من "يوطّن" مشروع النهضة "الوطني"؟

هذه ملاحظات شكلية فقط. فقد أمضيت ساعات في مطالعة ما نشر على موقع الكتروني حكومي حول مشروع النهضة الوطني. لم ينشر المشروع على شكل كتاب، ولا أنصح بذلك، ولعل هذا سيكون في مصلحة المشروع، فهو بالتأكيد لن يُركن على الرفوف أو يُدس في الأدراج.اضافة اعلان
عُرض المشروع على شكل صفحات على الانترنت، وبصورة تُسهل الاطلاع لمن يرغب، فهناك صيغ مختصرة وأخرى موسعة، وهناك ملخصات وعناوين جذابة، مرفقة بصور اختيرت لتلائم النص، بعضها بملامح شرقية وأخرى غربية! ربما التزاما بجماليات العرض. بكل الأحوال فالنص جدير بالاطلاع.
هناك جديد آخر، فالمشروع يختلف عن كثير من الصيغ المشابهة التي قدمت للجمهور خلال العقدين الأخيرين. ففي التجارب السابقة كانت رئاسة الوزراء تطلب من الوزارات أن يقدموا خططهم مكتوبة، ثم تجمع الردود معاً، وتقدم كخطة يندر أن يقرأها أحد. وربما نستثني من ذلك وثيقة "الأجندة الوطنية" التي حملت (مثل هذا المشروع) رؤية خاصة أو زاوية نظر محددة، إلى المجتمع والدولة والإنسان والمستقبل، مع أن الأجندة كانت أشمل وأوسع، لكنها صدمت واصطدمت بالواقع وأمور أخرى دفعتها إلى الرف (مأسوفا عليها هنا ومشتومة هناك).
لقد قُدم مشروع النهضة بلغة أقل ضجيجاً، وعرضت خطة السنتين الأوليين منه بشكل هادئ. وبالطبع عندما نتحدث عن توفر رؤية في المشروع، فلا يعني ذلك دعوة إلى الموافقة، ذلك أن الموافقة أو المعارضة تتصل بالموقف الاجتماعي والسياسي للفئات والأطراف الاجتماعية المختلفة. غير أن المؤكد أن وجود رؤية يمكن محاورتها  أو الصراع معها أفضل من مواجهة خطط مرتجلة.
لكن ذلك لم ينقذ المشروع من "غُربته" إذا تعاملنا معه كمشروع معد للتنفيذ الفعلي، إنه مبني كنموذج، وذلك يجعله صالحاً كمشروع تخرج مثلاً، أو كملحق لأطروحة أكاديمية. في علم الاقتصاد في الجامعات، يعتبر الموديل ركناً أساسيا في التدريس، حيث يبني الباحث نموذجا نظرياً بعدد محدود من المتغيرات، ويبقي العناصر الأخرى ثابتة، أو يجعلها صفراً، ثم يبدأ مع تطور البحث بإضافة متغيرات جديدة، وهكذا. وهذا جيد لتطوير البحث، لكن المشكلة أن التوقف هنا، يجعل الاقتصادي مشدوهاً عندما يخرج إلى المجتمع حيث لا وجود لعناصر ثابتة ولا حتى للحظة واحدة.
في مشروع النهضة وردت جملة عارضة في إحدى الصفحات عن أن متابعة التنفيذ للمشروع ستكون مهمة وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
اعتدت على الإصابة بالذعر "التنموي" كلما ورد وزارة التخطيط من قضايا التنمية، فهناك سيرة تمتد لأكثر من عشرين عاماً، تشكل شهادة على الفشل. لكني في هذه المرحلة من حياة بلدنا لا أفضل التشاؤم المسبق.
هناك بصيص أمل جيد في الواقع الآن. فرئيس الوزراء لديه فعلاً موقف ورؤية وأخلاقيات عمل في تجربته السابقة، ولدينا وزيرة جديدة في وزارة التخطيط، لديها خبرة أكاديمية وتنفيذية دولية (خارج الأردن) في العناوين الرئيسية في المشروع وخاصة ما يتعلق بمحوري دولة الانتاج والتكافل الاجتماعي، وفي الواقع يمكن بسهولة العثور على مفردات لغة الوزيرة في المشروع، وخاصة ما يتعلق بالتشغيل والتدريب والتأهيل سوق العمل.
اعتدنا على خبرات أردنية تتشكل في الداخل، ثم تغادر بعد النضج إلى الخارج، ولكننا هنا امام تجربة معاكسة، فالوزيرة كونت تجربتها في الخارج ثم عادت. والعودة جميلة بالطبع وقد يكون فيها قدر من التضحية على المستوى الشخصي، لكن من يبدد القلق من أننا بصدد تجربة جديدة من الإدارة الدولية للمجتمعات الوطنية؟ إن خصوصية المجتمع والإنسان والدولة الأردنية لا تحضر بما يكفي في المشروع، مع أن القضايا تتطلب الاقتراب الحثيث من المجتمع والناس، شكلا ومضموناً.
أثر الترجمة واضح في المشروع، لا بأس في ذلك إذا تمكنا لاحقاً من تجاوز الترجمة إلى "الأردنة" في النص وأثناء التنفيذ.