ما لا يستطيع القانون الدولي تحقيقه في غزة وأوكرانيا‏

1707729597610049800
يبدو القانون الدولي عاجزًا عن وقف العنف في الحروب الحالية - (أرشيفية)

‏‏‏جانينا ديل*‏ - (مجلة تايم) 26/1/2024


ينبغي أن يكون القانون الدولي قادرًا على كبح العدوان العسكري. أن يساعد في معاقبة المخطئين، ويوفر بعض التوجيه بشأن إدارة الحرب بشكل أخلاقي.

اضافة اعلان

 

ولكن في حالة أوكرانيا وغزة، لا يبدو أن القانون الدولي يفعل أياً من هذه الأشياء. ومع ذلك، تؤكذ هذه الصراعات مجددًا أن القانون الدولي هو كل ما لدينا، وأن تعزيزه الآن يجب أن يكون أولوية أخلاقية وسياسية أكثر من أي وقت مضى. ‏


‏كان ‏القانون الدولي كلي الحضور في كل ركن من المناقشات العامة حول ‏‏حرب روسيا في أوكرانيا‏‏ ‏‏وحرب إسرائيل في غزة‏‏.

 

ويتحدث الجميع -من قادة العالم إلى الصحافة إلى الناس العاديين على وسائل التواصل الاجتماعي- عن حق الدولة في الدفاع عن النفس، والحاجة إلى ضمان عدم ارتكاب جرائم حرب، وضمان الوصول إلى الولاية القضائية للمحاكم الدولية عندما تُرتكب هذه الجرائم.

 

وبالنظر إلى القدر الذي يناقَش به القانون الدولي في سياق الحرب، فإننا نتوقع منه أن يكون مقيدًا بواقعه. ولكن، لثلاثة أسباب، يبدو أن الحروب في أوكرانيا وغزة تُظهر ضعف القانون الدولي. ‏


‏أولاً، تسببت هذه الحروب في أهوال لا يمكن تصورها، لكن قادة العالم اختاروا لغة القانون للدفاع عنها. قدمت روسيا مبررات قانونية لما هو واضح أنه حرب عدوانية، هددت بقاء أوكرانيا وقتلت ‏‏عشرات الآلاف‏‏ من الأوكرانيين، وجرحت وشردت الكثيرين.

 

وفي المقابل، وعلى النقيض من روسيا، لدى إسرائيل ادعاء معقول بأنها تتصرف دفاعًا عن النفس، لكنها تواصل انتهاك قوانين الحرب بلا توقف في ردها على ‏‏هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر)‏‏ الذي خلف 1.200 قتيل.

 

ويتمسك الجيش الإسرائيلي بادعاء الشرعية للهجمات التي تدمر المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة -والتي قتلت ما لا يقل عن ‏‏25.000 شخص‏‏ حتى كتابة هذه السطور، معظمهم من النساء والأطفال.

 

وما يزال يقال إن العمليات العسكرية التي تتسبب في ‏‏مجاعة كارثية‏‏ تفي بقواعد إدارة الحرب.

 

ويبدو الأمر كما لو أن واقع هذه الحروب يوحي بأن القانون الدولي يضفي الشرعية على العنف بدلاً من الحد منه.


ثانيًا، تحقق "المحكمة الجنائية الدولية" -التي أنشئت في العام 1998 لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية- في المخالفات التي تُرتكَب في هذه النزاعات، لكنها لم تعاقب أحدًا على ارتكابها.

 

والآن، تقترب الذكرى الثانية ‏‏لمذبحة بوتشا‏‏ -التي شهدت تعذيب مئات المدنيين الأوكرانيين واغتصابهم وقتلهم- ولكن لم يتم تقديم أي من الجناة إلى العدالة.

 

كما أن الخطوة غير المسبوقة التي اتخذتها "المحكمة الجنائية الدولية"، والتي تمثلت ‏‏بإصدار مذكرة توقيف‏‏ ضد رئيس دولة حالي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالكاد أزعجت فلاديمير بوتين.

 

وقد انتقد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، كلا من هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) واستخدام إسرائيل للقوة في غزة.

 

ومع ذلك، لم يمنع احتمال إصدار أوامر اعتقال الهجمات العشوائية، سواء تلك التي ضد إسرائيل أو التي تقوم بها إسرائيل.

 

وبالإضافة إلى ذلك، فشلت إسرائيل في الوفاء بالتزامها بالسماح بدخول الإغاثة الإنسانية إلى غزة المحاصرة.

 

وفشلت "حماس" في إطلاق سراح ‏‏الرهائن‏‏. وغذى كل هذا الاعتقاد بأن القانون الدولي عاجز بلا حول ولا قوة.


‏وأخيرًا، تظل مناقشة القانون الدولي في هذين الصراعين غير متسقة وفي توتر مع الأحكام الأخلاقية المنطقية والحس السليم.

 

وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين الحربين في أوكرانيا وغزة، ساوت إدارة بايدن في مسألة إرسال الأسلحة إلى كل من أوكرانيا وإسرائيل باعتبار ذلك جزءًا من صراع عالمي بين ‏‏الديمقراطية والاستبداد‏‏.

 

وأدانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الهجمات الروسية ضد البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، في الوقت نفسه تقريبًا الذي أعربت فيه عن ‏‏دعمها الثابت لإسرائيل‏‏ وهي تدمر آخر محطات توليد الطاقة العاملة في غزة وتجعل القطاع ‏‏غير صالح للسكن‏‏ تقريبًا.

 

ويغذي الدعم غير النقدي لإسرائيل الاتهام ‏‏المنتشر على نطاق واسع في الجنوب العالمي‏‏ بأن الغرب يستدعي القانون الدولي فقط عندما يتعلق الأمر بكبح وتقييد "البقية". ‏


‏عندما تتبَع الحجج القانونية اعتبارات سياسية وليست أخلاقية، كما تفعل إدارة بايدن والحلفاء الأوروبيون، هل يظل بإمكان القانون مساعدتنا على فهم العالم؟ لقد خلقت أزمات أوكرانيا وغزة أزمة ثقة في مشروع تقييد الحرب بالقانون الدولي، لكن رفض هذا المشروع تمامًا ومباشرة سيكون خطأ فادحًا.


كبداية، من المهم والحاسم أن نفهم الغرض من القانون الدولي ونطاقه. إن القانون الدولي لا يحظر جميع الأعمال التي نعتبرها -مُحقّين- بغيضة.

 

وهو لا يستطيع لأنه لا يمكن شن الحرب من دون ارتكاب عنف غير مبررة أخلاقيا. ولو كان القانون يحظر كل عنف غير مبرر أخلاقيا لكان قد جعل شن الحرب مستحيلاً، وسوف تعود الحرب إلى كونها منطقة خالية من القانون وأكثر خطورة بما لا يقاس.

 

كما لا يمكن للقانون الدولي أن "يضع حدا للإفلات من العقاب" في الحرب كما وعد منشئو "المحكمة الجنائية الدولية" عن غير حكمة.

 

إن المخالفات تسود الحرب، والحرب تسود الجيوسياسة، ويجب أن تكون المحاكم انتقائية، وأن تستغرق معاقبة الناس على الانتهاكات وقتًا.

 

ومن المهم كثيرًا أننا في المجتمعات المحلية نفكر في المساءلة القانونية على أنها جديرة ومستحَقة، حتى لو أنها لم تردع ارتكاب المخالفات في المقام الأول ولم تقدِّم المجرمين إلى العدالة.

 

إن العلاج الأول لأزمة الثقة في القانون الدولي هو تكوين فهم أكثر واقعية لما يمكن أن يفعله القانون في الحرب.

 

لا يمكن للقانون أن يحول الحرب إلى أي شيء آخر غير كارثة أخلاقية عنيفة. لكن القانون الدولي يمكن أن يجعل الحرب أقل فظاعة مما ستكونه بخلاف ذلك. ‏


‏هذا بالتأكيد هو الأمل الذي كان لدى الكثيرين في ال‏‏قضية التي أقامتها جنوب إفريقيا‏‏ أمام "محكمة العدل الدولية"، التي تتهم إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية في غزة.

 

وفي حين أن "محكمة العدل الدولية" لم تأمر بوقف إطلاق النار في ‏‏حكمها الأولي‏ الصادر‏ يوم الجمعة، 26 كانون الثاني (يناير)، إلا أنها قررت أن تهمة الإبادة الجماعية ليست غير قابلة للتصديق في الأعمال الإسرائيلية، وأمرت إسرائيل بتأمين وصول المساعدات لسكان غزة.

 

ومهما كان رأي المرء في حكم "محكمة العدل الدولية"، فإن من الخطأ إنكار قدرة القانون على منع ‏‏بعض‏‏ العنف غير المبرر أخلاقيا لأنه يفشل في منعه كله -أو حتى معظمه. ‏


لا يكفي الفهم الواقعي لحدود القانون الدولي وتقدير إنجازاته للتغلب على هذه الأزمة في الثقة.

 

ينبغي تقوية القانون الدولي وتعزيزه. وهو ما يعني جعل القانون الدولي أولوية سياسية في زمن الحرب وضمان أن تكون المساعدات والدعم الدبلوماسي مشروطين بالامتثال، بغض النظر عن الدولة التي تفشل في الوفاء بالتزاماتها.

 

وبالإضافة إلى ذلك، عندما تستحوذ الجهات الفاعلة السيئة على لغة القانون الدولي، يجب استدعاؤها ومحاسبتها بشدة أكبر، سواء كانت صديقة أو عدوة.

 

وعندما تسيء البلدان استخدام القانون لتبرير السلوك غير القانوني، فإن رد الفعل المناسب لا ينبغي أن يكون انتقاد القانون، وإنما الإشارة إلى إساءة استخدامه. ‏‏


لقد أصبح من الواضح أكثر للجميع أن القانون الدولي لا يمكن أن يؤدي جميع الأدوار التي يتوقعها معظم الناس منه.

 

لكن الاهتمام المتزايد بالقانون الدولي يشير أيضًا إلى مجال نادر للاتفاق: أن القانون مهم في الحرب.

 

وينبغي أن نبني على هذا الاتفاق لأن الحرب من دون قانون ليست بديلاً على الإطلاق.‏

*جانينا ديل Janina Dill: هي أستاذة لويز ريتشاردسون للأمن العالمي في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد، بريطانيا. تركز أبحاثها على القانون الدولي، خاصة في ما يتعلق بالحرب.‏


*نشر هذا المقال تحت عنوان:What International Law Can’t Achieve in Gaza and Ukraine

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

"الغد" تنشر الترجمة الكاملة لقرار "العدل الدولية"