"بصمة" الأطباء.. أزمة مفصلية!

بُعيد قراره المُتعلق بنقل مركز الطب الرياضي من مدينة الحُسين الرياضية، إلى قسم العلاج الطبيعي في مُستشفى البشير الحُكومي، في خطوة حملت الكثير من التساؤلات حول جدواها ومغزاها، ها هو وزير الصحة، فراس الهواري، يُعيد الكرة ثانية، ويُصر على تفعيل نظام «البصمة» بالنسبة لدوام الأطباء.

اضافة اعلان


وكأن ذلك ينطبق على بيت شبه مُتهالك، أو للإنصاف مُنهك، وسقفه يدلف، ويُغذي ذلك عدم عزل سطح المنزل جيدًا، من قبل مُختصين.. إلا أن صاحبه يُصر على التركيز على الساحة الخارجية للبيت، ويعمل بكُل جد على إعادة تأهيلها فقط، مُتناسيًا أن سقف وجدران المنزل، الذي يؤويه وأفراد أُسرته، بحاجة إلى صيانة وإدارة حصيفة، وبأسرع وقت مُمكن.


وزارة الصحة، تُصر من خلال تعميم رسمي، على نظام «البصمة» للأطباء، كأداة رسمية لاعتماد برامج الدوام، مُهددة بالحسم مُباشرة من راتب الطبيب، في حال استنفد رصيد إجازاته، وقد وصلت درجة التهديد إلى مُعاملة الطبيب «غير الباصم» كأنه مُتغيب، وبالتالي اعتباره فاقدًا لوظيفته.


الوزير الهواري، بقراره ذلك، يوحي لنا بأنه غير آبه ولا مُهتم، بظروف عمل الأطباء، الذين يواصلون الليل بالنهار، من أجل علاج الحالات المرضية، وهم جميعا، باستثناء قلة لا تُعد على أصابع اليد الواحدة، دائمو التفكير بالمرضى وأوجاعهم.. إذ أنه من المعلوم بأن أكثر الناس عُرضة للإصابة بـ»الجلطات» هم الأطباء، كونهم دائمًا مشغولين بمرضاهم وحالاتهم.


«الصحة» ووزيرها، كأنهما يغضان الطرف، عامدًا مُتعمدًا، عن الاكتظاظات التي تشهدها المُستشفيات والمراكز الصحية الحُكومية، التي باتت خطط الوزارة شبه مشلولة عن مُعالجتها، فضلًا عن نقص الأدوية، خصوصًا غالية الثمن، أو تلك التي تتعلق بالأمراض المُزمنة، ناهيك عن المُشكلة الأهم والتي تتعلق بنقص أطباء الاختصاص.


كُل ذلك موجود، أمام ناظري الجميع، مسؤولين ومواطنين، ولا يُشغل بال وزارة الصحة إلا «بصمة» أطباء يعملون بشكل عام أكثر من 12 ساعة يوميًا، تحت ضغط رهيب، وتوتر أعصاب، إذ أن الطبيب مُطالب بالكشف على نحو 60 إلى 70 مُراجعًا يوميًا، في المتوسط الحسابي، فضلًا عن أيام المُناوبات.


ثم إن «الصحة» ووزيرها، كأنهما يتعمدان اتخاذ قرارات غير مدروسة، فعلى سبيل المثال، لم يُجيبا عن أسئلة من قبيل: هل سيُلزم الطبيب بدوام عدد مُعين من الساعات؟، هل سيكون هناك بدلات في حال زادت ساعات عمل الطبيب؟، ذلك أمر صعب أن يُطبق على الأطباء.. ولنعكس الأمر قليلًا، فماذا لو انتهى دوام الطبيب، وبين يديه حالة مرضية؟، هل سيقول بأن الدوام «انتهى»، ويترك المريض!.


ثم لماذا، لم تُشرك وزارة الصحة، نقابة الأطباء في المُناقشة حول نظام «البصمة»، فأهل مكة أدرى بشعابها. كأننا أمام سيناريو مُشابه لذلك الذي حصل عندما قرر الهواري نقل مركز الطب الرياضي، ورفض في الوقت نفسه الاستماع لمُلاحظات ووجهات نظر القائمين على المركز نفسه.


وإذا كان وزير الصحة برر قرار نقله مركز الطب الرياضي بمُعالجة «الترهل»، على حد قوله، فإنه برر اللجوء إلى «البصمة»، لأن هناك أطباء يعملون بـ»الخفاء» في مُستشفيات خاصة.. مع أن مُعالجة هذا الأمر بسيط جدًا، ويتمثل بالتشدد في الجولات التفتيشية على تلك المُستشفيات، وبالتالي معرفة إذا كان هناك أطباء حكوميون يعملون بها أم لا.


مُعالجة موضوع الأطباء العاملين في القطاع الخاص، لا يكون من خلال أخذ الكُل بجريرة المُخالف، فهذا ظلم بحد ذاته، ولا يكون أيضًا بـ»بصمة»، فحماية حقوق الطبيب واجبة كذلك.


خطوة جديدة، تدل على تخبط إداري، وعدم قدرة على قراءة الواقع، ومعرفة حاجات المؤسسات.. ليس هكذا تُدار الإدارة، فـ»بصمة» الطبيب، ليست قضية مفصلية.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا