على واشنطن إنهاء العدوان خدمة لمصالحها

يعتقد الكثيرون أن قرار الحرب وعدمه فيما يجري من عدوان إسرائيلي سافر وجريمة صهيونية دموية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو بيد تل أبيب، لكنه ليس كذلك، بل بيد واشنطن وحدها، ومن خلفها لندن بالدرجة الأولى، ومن بعدهما معظم عواصم الاتحاد الأوروبي.

اضافة اعلان


وفي حال استمرار الضوء الأخضر الغربي للعدوان الإسرائيلي، فإن المنطقة مرشحة لتعقيدات على جبهات متعددة، سياسية بالطبع وعسكرية قد تتفاقم بطبيعة الحال، وما يؤجج ذلك ما يشعر به قادة الاحتلال الإسرائيلي من إهانة عسكرية قاسية وجهتها حركة حماس لهم في السابع من الشهر الماضي، والتي جن جنونهم على إثرها، وما هذا القصف الجوي الأعمى، الذي لا يراعي حرمة المساجد والكنائس ولا ضرورات العائلات والمستشفيات والمدارس، إلا دليل على ذلك، مع استمرار التوجس الإسرائيلي من الولوج في غزو بري شامل لغزة قد يخلف فعلا، وسط تقديرات عسكرية، مقبرة للقوات الإسرائيلية. وعليه، فما تزال العمليات البرية الإسرائيلية بين مد وجزر كل يوم، مع اعتماد جيش الاحتلال أكثر على سياسة حرق الأرض بقصفه الجوي المكثف.


إسرائيل تستند، وكما هو واضح، إلى الدعم الأميركي والغربي لها للمضي في استراتيجيتها المعلنة لإنهاء وجود حركة حماس، وهو الأمر شبه المستحيل في ظل التصاق الشعب الفلسطيني في غزة بحماس فكرا وممارسة، حتى وإن كان الثمن غاليا جدا بين الأرواح والممتلكات. أضف إلى ذلك قراءات معلنة في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن حماس عصية على الانكسار التام.


قد نكون فعلا أمام حرب طويلة الأمد، كما يتنبأ قادة الاحتلال الإسرائيلي، وهي تتعقد يوما بعد آخر، خصوصا مع دخول أطراف على جبهة الصراع، وفي مقدمتهم حزب الله، الذي لم يكشر عن أنيابه بعد، وما يزال في مرحلة المناورة العسكرية المحسوبة. لكن الوضع قد ينفجر، خصوصا في حال انفلات الأمور عسكريا بين الحزب وإسرائيل، لا سيما وأن حزب الله يخشى، في حال هزيمة حماس، أن يكون التالي على القائمة الإسرائيلية والغربية.


دخول حزب الله في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل له تعقيدات إقليمية في ظل الدعم الإيراني المعلن للحزب، وما قد ينطوي عليه من أبعاد في المشهد الإقليمي، خصوصا مع دفع واشنطن بقواتها للمنطقة، والتي بدأت تتعرض لهجمات في العراق وسورية، وردا على ذلك قامت مؤخرا بتوجيه ضربات محدودة إلى منشآت تحت ذريعة "استخدامها من قبل الحرس الثوري الإيراني ومجموعات مرتبطة به"، وهو الأمر الذي تراقبه، بطبيعة الحال، موسكو وبكين عن كثب، وهما على علاقة وطيدة مع طهران سرا وعلنا. ولكم أن تتخيلوا ما قد يقوده كل ذلك، خصوصا مع تحريك إيران أيضا لذراعها في اليمن، ميليشيا الحوثي، الذي بات يعلن يوميا عن مسؤوليته عن عدة هجمات صاروخية وطائرات بدون طيار ضد إسرائيل.


الخريطة العسكرية في المنطقة قد تتعقد، لكن قد يكون كل ما تقدم ضربا من الخيال في حال توصلت الإدارة الأميركية ومن خلفها البريطانية والأوروبية إلى قناعة استراتيجية وقرار حاسم بضرورة الضغط على إسرائيل لإعلان هدنة إنسانية تمهيدا لوقف الحرب نهائيا، وقلب الموقف لصالح إطلاق عملية سلام شاملة في المنطقة. ففي ذلك مصلحة غربية، قبل أن تكون عربية. ووقتها تكون واشنطن فعلا قد قامت بدور القوة العظمى الحريصة حقا على السلم العالمي، وفي ذلك شجاعة سياسية.


المبادرة العربية للسلام، والتي تستند إلى حل الدولتين، تشكل أساسا منطقيا، خصوصا وأن معظم الدول العربية، ومنها الخليجية، باتت داعمة للمبادرة. الفرصة سانحة لسلام إقليمي شامل، إن ضغطت واشنطن على تل أبيب لوقف الحرب فورا، يقوم على أساس حق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة دولته المستقلة التي تشمل مختلف أطياف المشهد الفلسطيني. وقد يكون السلام الفلسطيني الإسرائيلي الحقيقي مدخلا لسلام إسرائيلي عربي أشمل. وما قد يساعد على ذلك أن المستقبل السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف، بنيامين نتنياهو، سينتهي لا محالة بعد الحرب.


ويبقى قرار الحرب أو السلام بيد واشنطن وحدها، صاحبة أقوى الجيوش وعرابة السياسة في العالم، وهذه حقيقة لا يجب تغافلها بالتمنيات غير الواقعية، وعلى واشنطن أن تعلم أنها بتحقيق السلام ستحمي مصالحها الإقليمية، ما سيمكنها من الالتفات إلى مناطق ساخنة أكثر حول العالم للغاية نفسها، خصوصا في شرق الأرض. والمصلحة وحدها ما تفهمه واشنطن تاريخيا. وهذه المعادلة التي علينا فهمها والتصرف على أساسها، إن كنا فعلا حريصين على إيقاف حمام الدم الفلسطيني.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا