سلامة الدرعاوي يكتب: المديونيّة في ظل الـ"كورونا"

رغم أن الحكومة أعلنت وعلى لسان وزير ماليتها الدكتور محمد العسعس في أكثر من مناسبة التزام الأردن بسداد كافة التزاماته الماليّة الخارجيّة وبشكل طبيعيّ رغم تداعيات الكورونا الاقتصاديّة السلبيّة التي خلفتها على الاقتصاد الوطنيّ بشقيه العام والخاص، فإن ذلك لا يعني أن الخزينة تعيش في بحبوحة، بقدر ما هي رسالة إيجابيّة للمانحين والدائنين والمؤسسات الدوليّة على حدٍ سواء بأن المملكة التي وقّعت برنامجا إصلاحيّا جديدا مع صندوق النقد الدوليّ مصممة على معالجة التشوهات والاختلالات المزمنة التي تسيطر على الاقتصاد الوطنيّ رغم كُلّ التحديات والظروف، وهذا ما يفسره السرعة الكبيرة في التطبيق الصارم لمعايير الوقاية الصحيّة لمكافحة كورونا والتي تحقق نتائج مبهرة على الصعيدين الإقليميّ والدوليّ معاً.اضافة اعلان
المديونيّة والتي تشكّل هاجساً كبيراً لدى الأردنيين مرشحة اليوم للارتفاع بشكل كبير خلال الفترة الراهنة وبشكل يفوق المقدّر بسبب تداعيات الآثار السلبيّة التي خلفتها كورونا على الموازنة العامة من ناحية تراجع الإيرادات المحليّة وتنامي النفقات التشغيليّة بشكل كبير.
بالأرقام، عجز الموازنة مع المؤسسات المستقلة مقدر بحوالي 1.5 مليار دينار، وهذا الرقم بات تحقيقه على أرض الواقع أمراً مستحيلًا في ضوء تنامي نفقات الطوارئ بسبب تداعيات كورونا والتي أشارت بعض المصادر إلى أنها ستتنامى عن المقدّر بواقع 1.25 مليار دينار على أقل تقدير، أي أن العجز الكليّ الفعليّ قد يصل إلى 2.75 مليار دينار، وهذا سيتم تغطيته بالاقتراض الخارجيّ والداخليّ، مما يعني ارتفاع المديونيّة العامة والبالغة حاليا 30.17 مليار دينار تقريبا أو ما نسبته 96.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجماليّ، والذي من المرجح أن تقترب هذه النسبة من الـ98 بالمائة مع نهاية هذا العام.
هناك رأي يتداول في الوقت الراهن بأن الأردن وفي ظل أزمة الكورونا يملك فرصة كبيرة لإعادة جدولة ديونه، والمقصود بالديون هنا هي الديون الخارجيّة التي تبلغ ما يقارب الـ12.99 مليار دينار، أو ما نسبته 39 بالمائة من الناتج المحليّ الإجماليّ، فالديون الداخليّة صعب جدولتها لأنها مستحقة للقطاع المصرفيّ ومؤسسات ماليّة كبرى مثل صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعيّ، وبالتالي أي إعادة جدولة ستؤدي إلى آثار سلبيّة على الدائنين الداخليين.
أكثر من 60 بالمائة من الدين الخارجيّ هو دين تجاريّ، لصالح مؤسسات وهيئات اقتصاديَة خاصة مختلفة، وهي مقرضة للأردن بواسطة إما قروض مباشرة أو عن طريق سندات اليوروبوند، وهذه قروض ذات فائدة عالية جدا يصل بعضها إلى ما يزيد على الـ7.5 بالمائة، وهي ديون تحت مظلة نادي لندن للديون التجاريّة، ويصعب في الغالب إعادة جدولتها للدول التي يصنف دخل مواطنيها بالمتوسط المنخفض وليس بالمتعثر والفقير، وبالتالي يرفض دائنو هذا النوع من القروض أيَ عمليات إعادة جدولة لأنها تحقق لهم أسعار فائدة عالية وأرباحا كبيرة.
باقي القروض الخارجيّة هي قروض لحساب جهات سياديّة دوليّة أو مؤسسات دوليّة رسميّة، وهي موزعة بين قروض للبنك والصندوق الدوليين، اضافة إلى قروض من اليابان وبنك الإعمار الأوروبيّ وصناديق مالية عربية، وهذه قروض قابلة للجدولة اذا ما حصلت على موافقات من الدول المالكة لها أو مساهميها الرسميين، وهذا النوع من القروض فائدته منخفضة بالأساس يكون تحت مظلة نادي باريس، والكل يتذكر اتفاقية شراء الديون الخارجيّة المشؤومة التي قامت بها الحكومة سنة 2008 لشراء 3.3 مليار دولار من ديون نادي باريس ب2.1 مليار دولار وبسعر خصم 11 بالمائة، حيث أن بعدها بثلاثة أشهر فقط انهار الاقتصاد العالميّ في شهر أيلول وحصلت معظم الدول المدينة على أسعار خصم وصل لدى البعض إلى 40 بالمائة، مما أضاع على الأردن فرصة الاستفادة من هذه العمليّة التي تم فيها استخدام كافة عوائد التخاصية.
التخطيط لجدولة المديونيّة يتطلب إستراتيجيّة وطنيّة شاملة لمعالجة المديونيّة والتصدي لنموها، وهذا يكون بالأساس مقترنا مع برامج نمو اقتصاديّ قادرة على توفير مخصصات جديدة وإضافية لتخفيض الدين، وقد يكون هذا في المدى القصير صعبا للغاية، لكن بالإمكان التفاوض على قروض رسميّة جديدة بأسعار فائدة منخفضة لتحل محل ديون تجاريّة ذات فائدة عالية، كخطوة أولى نحو الحد من نمو المديونيَة.