مجتمع دولي قليل الدسم منزوع الحماية!

في عام 1865، أنشأت الدول لأول مرة منظمات دولية للتعاون في مسائل محددة، وكان أول من تأسس هو الاتحاد الدولي للاتصالات، وتليه إنشاء اتحاد البريد العالمي. وكلاهما أصبح من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وفي عام 1899عقد مؤتمر السلام الدولي في لاهاي لوضع أدوات لتسوية الأزمات سلمياً، ومنع الحروب، وتقنين قواعد الحرب، واعتمدت اتفاقية التسوية السلمية للمنازعات الدولية وأنشأت محكمة التحكيم الدائمة والتي بدأت عملها بعد ذلك بسنوات قليلة، ومع ذلك وبالرغم من أن أول اتفاق واجماع دولي وان كانت اقرب عناوينه “طرق الاتصال والتواصل والحماية”، إلا أن ما لحقه من انشاء وتأسيس منظمات دولية بعدها وحتى يومنا هذا لم تتمكن من ضمان انجاح غاية التواصل والاتفاق والحماية بين دول العالم، وهذا ما يؤكده حاضرنا اليوم من أسماء منظمات كثيرة لا صوت قوة لها في ردع أو منع قتل آلاف المدنيين ليثبت اننا في عالم قليل الدسم منزوع الحماية ويقع تحت الوصاية الجبرية.اضافة اعلان
ومن عصبة الامم والتي انشأت وانتهت بين حربين بتسليم كافة أصولها إلى الأمم المتحدة، وتحت هدف لم يتحقق من التأسيس بالعمل لمنع الحروب مستقبلا، نشهد اليوم انها اداة الحرب وأبرز ملامح الهيمنة الدولية المنفردة لقطب واحد بعيدا عن أي عدد من الدول التي تشكل منظومة الأمم المتحدة وأبرز اداراته - مجلس الأمن -. هي أميركا القطب الذي يتحمل ما نسبته 22 % من نفقات منظمة كنا نحلم أو نضن انها مرجعية حماية دولية كما سوّق لها، لنعيش جميعا انها تمثل “بندقية” البيت الأبيض التي لا تخرج عن هواه واتجاهاته وأوامره، فأصبحت منظومة منزوعة الدسم منزوعة الحماية والغايات، منظومة الفيتو الأميركي بوجه كل الدول الأعضاء مع شركاء العبث والدمار في مسيرة السلام والحقوق العالمية.
العالم اليوم أمام مواجهة حقيقية مع نفسه، مواجهة مع أكبر مستويات ومخاطر انهاء السلم العالمي، للعودة إلى عصر الحروب العالمية، زمن الدمار الكبير، والقضاء على كل منجز تم حتى يومنا هذا في إعمار الأرض والبشر، زمن تُلزَمُ فيه كل دول العالم بقرار يصدر بتصويت مجلس أعضائه الخمسة الدائمين، بينهم من هو بالسوء والعقلية الإجرامية والسياسة الدولية من يرى في محتل غاصب انه صاحب حق في قتل مدني وتدمير دولة، العالم اليوم يفقد الثقة والشعور بالأمن ويرى في كل تصريح رخصة بالقتل، وفي كل منظمة مهما حملت من اسم إنساني هي غطاء رخيص لعقلية إجرامية، وهنا الخطر المؤكد باننا سنشهد الرفض لها حضورا وتمثيلا ووجودا ومصداقية، فهي عناوين فارغة وأدوات منزوعة الصدق والأثر، فلا من هو إنساني باسمه كان كما يدعي الدور والمكانة، ولا من هو تنفيذي بوصفه يملك القدرة والأثر، عالم اليوم عنوانه فقط الحماية الذاتية الفردية، الحماية الناقصة المملوءة بالشك من كل من هم حولنا، الحماية القاصرة ذات الأجل السريع المنتهي.
هنا يستوجب محليا أردنيا قبل عربيا أو دوليا، أن ننتقل إلى الاجراء مباشرة بإجابة السؤال الأبرز! أين نحن وكيف نكون؟ سؤال جوابه يفرض الوحدة والمنعة، جواب يستوجب الثقة الداخلية بتماسكنا وتعاضدنا، يُلزمنا ببناء منظومة الاعتماد على النفس ومقدرات الوطن، يوجهنا لتعزيز المنتج وتعظيم العائد، يقوي فينا قناعاتنا بالجيش والقائد والمؤسسات الامنية، ينزع منا التراخي والتشكيك بالدور الأردني، يوجه المسؤول فينا للصدق وحماية الاصول، يوقف في سلوكنا خدمة المصلحة الخاصة على حساب الوطن، نهتم باقل ما نملك، ونصون ما هو أدوم في استدامة الحياة، نملك وقودنا وطعامنا ومياهنا، نجهز انفسنا ايمانا حقيقيا، نرى اننا واحد في القضية مع فلسطين ونجاح الهدف، نزيل كل فاسد وسارق ومتسلق وخائن ومشكك من مؤسساتنا ومن احيائنا وقرانا ومدننا، نعم؛ يستوجب ما نكرره عند وقوع كل معظلة وننساه حتى تعود معظلة جديدة بضرورة بناء الجبهة الداخلية، ففيما نعيش اليوم لن يسند الوطن غير ابنائه فقط، وما دون ذلك من استنكار أو تصريح أو مؤتمر أو شحنة أدوية وغيرها كثير توقفها فيتو أميركي.