ابحث عن الثقة..!

تسأل الاستطلاعات التي تقيّم سعادة الشعوب المشاركين: «هل تعتقد أن جارك سيعيد إليك محفظة نقودك إذا وجدها؟ وهل يعيدها لك الشرطي»؟ وإذا كانت نسبة الشك في نزاهة الجار والشرطي عالية، فإن البلد المعني لن يكون سعيداً. وسوف يتقاطع وضع الثقة مع كل شيء آخر، من مؤشرات الاقتصاد ومدركات الفساد، إلى سلوك الأفراد إلى التعامل مع الأزمات –ومنها الأوبئة. وحسب تقرير حديث لمجلة «الإيكونوميست»، وجدت الاستطلاعات أن «العديد من الأماكن التي تعاملت بشكل أفضل مع ‘كوفيد19’، مثل دول الشمال ونيوزيلندا، تمتاز بثقة واسعة في المؤسسات والأجانب، وتعتقد أغلبية كبيرة من سكانها بأن الجار سيعيد لك محفظتك».اضافة اعلان
أين يضعنا هذا؟ إذا كانت حصيلة أدائنا في مكافحة الوباء أعداد إصابات محلقة ووفيات فلكية، فيمكن إحالة هذا الأداء الرديء –في جزء منه- إلى عوز كبير في الثقة، أفقياً وقُطرياً وعمودياً. وتُفرد الأدبيات الجديدة عن الوباء متغير «الامتثال». وتقول دراسة حديثة: «فيما يتعلق بالأزمة الحالية… يشير باحثون إلى فكرة أن ارتفاع مستوى الثقة في الحكومة يؤدي إلى مزيد من امتثال المواطنين للسياسات الصحية -مثل التدابير المتعلقة بالحجر الصحي، واختبارات الكشف عن الإصابة، والقيود المفروضة على التجمعات الجماهيرية».
وسوف تتدخل الثقة أيضاً في اختيار الحكومة لنوعية إجراءات مكافحة الوباء بناء على استشعارها لنوع التبادل بينها وبين مواطنيها: هل يثقون بها إلى حد يسمح لها بفرض إجراءات قاسية، مثل الحظر والإغلاق، دون أن تتوقع رد فعل ساخط؟ هل تستطيع التعويل على مستوى جيد من الرضا العام الناجم عن استمرارية للسياسات التي حددت مستوى الرفاه والتشارك والانتماء المتبادل بطريقة جعلت العلاقة في الاتجاهين موسومة بالود الصادق والثقة؟ إذا كان الأمر كذلك، فسيمكنها تفعيل «التحشيد حول العلَم» بافتراض التفاهم والقبول بتحمل الألم المشترك.
كتب جيفري ساكس، الخبير الاقتصادي بجامعة كولومبيا: «قرر السياسيون والمسؤولون في العديد من الدول الأوروبية والأميركية أنهم لا يستطيعون طلب الكثير من الجمهور. وأدى مزيج من الفردانية والثقة المؤسسية المتدنية إلى شعورهم بأنهم غير قادرين على الإصرار على فرض الحجر الصحي أو ارتداء أقنعة الوجه، إلى أن أصبح الوضع يائسًا».
هل يبدو هذا مألوفاً؟ عندما تكون جملة السياسات قد أدت إلى عدم اليقين الاقتصادي والقلق الاجتماعي وتوتر خطوط التواصل الأفقية والعمودية في أي بلد، يكون من المبرر التفكير في عدم زيادة الضغط على الناس –المحتقنين سلفاً- لتطبيق التدابير القياسية لمكافحة الوباء. وهكذا، يمكن أن تكون هشاشة الأفراد –اقتصادياً واجتماعياً- كنتيجة لمجمل السياسات سبباً في اختيار فتح القطاعات، مثلاً، على حساب زيادة أعداد الإصابات والوفيات. لكن هذه الزيادات ستفاقم أيضاً عدم ثقة المواطنين بالحكومة، باعتباره فشلاً جديداً في إدارة الوباء. المسألة دائرية.
وفي مسألة المحفظة والجار والشرطي، يمكن افتراض أن المناخات العامة هي تصنع المزاجات والسلوك، فتجعل الجار ودوداً ونزيهاً تجاه جاره ومنفتحاً عليه، أو بخلاف ذلك أميل إلى الفردية وتغليب المصلحة الخاصة. وكذلك حال الشرطي -الذي يمكن افتراض أنه يمثل السلطة. وإذا كنت لا تثق في نزاهة الشرطي، المسؤول عن أمنك ورفاهك وحفظ حصتك وحقك، فإن الفساد النازع لأي ثقة يكون خطيراً ومدعاة إلى مزيد من الفردانية.
الذي يأخذ محفظة جاره إذا وجدها، هو الذي يأخذ دوره في أي طابور، ويزاحمه على الأشياء التي معروضها قليل. إنه لن يكفله في قرض، ولن يخاف عليه من العدوى. وسوف يتكتم على إصابته ويذهب إلى العمل والسوق. وسيخلع الكمامة حين يدير "الشرطي" ظهره. وسوف يرفع الأسعار على جاره من دون حق إذا كان تاجراً. وسوف يستغل عماله إذا كان صاحب عمل. وإذا توقع أن "الشرطي" لن يعيد له محفظته، فسوف يشك في –أو يرفض- أي اقتراح منه، بما في ذلك أخذ اللقاحات مثلاً. وباختصار، سوف يغيب التضامن الاجتماعي والتضامن المتبادل بين الحكومات والناس، فيفشل كل شيء.
شرع العالَم في قراءة نفسه بطرق جديدة بعد أن كشف الوباء عن الكثير من العلاقات، وكيف أن مقدمات معينة تجعل مواجهة الأزمات أصعب. وبشكل خاص، تركز الضوء على مسألة الثقة، كمحدد حاسم للكثير من الأشياء. ويحتم علينا أداؤنا أن نواكب.