لماذا يتهم الأردن دوما؟

“الأردن، مثل خبز الشعير، مأكول مذموم”.. قد تكون هذه المقولة القديمة الجديدة، اعتاد عليها الشعب الأردني، وباتت لا تؤثر كثيرًا على مواقفه وأفعاله، وكأن الوطن وأبناءه يتقبلون ذلك من القريب قبل البعيد، لكنهم في الوقت نفسه لا يكترثون لها، ولا يُعيرونها أي اهتمام، فهم وبلدهم أكبر من ذلك وبكثير.

اضافة اعلان


لكن الجديد أن الأردن، الذي قدم ما قدم، من شهيد تلو الآخر، على ثرى أكثر من وطن عربي شقيق، خاصة في فلسطين المُحتلة، أصبح دائمًا في دائرة الاتهام، فما إن يُقدم على موقف أو فعل، أو يصدر تصريح من أحد مسؤوليه، حتى تبدأ “ماكينات” وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة، بعملها القائم على “التشكيك” و”التخوين” و”الضرب تحت الحزام”.


لنأخذ مثلًا، غارات القوات الجوية الأميركية التي نفذتها داخل الأراضي العراقية، الأيام القليلة الماضية، لتبدأ بعدها تقارير صحفية بث سمومها مُتهمة الأردن بأنه شارك في تلك الغارات.


وعلى الرغم من أن القيادة العامة للقوات المُسلحة الأردنية - الجيش العربي، أكدت أن سلاح الجو الملكي الأردني لم يُشارك في تلك الغارات، نافية ذلك جُملة وتفصيلًا، إلا أن تلك التقارير الصحفية انتشرت في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المُختلفة، كانتشار النار في الهشيم، من غير تسليط ضوء ولو بسيط على تصريحات الجيش العربي، أو حتى مواقفه القديمة والجديدة.


لا نُذيع سرًا، إذا ما قُلنا إن هُناك فجوة، عمرها أعوام عديدة، ما بين الدولة والحُكومة من جهة، وغالبية الشعب الأردني من جهة أُخرى، فالأخير دومًا يُشكك بما تُصرح به الحكومة أو إجراء أو قرار تتخذه، أو ما تُقدم عليه من مواقف وأفعال.. لكن مُعظم المواطنين يثقون ثقة مُطلقة بالجيش العربي والأجهزة الأمنية، وهذا ما تؤكد عليه نتائج استطلاعات الرأي التي تُنفذها مراكز الدراسات والأبحاث، أكانت رسمية أم مُستقلة.


في ظل الظروف العادية، يتوجب على الجهات المسؤولة العمل بكل جدية وجرأة من أجل ردم تلك الفجوة، أو على الأقل تخفيف حدتها، وهو ما لا تُقم به الحُكومات المُتعاقبة.. فما بالك إذا كان الوضع غير عادي، كما هو الآن، حيث يتعرض الأردن إلى أكثر من هجمة، فما إن يلتقط بواسل الجيش العربي أنفاسهم من إحباط تهريب مُخدرات، والاشتباك مع مُهربيها، حتى يواجهوا مجموعات تحاول إدخال أسلحة إلى البلاد، ناهيك عن استهداف الأردن خارجيًا، لزعزعة أمنه واستقراره.


ولكي نكون موضوعيين، فإن تلك الفجوة، مُرتبطة ارتباطًا وثيقًا بضرورة توفر المعلومة، وبأقصى سرعة مُمكنة، خاصة  في القضايا المفصيلة أو الأزمات، حتى لا يبقى المواطن عُرضة للتأثر بالإشاعات، فالفطرة البشرية عندما لا تجد المعلومة من مصدرها، تلجأ إلى البحث عنها من مصادر أُخرى، حتى لو كانت خارجية، ونفسيًا تبدأ بالميل إلى تصديقها.


تصديق الإشاعة، التي مصدرها الخارج، قد يكون نابعًا إما من تجارب سابقة، سببها الرئيس تلك الفجوة التي تحدثنا عنها آنفًا، أو عدم توفر المعلومة في وقتها.. أو قد تكون نابعة من عدم انتماء للوطن، وهُنا تقع الطامة الكُبرى، الأمر الذي يوجب الانتباه إليه جيدًا، وإعداد العدة اللازمة له.


موضوع الانتماء، عبارة عن حلقة مُتكاملة، الجميع مسؤول عنها، بدءًا من الحُكومة، مرورًا بالمدارس والجامعات والمناهج، وكذلك بيوت العبادة، والأحزاب والنقابات، ووسائل الإعلام المُختلفة، انتهاءً بالفرد نفسه.. فكل شخص أو جهة من هذه الجهات يقع على عاتقه مسؤولية الذود عن الوطن، فإذا كان العسكري يدافع عنه بروحه، فالمواطن المدني، بديهيًا، يتوجب عليه دحض الاتهامات، وعدم الاكتراث لها والاستماع إليها.


يجب التيقظ جيدًا لموضوع توجيه الاتهام للأردن، أو “لعنه” أو “جلده”، عندما يُقدم على فعل ما أو يُصرح بأمر مُعين، ويتوجب ألا يمر مرور الكرام، وألا يتم الاعتياد عليه كـ”خبز الشعير”.. فالأردن قدم وما يزال وسيبقى يُقدم للأشقاء كُل في مكانه، ضمن إمكاناته ومصالحه العُليا.


ويبقى السؤال: لماذا يتم تصديق الجيش العربي عندما يُصرح بأنه استهدف مُستودعات ومخابئ لمُهربي مُخدرات داخل سورية على الحدود بين البلدين.. ولا يتم تصديقه عندما يؤكد بأنه لم يُشارك في غارات جوية أميركية على العراق الشقيق؟.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا