زعامات في "الضمان"

محمود خطاطبة- في مسرحية «غربة»، عندما دخل الممثل السوري دريد لحام (البيك) في نقاش مع الممثل عبدالهادي الصباغ (الأستاذ)، حول الديمقراطية وضرورة إجراء انتخابات، سأل «البيك» أهالي ضيعة غُربة من منهم يرغب بالترشح لرئاسة حُكومة «غُربة»، فرفع الجميع أياديهم بلا استثناء، يُريدون الترشح، وهُنا توجه الفنان لحام إلى الأستاذ قائلًا: «تفضلت، لك ضيعة كُلهن زُعماء، منين بدي جيبلك شعب». تلك مقولة تنطبق على ما جادت به قريحة المُدير العام للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، الدكتور محمد الطراونة، خلال اجتماع عقدته اللجنة الإدارية النيابية، يوم الاثنين الماضي، حول المجموع الكُلي لموظفي «الضمان»، والذين يبلغ عددهم 1546 موظفًا وموظفة، نصفهم تقريبًا يحمل رتبة «إشرافية»، مُقرًا بأن ذلك «يُشكل ترهلًا وتشوهًا إدارياً». هذه الكلمات، تعني أن هُناك 773 شخصًا، يشغلون وظائف إشرافية، بدءًا من رئيس قسم، مرورًا بمُدير مُديرية أو إدارة، انتهاءً بإدارة عُليا، فضلًا عن المُستشارين، وما أكثر الفئة الأخيرة في مؤسسات القطاع العام، بلا استثناء. خُطوة أكثر من رائعة، أن يعترف رأس الهرم في مؤسسة كـ»الضمان»، تهم كُل مواطن أردني، بوجود قصور أو تشوه أو ترهل إدراي، فهذا يُعد في علم الإدارة حلا لأكثر من نصف المُشكلة.. لكن السؤال الذي يتوجب الإجابة عليه من قبل القائمين على هذه المؤسسة، الأهم في الأردن، لماذا يتم السكوت على مثل هذه المثلبة كُل هذا الوقت، ولمصلحة من؟. ويعني ذلك أيضًا، أن ما حققته مؤسسة الضمان، من إنجازات وتقدم ونجاح، طيلة الفترة الماضية، كان بفضل صغار الموظفين، إن جاز التعبير، الذين كانت تقع على عاتقهم تحمل المسؤولية كاملة، والظاهر أنهم كانوا يبذلون جهودًا مُضاعفة لتظهر المؤسسة على ما هي عليه الآن. لا أحد يشُك للحظة، بأن ذلك فيه مُبالغة، فمن المعلوم بأن الموظفين، أصحاب الدرجات الدُنيا، أكانوا يعملون في القطاع العام أو الخاص، هم من يقومون بنصيب الأسد من المهام والواجبات، التي من نتائجها نجاح المؤسسة وتقدمها وازدهارها. مرة ثانية، وجود هذا العدد من الأشخاص في وظائف إشرافية، دليل على وجود ثغرة كبيرة في مؤسسة الضمان، كان الأولى ألا يتم التغاضي عنها، والتنبه إليها مُبكرًا، فهذه المؤسسة فيها تتجمع أموال الأردنيين، الذين يأملون بعيش مُحترم في خريف أعمارهم. وعطفًا على كلام الطراونة في ذلك الاجتماع، حيث قال «إنه تم تشكيل لجنة لدراسة ملف هيكلة المؤسسة للنهوض بدور وأداء الضمان».. هذا كلام لا يُشق له غُبار، لكن الخشية أن يكون على حساب موظفين أفنوا أعمارهم في سبيل نجاح مؤسستهم. فلا أحد يُنكر الحاجة المُلحة لعملية تطوير إداري في القطاع العام، والتي تُعد من أساسيات التنمية المُستدامة. وللتذكير فقط، فإن «الهيكلة» في أي مؤسسة، لا تكون فقط من خلال تقليص أعداد الموظفين، سواء إقالتهم أو إحالتهم إلى الاستيداع، أو نقلهم، وإنما يجب أن تشتمل أيضًا على المباني والفروع، خصوصًا تلك التي لا يوجد داع لها.. ومؤسسة الضمان لديها فروع كان الأصح ضرورة الاستغناء عنها، ومنذ زمن. كما أن «الهيكلة»، لا تكون بإحلال شخص غير مُتمكن أو مُتمرس في الوظيفة الإشرافية، التي تم نقله إليها أو تعيينه فيها، إذ لا يصح أبدًا، على سبيل المثال، وضع رجل تخصصه وخبرته في مجال الإعلام ليقوم بمهام تكنولوجية أو فنية بحتة، أو رجل قانون على رأس مديرية فنية أو حتى إعلامية. نقطة ثانية، عندما يكون لدى «الضمان» 420 موظفًا مُنتدبًا من مؤسسات ودوائر حكومية، فإن ذلك يعني أن نسبة المُنتدبين إلى موظفي المؤسسة تبلغ 27.2 بالمائة.. تخيل عزيزي القارئ كيف ستكون مؤسسة ما يقرب من ثُلث موظفيها هم منتدبون!. المقال السابق للكاتب “تعسفية” نقل مركز الطب الرياضياضافة اعلان