على الحرب، نحن لم نحقق أي حسم ولم نحرر المخطوفين وما نزال نراوح في المكان في وحل غزة أمام رأي عام دولي معاد ومظاهر المقاطعة والعزلة المتزايدة، والتسبب بضرر إنساني كبير جعل كثيرين في العالم يطلقون على ما يحدث في قطاع غزة "إبادة جماعية".
ماذا كانت استراتيجية إسرائيل؟ في الأسابيع الثلاثة الأولى للقتال، لم تكن أي عملية برية تقريبا. سلاح الجو وسلاح المدفعية والمدرعات قامت بسحق المناطق المكتظة بالسكان في القطاع، وتسببت بالقتل الجماعي بالمدنيين. الصدمة من أحداث 7 تشرين الأول (اكتوبر) استدعت ردود التأييد من قبل معظم زعماء العالم والرأي العام العالمي. ولكن هذه الردود تراجعت وغيرت الاتجاه إزاء أعمال القتل والدمار في القطاع، التي ازدادت مع الاستمرار في الحرب. إضافة إلى ذلك، فإن القصف من الجو وقصف المدفعية منحا حماس الوقت للانتظام، وفي هذه الفترة، استمرت في إطلاق الصواريخ على الجنوب والوسط وتشويش روتين الحياة هناك. لأنه كان من الواضح لكل عاقل يفهم في الاستراتيجية العسكرية أنه لا يمكن تحقيق الأهداف العسكرية التي تتمثل في القضاء على حماس بالقصف من الجو أو بالمدفعية فقط. لذلك يجدر السؤال، ما المنطق في أساس هذه الاستراتيجية البدائية للقتال؟
التفسير الوحيد الذي يناسب هذا السلوك للجيش الإسرائيلي هو دمج الاعتبارات السياسية وافتراض أساسي عسكري استراتيجي خاطئ.
الاعتبارات السياسية واضحة، وهي أن استمرار القتال يخدم حكم نتنياهو وعصابته. وبهذا المعنى، فإن بني غانتس وغادي ايزنكوت هما مساعدان مخطئان لهم. ولكن الاعتبارات العسكرية في سياسة القصف كانت مختلفة: الاعتقاد الساذج، الذي ثبت مرة تلو الأخرى بأنه خاطئ في التاريخ العسكري الحديث -أن القصف المستمر للمدنيين سيجعل سكان القطاع يثورون ضد حماس. وحتى لو كان يوجد غضب كبير على حماس في القطاع (لا أحد يعرف حجمه بالضبط)، فإنه توجد صعوبة في ترجمة هذا الغضب إلى نشاطات سياسية جماعية تؤدي إلى إسقاط حكم حماس. إضافة إلى ذلك، فإن سياسة قصف المدنيين من أجل الوصول إلى انقلاب سياسي فشلت مرة تلو أخرى في الحروب. ففي الحرب العالمية الثانية، واصل الألمان القتال حتى تم احتلال برلين على يد الحلفاء؛ اليابان واصلت القتال إلى أن قرر القيصر الاستسلام بعد إلقاء القنبلتين النوويتين؛ في حرب فيتنام الشمال واصل القتال رغم القصف الشديد لمناطقه من قبل الولايات المتحدة؛ وفي الحرب الحالية في أوكرانيا، يواصل الأوكرانيون القتال رغم القصف الكثيف على التجمعات السكانية من قبل الروس.
العملية البرية بدأت إزاء سلسلة ضغوط سياسية، وجرت بصورة غبية تستحق التقدير. بدلا من اقتحام القطاع من كل الجهات بهدف قطع مسارات الهرب أمام مقاتلي حماس والتشويش على الوضع اللوجستي لحماس، بما في ذلك القدرة على نقل المخطوفين من مكان إلى آخر، زحف الجيش الإسرائيلي على مراحل من الشمال إلى الجنوب، إلى أن غرق في الوحل على مداخل رفح. أثناء ذلك، لم ينجح بشكل كامل في ترسيخ السيطرة على أي منطقة في القطاع. المنطق في أساس هذا التكتيك هو تقليص، بقدر الإمكان، الخسائر في أوساط الجنود. ولكن الثمن العسكري والدبلوماسي الذي تسببت به هذه السياسة باهظ جدا ويفوق أي إنجاز لتكتيك القتال الزاحف. بالطبع الاحتلال الزاحف لأجزاء من القطاع لم يتسبب بالضغط على حماس وتحرير المخطوفين. من المرجح الافتراض أن العكس هو الصحيح، والمزيد من المخطوفين يقتلون بسبب استمرار القتال.
نحن نقف بعد سبعة أشهر على بدء القتال في رفح، التي يوجد فيها الكثير من المدنيين ومعظم القوات والسلاح التي بقيت لحماس. نحن بعيدون جدا عن تحقيق الأهداف العسكرية للحرب، ومسؤولون عن كارثة إنسانية شديدة، وفي عزلة دولية آخذة في الازدياد، بما في ذلك الخطر الحقيقي من فقدان آخر الأصدقاء إذا قمنا بتعميق الغزو لرفح. الإنجاز الوحيد الذي يمكن ملاحظته هو استمرار حكم نتنياهو وعصابته، والانزلاق المستمر لأصوات محتملة في المعارضة إلى الائتلاف. من ناحية عسكرية، فإنه تقريبا لا يهم متى وكيف ستنتهي الحرب. نحن هزمنا هزيمة شديدة.
هذه الهزيمة يوجد لها الكثير من الآباء، بعضهم يرتدي البدلات وبعضهم يرتدي الزي العسكري ووسم السيوف المتصالبة مع غصن الزيتون على الأكتاف. خلال سنوات، إسرائيل قامت ببناء جيشين منفصلين. الأول هو جيش تكنولوجي من أكثر الجيوش حداثة في العالم. دور هذا الجيش شاهدنا في 13 نيسان (أبريل) عندما أحبط تقريبا بشكل كامل هجوم الصواريخ والمسيرات الإيرانية. اسم الجيش الثاني من الجدير تغييره باسم "جيش مستوطني إسرائيل"، الذي منذ عشرات السنين هدفه هو إدارة الاحتلال. في العقد الأخير عمل هذا الجيش كمساعد بالفعل في استراتيجية ملاحقة وتخويف الفلسطينيين في الضفة الغربية من قبل المستوطنين. جميع رؤساء الأركان الذين عملوا في عهد نتنياهو يجب أن يحصلوا على التقدير بسبب بناء الجيش التكنولوجي. ولكن في المقابل، هم يستحقون الانتقاد الشديد على دورهم في العمل المهين للسياسيين وتشويه نظرية أمن إسرائيل التي خدمتنا بإخلاص في السنوات الستين الأولى لاستقلالنا.
لا يوجد في هذه الأمور ما يمكن أن يقلل من قدرة أداء المقاتلين في الميدان. هذه القدرة التي تآكلت قليلا في السنوات الطويلة من العمل كجيش احتلال، لكن في الأساس جوهر القتال على مستوى الوحدات الميدانية بقي مرتفع نسبيا. أيضا القيادة الدنيا بقيت ذات جودة عالية. المشكلة تكمن في القيادة العليا التي كانت مخلصة لإدارة الاحتلال، وهو الإخلاص الذي أدى إلى عدم التصميم وعدم الإبداع التخطيطي والتنفيذي. هذا التآكل لاحظه عدد غير قليل من الأشخاص. والتحذيرات المستمرة (مثلا ليغيل ليفي أو الجنرال احتياط اسحق بريك) تم تجاهلها من قبل السياسيين أو قادة الجيش.
نحن شاهدنا الفشل العسكري منذ انتفاضة الأقصى وفي العملية البرية في نهاية حرب لبنان الثانية. التركيز على التصفيات المركزة والعقاب الجماعي والتأييد المستمر لإرهاب المستوطنين، كل ذلك عمل على تآكل قدرة وسيطرة الجيش، وجعل القادة الكبار يكرسون معظم وقتهم لخدمة السياسيين الفاسدين، وحولوا قدرات الجيش البري إلى مسارات ليس لها أي صلة بأمن إسرائيل.
إن استبدال المستوى السياسي أمر حيوي لأمن الدولة ومستقبلها. مسؤولية المستوى السياسي من ناحية استراتيجية تفوق بكثير الإخفاقات والتضليل التي أدت إلى كارثة 7 تشرين الأول (أكتوبر). المستوى السياسي، بما في ذلك أشخاص مثل نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان ويئير لبيد، أخطأ لسنوات في وهم أنه يمكن (ويجب) تنويم القضية الفلسطينية، وأنه يمكن إشغال الجيش بمهمات شرطية في الضفة الغربية وحماية المستوطنات. دماء القتلى في هذه الحرب هي في المقام الأول على أيدي بنيامين نتنياهو، لكن السياسيين الآخرين ليسوا أيضا أبرياء من هذه التهمة. يجب على دولة إسرائيل العودة إلى المفاوضات الجدية مع السلطة الفلسطينية، ليس فقط لمعالجة موضوع "اليوم التالي" في قطاع غزة، بل من أجل استثمار الجهود الحقيقية في إنهاء النزاع. ولن يكون لإسرائيل أي مخرج من هذه العزلة الدولية الآخذة في التعمق إذا لم يتم إعطاء فرصة حقيقية لعملية سياسية مع الفلسطينيين.
في موازاة ذلك، إعادة ترميم الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء القتال، يلزم في المقام الأول بإعادة تحديد بؤر انشغاله. من دون أي صلة بمستقبل الضفة الغربية، فإن الجيش الإسرائيلي لا يمكن أن يكون ولا يجب أن يكون جيش شرطة. هو يجب عليه الاستعداد للقتال أمام تحديات كثيرة، بدءا من القتال مع تنظيمات ليست دولة وانتهاء بالقتال من مسافة بعيدة مع جيوش تقليدية وتهديد الصواريخ وسلاح الدمار الشامل. القدرة على التآزر بين كل مركبات الجو، سلاح الجو وسلاح البحرية وسلاح البر والاستخبارات، تحتاج إلى إعادة التفكير خارج الصندوق، وأيضا داخل صندوق جديد. الأشخاص الذين أداروا جيش الاحتلال وفضيحة حرب غزة، سواء في المستوى السياسي أو في المستوى الأمني، يجب استبدالهم في أسرع وقت كي يكون هناك نهوض لدولة إسرائيل.