لماذا يجب أن يتحدث الفلسطينيون عن "عين الحلوة"؟

‏مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد الاشتباكات الأخيرة - (المصدر)‏
‏مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد الاشتباكات الأخيرة - (المصدر)‏

رمزي بارود؛ ورومانا روبيو*‏ 
- (ذا بالستاين كرونيكل) 2023/9/14
‏‏‏ابتداء من 30 تموز (يوليو)، اندلع القتال في "عين الحلوة"؛ أحد أكثر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ازدحاما بالسكان في جنوب لبنان. ما الصورة الأكبر، ولماذا يجب أن يكون الفلسطينيون بصدد التحدث عنها؟‏

اضافة اعلان

 

كيف أثر القتال على الحياة في المخيم؟

 
‏منذ بدء القتال، قتل ما لا يقل عن 28 شخصا وجرح كثيرون آخرون في اشتباكات مخيم عين الحلوة.‏ و‏أجبرت‏‏ ‏‏الجولة الأخيرة من القتال، التي بدأت في أواخر تموز‏‏ (يوليو)، آلاف العائلات الفلسطينية على الفرار من المخيم، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).‏ ‏

 

كما وصلت قذائف المدفعية إلى مناطق خارج المخيم، وسقطت قذائف‏‏ عدة على مواقع عسكرية لبنانية، مما أدى إلى إصابة العديد من العسكريين، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية.‏


إضافة إلى ذلك، لم يعد نحو 6.000 طالب فلسطيني إلى المدرسة حتى الآن بعد بداية العام الدراسي الجديد، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

 

وكان هذا التأخير نتيجة مباشرة للعنف في المخيم، لكنه جاء أيضا بسبب حقيقة أن المقاتلين الذين ينتمون إلى الجماعات المتناحرة يستخدمون مدارس (الأونروا) ومراكزها كقواعد عسكرية لهم. 


وحتى الآن، قدرت الخسائر الاقتصادية في المخيم بنحو 10 ملايين دولار.‏


‏من يشارك في القتال؟

 
‏ينخرط في الاشتباكات أعضاء من حركة "فتح"؛ الفصيل الأبرز في منظمة التحرير الفلسطينية، ومجموعة تسمى "الشباب المسلم". وعلى الرغم من الأحاديث المتكررة عن إقرار وقف لإطلاق النار، استؤنف القتال يوم الأربعاء 13 أيلول (سبتمبر). ‏وبحسب موقع "الجزيرة نت"، فإن "حركة فتح تواصل جهودها للتقدم (عسكريا)، على الرغم من أنها عاجزة عن تحقيق نصر عسكري حاسم".


ومن جانبها، ترفض منظمة "الشباب المسلم" تسليم المتهمين بقتل أبو أشرف العرموشي، وهو ضابط في الأمن الوطني الفلسطيني، في تموز (يوليو) الماضي.‏ وكان العرموشي، وعدد قليل آخر من المقاتلين قد قُتلوا في 30 تموز (يوليو)، فيما يُعتقد أنه كمين نصبه مقاتلون من مجموعة "الشباب المسلم".‏


‏وكانت المواجهات الأخيرة قد اندلعت بعد وقف لإطلاق النار دام شهرا، والذي تم التوصل إليه في آب (أغسطس) تحت رعاية "هيئة العمل المشترك الفلسطينية"، التي تتألف من ممثلين عن الجماعات السياسية الفلسطينية الرئيسية في جنوب لبنان.‏


وذكرت "الجزيرة نت"، أن الكثير من الأسلحة الثقيلة والقذائف الصاروخية تُستخدم في المخيم، وخاصة قذائف الهاون من عيار ب-10 و60.


‏من يحاول وقف القتال؟

 
‏إلى جانب هيئة العمل المشترك الفلسطينية، دعت فصائل فلسطينية عدة المشاركين في الاشتباكات إلى إنهاء القتال فورا واحترام وقف إطلاق النار.‏


‏وفي الأول من آب (أغسطس)، بعد وقت قصير من اندلاع الجولة الأولى من المواجهات، دعا السيد حسن نصر الله، زعيم مجموعة المقاومة اللبنانية، حزب الله، إلى وقف الاشتباكات المميتة في المخيم.‏ وقال نصر الله في خطاب متلفز: "يجب ألا يستمر هذا القتال لأن تداعياته سيئة -على سكان المخيم وعلى الشعب الفلسطيني العزيز... من أجل الجنوب، من أجل كل لبنان".‏


‏وخلال زيارة للمخيم، قال عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، أن "العناصر الإرهابية تستغل طبيعة المخيم... ومن الواضح أن لديهم اتصالات مع وكالات استخبارات أجنبية (معروفة) لدينا".‏


‏كما زار موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في الخارج، المخيم يوم الأربعاء 13 أيلول (سبتمبر)، "في محاولة لاحتواء الوضع في عين الحلوة وتعزيز وقف إطلاق النار الذي أنهى اشتباكات عنيفة بين اللاجئين"، وفقا لبيان صدر عن حركة "حماس".


ولكن، في بيان مشترك صدر عن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، استشهدت به "الجزيرة نت"، انتقدت المجموعتان الفلسطينيتان الرئيسيتان أولئك الذين يحاولون إطالة أمد الاقتتال الداخلي. ‏‏وتم ربط هذه الإشارة بتصريحات حركة "فتح" التي قالت إن القتال سيستمر حتى يتم القبض على المسؤولين عن مقتل العرموشي والآخرين.


‏ما الذي يقوله المحللون المستقلون؟

 
في مقال نشر في آب (أغسطس)، كتب الصحفي الفلسطيني البارز عبد الباري عطوان:


"لا نستبعد أن يكون ما يجري في مخيم عين الحلوة ’فتنة‘ إسرائيلية أبرز عناوينها تطبيق سيناريو اقتِحام مخيم جنين في مخيمات لبنان، من حيث إيكال هذه المهمة إلى السلطة الفلسطينية".

 

وتابع عطوان أن ذلك يهدف إلى "زعزعة استقرار لبنان وأمنه، وتحويل أنظار المقاومة الإسلامية اللبنانية عن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد تعاظم قوتها، ووضع خطط لاقتحام الجليل وتحريره في شمال فلسطين المحتلة، وزيادة تحرشها بقوات الاحتلال من خلال اختراق الحدود".


وأضاف عطوان "أن نقل السلطة الفلسطينية، وقواتها الأمنية تحديدا، إلى لبنان، هو خط أحمر محفوف بالمخاطر، ليس على لبنان فقط، وإنما على القضية الفلسطينية أيضا".


وفي مقال مشترك نشر مؤخرا كافتتاحية في مجلة "ذا بالستاين كرونيكل"، كتب رمزي بارود أن "السلطة الفلسطينية لمحمود عباس (...) تريد ضمان هيمنة الموالين لحركة ’فتح‘ على المخيم، وبالتالي العمل على حرمان المنافسين الفلسطينيين من أي دور في جنوب لبنان".


‏وأضاف بارود "أن عين الحلوة مهم للسلطة الفلسطينية على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية تحت قيادة عباس قد تبرأت إلى حد كبير من لاجئي جنوب لبنان وحقهم في العودة. وقد ركزت في الغالب على حكم مناطق محددة في الضفة الغربية تحت رعاية الاحتلال الإسرائيلي".‏


"ومع ذلك، يظلون اللاجئون الفلسطينيون في لبنان مهمين للسلطة الفلسطينية لسببين رئيسيين: الأول، كمصدر للمصادقة على حركة ’فتح‘؛ والثاني، لدرء أي انتقاد، ناهيك عن مقاومة، المعسكر الفلسطيني المدعوم من الغرب، في لبنان وفي كل مكان آخر".‏


‏ما الصورة الكبيرة؟

 
‏يشعر بعض الفلسطينيين -محقين- بالقلق من أن القتال في عين الحلوة هو جزء من أجندة سياسية أكبر تهدف إلى نزع سلاح الجماعات الفلسطينية في المخيم. ‏و‏تحاول "فتح"، منذ سنوات، تأكيد سيطرتها على عين الحلوة كجزء من استعادة المبادرة السياسية، وجمع المخيمات تحت مظلة السلطة الفلسطينية في رام الله.

 

‏ويشير آخرون إلى أنه إذا استمر القتال، فسوف يمارس الضغط على الجيش اللبناني لاستعادة السيطرة على المخيم كما فعل في العام 2007 خلال الاشتباكات في مخيم نهر البارد للاجئين في شمال لبنان.‏


‏في أيار (مايو) 2007، كان المخيم قد أصبح مسرحا للقتال بين الجيش اللبناني وأعضاء منظمة "فتح الإسلام". وقُتل ما لا يقل عن 10 أشخاص، بينهم ثلاثة جنود من الجيش.


وخلال الاقتتال الداخلي، الذي انتهى في 2 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، فر معظم السكان إلى مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين القريب أو إلى مدن أخرى في لبنان. وفي النهاية‏‏، ‏‏قتل‏‏ مئات الأشخاص من كلا الجانبين، بمن فيهم العديد من المدنيين.


‏يشهد عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان انخفاضا مستمرا، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيش معظمهم في اثني عشر مخيما للاجئين في لبنان.‏


وكان هؤلاء اللاجئون يمثلون ذات يوم إحدى الركائز الأساسية للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، ودافعوا عن خطاب حق العودة -حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين التاريخية، على النحو المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194.


‏لماذا يجب على الفلسطينيين التحدث عن عين الحلوة

 
‏إن مجرد الأمل في توقف القتال أو إلقاء اللوم على جانب أو آخر أو تجاهل الموضوع تماما لن يكون كافيا على الإطلاق. وإذا حدث تغيير جوهري في وضع مخيم اللاجئين من حيث الأمن أو التركيبة السكانية، فقد يكون التأثير وخيما على جميع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.


‏يجب على الفلسطينيين التعبئة والتحدث علنا ضد المخططات السياسية المختلفة لتهميش اللاجئين الفلسطينيين ومقاومتهم في لبنان. ‏ويجب أن يفعلوا ذلك من خلال فهم أكبر للسياق السياسي ومخاطر السماح لمجموعة سياسية معينة بأن تكون لها اليد العليا فوق كل الآخرين. ‏


لكن الأهم من كل شيء هو أنه ينبغي عليهم أن يحتجوا على قتل الفلسطينيين وغيرهم من الأبرياء في لبنان، بينما يطالبون بالمزيد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين في لبنان ككل.

*د. رمزي بارود: صحفي ومؤلف ورئيس تحرير مجلة وقائع فلسطينية The Palestine Cronicle. وهو مؤلف لستة كتب. كتابه الأخير، الذي شارك في تحريره مع إيلان بابيه، هو "رؤيتنا للتحرير: القادة والمثقفون الفلسطينيون الملتزمون يتحدثون". وتشمل كتبه الأخرى "أبي كان مقاتلاً من أجل الحرية" و"الأرض الأخيرة". وهو زميل باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون الدولية في جامعة الزعيم إسطنبول، تركيا. 


‏*رومانا روبيو Romana Rubeo: كاتبة إيطالية ومديرة تحرير مجلة "وقائع فلسطينية". ظهرت مقالاتها في العديد من الصحف الإلكترونية والمجلات الأكاديمية. وهي حاصلة على درجة الماجستير في اللغات الأجنبية وآدابها ومتخصصة في الترجمة السمعية والبصرية والصحافة.‏


*نشر هذا التحليل تحت عنوان:

Why We Should Be Talking about Ain Al-Hilweh – ANALYSIS

 

اقرأ المزيد في ترجمات