لندن ومسيرات التعطُّل

في لندن يجتمع ممثلو الدول السبع الكبار، ومؤسَّسات تمويل دولية، وجهات ذات مصالح، ضمن مؤتمر يعدُّ الثالث خلال السنوات القليلة الماضية لمناقشة ما يمكن تقديمه إلى الأردن. اضافة اعلان
وبصرف النظر عما تتناوله الأخبار حول عدد المُشاركة من الأردن، سواء أكان 200 أو 280 مشاركاً، فإن المهم هو نوعية المشاركة، من جهة، ونوعية ما نحمله معنا إلى لندن من جهة أخرى.
فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى لفت أنظار المشاركين إلى ما في جعبة القطاعين العام والخاص من مشاريع يمكن للمهتم من من الخارج أن يلتفت إليها، وأن تفتح شهيته الاستثمارية ليقرر مختاراً أن يغتنم الفرص وأن يحقق منها منافع له ومنافع للاقتصاد الوطني الذي هو في أمس الحاجة اليوم إلى تحقيق معدلات تنمية حقيقة تساعد على خلق فرص عمل، بات الاحتياج إليها مرتكزاً أساسياً للاستقرار والتنمية في البلاد.
فمقابل مشهد الحشد الكبير من المشاركين في مؤتمر لندن، هناك مشهد وطني من جحافل شبابية من عدة مناطق في المملكة تسعى سيراً على الأقدام نحو عمان لإيجاد مخرج لتعطلها، في تصوير ميداني لحجم البطالة وزخم ثقلها على أجيال الشباب في العديد من المحافظات.
وفي المشهد أيضاً حكومة باتت جادة، وخاصة مع بداية العام الحالي، في التركيز على جانب الاستثمار وفرصه. وتكاد اليوم تقول إن فصل الضرائب والرسوم تم إغلاقه، وجاء وقت فصل جديد من تحفيز الاستثمار، ومن جذب المستثمرين الجادين إلى البلاد.
ترابط المشاهد الثلاثة هو مفتاح التحول الاقتصادي الذي نأمل أن يحقق أهدافه. فاستيعاب ما يزيد على 300 ألف شاب وفتاة عاطلين، أو متعطلين عن العمل، مفتاحه نمو اقتصادي حقيقي لا يقل عن 7 %، وتحقيق ذلك لم يكن معجزة في السابق، ولن يكون اليوم، طالما أن الحكومة وصنّاع القرار جادين في اغتنام الفرص وفي توفير الإمكانات والممكنات. حقق الأردن نسب نمو تفوق ذلك في فترات مختلفة، ويمكنه أن يحقق ذلك اليوم.
الامتحان الحقيقي في لندن ليس في تعهد بعض المانحين بتقديم المساعدات المالية للخزينة أو لمشاريع بعينها، فعلى أهمية ذلك وبالرغم من الحاجة الماسة إليه، فإنَّ المحكّ والفيصل في الوصول إلى مستثمرين جادين يتخذون قرارات جادة في اغتنام فرص الاستثمار في المشاريع القائمة في شتى محافظات المملكة، ويتعهدون في الاستثمار بما ستقدمه الحكومة من مشاريع حملتها معها من جهة، وفي الاستثمار بما يحمله معهم ممثلو القطاع الخاص من مشاريع يرغبون في عرضها على المستثمرين، عبر عروض مثمرة، مربحة، نوعية، وذات عوائد كبيرة من جهة أخرى.
على الحكومة أن تُقدم خارطتها الاستثمارية كحزمة نوعية، وفرصة يجب اغتنامها، وأن تقدم في الوقت نفسه مسار التسهيلات التنافسية التي ستقدمها، والإجراءات التحفيزية التي ستتخذها في حال تم الاستثمار في الأردن. ولعل الحافز الأول الذي يجب أن يتم تقديمه، هو حزمة تحفيزية ترتبط اليوم بعدد فرص العمل التي سيتم توفيرها للشباب، ومن أبسط الحوافز هنا تحمُّل حصة المستثمر في اقتطاعات الضمان مثلاً وعلى مدى 3 سنوات عن كل فرصة عمل يتم استحداثها والحفاظ عليها لمدة لا تقل عن 5 سنوات.
ناهيك عن إمكانية ربط حوافز الضريبة، بحجم الرواتب التي يتم دفعها للمواطنين وضمن منهجية تحفز إلى تعيين وتدريب وتأهيل العديد منهم.
وعلى صعيد آخر، فإنَّ الأمل أن يسعى القطاع الخاص الأردني نحو تحفيز المشاركين في مؤتمر لندن إلى الدخول إلى السوق الأردني عبر شراكات في مشاريع قائمة، في العبدلي، والعقبة، والمناطق التنموية في معان والمفرق وغيرها، والدخول أيضاً في شراكات في مشاريع نوعية جديدة في شتى المحافظات.
الآمال أن نعود من لندن بفرص استثمارية واتفاقيات مبدئية للاستثمار، فهذه هي مفتاح التعامل مع مسيرات التعطل، وهي عنوان تحقيق النمو، والوصول إلى التنمية المتوازنة، وتخفيف عبء المديونية نسبة وقيمة، ورفد الخزينة بالإيرادات المستدامة من النشاطات الاقتصادية وليس إيرادات موسمية من مساعدات تحكمها العواطف السياسية، وتعصف بها المواقف التي لا تعجب المانحين أحياناً.
التمنيات للحكومة بالتوفيق في اغتنام مؤتمر لندن كنافذة لعرض فرص الاستثمار في الأردن، وفي التفكير في الأردن كبوابة استثمارية للمهتمين من المشاركين سواء كان الاهتمام بالاقتصاد الوطني فقط، أو بالنفاذ إلى الاقتصادات المجاورة، أو بالمساهمة بعمليات الإعمار القادمة من العراق وسورية عبر بوابة الاستثمار في الأردن.