قانون الانتخاب ولحظة الحقيقة

لا يتوقع أن تطول مناقشة وإقرار مجلس النواب لمشروع قانون الانتخاب الجديد، الذي بدأ المجلس بمناقشته يوم أمس، وقد لا تتجاوز المدة المتوقعة لذلك نهاية الأسبوع الحالي، أو الأسبوع المقبل على أبعد تقدير. اضافة اعلان
التقديرات والمؤشرات التي يمكن ملاحظتها في هذا السياق، تشير إلى أن مشروع القانون، بمحاوره الرئيسة التي جاءت من الحكومة، سيمر وسينال إقرار مجلس النواب، حتى لو تم إدخال بعض التعديلات هنا أو هناك، حيث لا يتوقع أن تمس مثل هذه التعديلات جوهر القانون ونظامه الانتخابي.
وفيما توقفت اللجنة القانونية النيابية، في بحثها لمشروع القانون، عند قضية تقسيمات الدوائر الانتخابية، بحيث خالفت الحكومة، وأدخلت نصا في مشروع القانون يحدد عدد الدوائر الانتخابية وتقسيماتها، فإنها لم تتطرق لأبرز تحفظات قوى سياسية وحزبية على مشروع القانون، وهي المتعلقة بالمطالبة بقائمة وطنية، واعتماد عتبة حسم للقائمة على مستوى المحافظة، وهما مطلبان يتوقع أن لا يقوم مجلس النواب بإدخالهما إلى مشروع القانون، وفق تقديرات وازنة.
ورغم وجاهة آراء المطالبين بالقائمة الوطنية ضمن قانون الانتخاب، باعتبارها مدخلا لدعم الحياة الحزبية والسياسية في البلاد، فإن المؤشرات لا تشير إلى أن ذلك بات ممكنا، فاعتماد مثل هذه القائمة الآن يحتاج لمشروع قانون جديد آخر، حيث بني المشروع الحالي على معادلة صوت للناخب للقائمة الانتخابية على مستوى المحافظة مع صوت آخر لمرشح فردي على مستوى الدائرة، فيما لا تبدو الحكومة ولا مجلس النواب أمام أي خيار لمزيد من التأجيل في الانتهاء من قانون الانتخاب.
قد يكون المطلب الرئيس الثاني، المتعلق بتحديد عتبة حسم لأصوات القائمة الانتخابية، بما يمنع تشتيت الأصوات والمقاعد بين كتل عديدة وصغيرة، كما جرى في تجربة القائمة الوطنية بالانتخابات الماضية، أمرا أكثر منطقية، ويمكن اعتماده من قبل النواب ضمن المشروع الحالي.
ورغم أن اعتماد القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة بمشروع القانون الحالي يعد متقدما وإيجابيا، ويرتقي بالعملية الانتخابية مقارنة بالقوانين التي اعتمدت منذ انتخابات العام 1993، فإن من حق القوى السياسية والحزبية، ونحن جميعا، أن نطالب باعتماد القائمة على مستوى الوطن، ورفع حصتها من مقاعد مجلس النواب، وصولا في المستقبل إلى مائة بالمائة. إلا أن عدم اعتماد هذه القائمة الوطنية في القانون الحالي لن ينفي التقدم الإيجابي الذي طاله، والذي يمكن البناء عليه في المرات المقبلة.
أما في موضوعة تقسيمات الدوائر الانتخابية، فلا أعتقد أن إقرار ما أدخلته اللجنة القانونية من عدمه سيمس جوهر القانون والنظام الانتخابي، فيما يمكن لمجلس النواب أيضا أن يستجيب لمطالب الفاعليات النسائية والمدنية برفع حصة "كوتا" المرأة في القانون إلى مقعد لكل دائرة انتخابية، بدلا من مقعد لكل محافظة إضافة لدوائر البدو الثلاث.
وفق هذه القراءة والمعطيات المحيطة بمشروع القانون والزمن المتوقع لإقراره، قد تكون الأولوية أمام النواب اليوم، هي لتحسين شروط الشفافية والنزاهة للعملية الانتخابية المقبلة، في وقت شكل فيه غياب هذه النزاهة والشفافية الانتقاد الأكبر، بعد الانتقاد الموجه لقانون الصوت الواحد في الانتخابات النيابية التي جرت منذ 1993.
قد لا يكون مشروع القانون الحالي ملبيا لطموحات الطيف الواسع من القوى السياسية، ولا شك أن ثمة ما هو أكثر تطورا وتمثيلا ديمقراطيا لإرادة الناخبين، لكنه بلا شك حقق نوعا من التقدم عن سابقه، ربما لم يتوقعه الكثيرون، ما يفتح الباب مستقبلا لتطويره، والبناء على ما تحقق من تقدم.