"آفة" العنف "تتمدد" في المدارس.. ودعوات لاحتواء أسري ومجتمعي

تغريد السعايدة

عمان- ما أن قرأت "ساجدة" اسم مستعار، تفاصيل تعرض إحدى الطالبات في الصف العاشر للضرب بأدوات حادة من قِبل زميلاتها في المدرسة في عمان قبل أيام قليلة، حتى عادت بها الذاكرة إلى طفولتها حينما تعرضت للضرب على وجهها بأداة حادة تركت ندوبا وتراكمات نفسية وجسدية حتى الآن.اضافة اعلان
تقول ساجدة أنه ورغم مرور سنوات طويلة على هذا الحدث، وهي الآن أم لأطفال جميعهم في المدرسة وفي مراحل دراسية متقدمة، غير أنها ما تزال تعاني من هذا الأثر النفسي الذي خلفه هذا الحدث في طفولتها، إذ كانت تعاني من التنمر اللفظي والجسدي من قِبل زميلاتها، بسبب ضعف في شخصيتها لم يساعدها على حماية نفسها ورد الإساءة التي تذكرت تفاصيلها عند قراءة الخبر المؤلم.
ولكن، مع مرور الوقت وتغيير التعامل ما بين الطلبة وعالم الانفتاح الذي يعيشونه الآن، أصبح للتنمر أوجه مختلفة، إذ لم يعد مقتصرا على "اللفظ أو العنف الجسدي المتعارف عليه"، بل زادت خطورة هذا التلامس لأن الطالب لا يهاب العقوبة، يتعرف على طرق مختلفة للإيذاء، يتجرأ على حمل المواد الحادة، ولكن قد يكون الأكثر غرابة واستهجانا أن يكون هذا التنمر الجسدي العنيف من قبل فتيات ما يزلن على مقاعد الدراسة.
مؤخرا، لجأت إحدى العائلات للقضاء بعد أن تعرضت ابنتهم "طالبة بالصف العاشر في إحدى المدارس الحكومية"، إلى الضرب والاعتداء بأداة حادة من قبل 5 طالبات، ما أدى إلى إصابتها في أنحاء مختلفة من جسمها، فيما قرر القاضي فرض الإقامة الجبرية على الطالبات في منازلهن، ولا يخرجن إلا للذهاب إلى المدرسة، فيما ما تزال الفتاة، وفق حديث والدتها، تحت تأثير الصدمة والخوف وتعيش حالة نفسية سيئة جدا، وتم نقلها إلى مدرسة أخرى، في الوقت الذي لم تتخذ فيه المدرسة أي إجراء بحق الطالبات.
عالميا، تعتبر منظمة اليونسكو، في تقرير خاص لها أن "العنف المدرسي والتنمر مشكلة رئيسية في جميع أنحاء العالم، تطال نحو ثلث طلاب المدارس وتؤثر في صحتهم العقلية ومستوى تحصيلهم الدراسي، وبحسب بيانات اليونيسف فإن "التنمر الجسدي هو الأكثر شيوعا بين أنواع التنمر في العديد من المناطق، ويؤثر على الجنسين، ومع التقدم التكنولوجي، يتزايد التنمر عبر الإنترنت والهواتف المحمولة"، وفق اليونيسف.
الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة يبين أن تفسير ظاهرة الاعتداءات الطلابية يحتاج إلى فهم ماهية التنمر وأسباب استقواء الطرف الأول على الطرف الثاني بدوافع وظروف نفسية واجتماعية تتعلق بطبيعة النشئة والبيئة التي يعيش فيها.
ويشير النوايسة إلى أن البيئة السلطوية أكثر من يحفّز على التنمر بأشكاله المختلفة، وحياة الطفل محكومة بظروف نفسية واجتماعية، وهي إن كانت إيجابية فإنها توفر نمو نفسي وطبيعي للطفل، والعكس صحيح، واكتساب السلوك العدواني ناتج عن المحاكاة والتقليد، ذلك أن الفرد يتعلم الأنماط السلوكية المنحرفة من خلال عملية تقليد لا تختلف في طبيعتها عن تعلم أي مهنة أو حرفة أخرى، وتتم هذه العملية بشكل غير آلي كونها عملية نفسية واجتماعية.
الخبير في حقوق الإنسان ومواجهة العنف والجريمة مستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان يؤكد لـ "الغد" أنه وبحسب مراجع منظمة الصحة العالمية، فإن الفتيان هم ذوي الأعمار بين 10 -29 سنة، ويشمل عنف الفتيان طيفا واسعا من الأعمال العدوانية تتراوح بين التهديد والضرب البدني إلى الاعتداء الجسدي البليغ والاغتصاب والقتل، وعلى الرغم من أن الذكور هم الجناة الأساسيين في هذا الشكل من العنف، الا انه ليس محصورا بهم، فقد يرتكب من قبل الفتيات، اما ضحايا هذا الشكل من العنف فهو من الذكور ومن الإناث، ويتقاطع عنف الفتيان بهذه المرحلة من العمر (10 إلى 29) مع العنف ما بين طلاب المدارس، والعنف الجامعي والعنف في المؤسسات الاجتماعية والنوادي الرياضية ومؤسسات رعاية الشباب المختلفة.
ويعزو جهشان جذور عنف الفتيان والفتيات إلى عدة عوامل أبرزها "اجتماعية تعظم ثقافة العنف وتتقبل السلوك العنيف كشكل من القوة المرحب بها وخاصة للذكور، وعوامل مجتمعية تتقبل هذا الشكل من العنف في مجتمعات مغلقة أو احياء مهمشة تعودت أن تحمي أفرادها بعيدا على سلطة الدولة، بالإضافة إلى عوامل فردية تتعلق بمشاكل سلوكية في الطفولة المبكرة ترقى بشكل تدريجي لتصل إلى أشكال عدوانية شديدة عندما يبلغون سن المراهقة وفي الحالات النموذجية يستمرون على ذلك عندما يدخلون مرحلة البلوغ التام.
ويشدد جهشان على مدى تأثير البيئة المدرسية على نمو العنف والتنمر لدى الطلبة، مشيراً إلى أن تأثيرها السلبي على سلوك اليافعين يؤثر سلبا من خلال غياب تشريعات واضحة تتعامل مع الوقاية والاستجابة للعنف المدرسي والتنمر، وضعف البرامج المتعلقة بزيادة الوعي لمبدأ اللاعنف للأطفال والمعلمين والأهالي، والاستمرار بعدم إقرار قانون حقوق الطفل دليل على ذلك.
كما يشير جهشان إلى أن البيئة المدرسية غير الصديقة للطفل تتمثل في عدم كفاية الإرشاد التربوي والاجتماعي، غياب الرقابة المستمرة على مرافق المدرسة وساحاتها، وبرامج تراعي احتياجات الأطفال المستضعفين، كما هنالك ضعف في المشاركة الطلابية في برامج وأنشطة المدرسة، أو ضعف البرامج غير المنهجية، ودور المدرسة في أنشطة المجتمع المحلي.
إلى ذلك، يقول جهشان أن هنالك حاجة لعمل برامج لتدريب المعلمين على وسائل الضبط اللاعنفية الموجهة للطفل والتي يتوقع ان تعلم الطفل التحكم بالذات واحترام المجتمع والقدرة على اتخاذ القرارات وتطبيق العدل والمساواة وتعلم المهارات الاجتماعية، والتعاطف مع الآخرين، وأيضا بناء قدرة الطالب على التعامل مع الصعاب والتحديات، ودعم مبدأ التضامن والانتماء للمدرسة رغم الاختلافات ما بين الطلاب.
النوايسة كذلك يرى أن الخطورة في التنمر عندما يتحول لاعتداء جسدي، وسلوك العنف بين طلبة المدارس من أكثر المشكلات المدرسية انتشاراً وتأثيراً، والتي تعيق العمل التربوي والتعليم المتوقع من المدرسة وتجعله غير ملائم لتحقيق الأهداف التربوية.
كما يصف النوايسة العنف انه استجابة سلوكية تتميز بصفة انفعالية شديدة، قد تنطوي على انخفاض في مستوى البصيرة والتفكير، وعلى ذلك فمن غير الضروري أن يكون العنف قرينا للعدوان السلبي ولا ملازما للشر والتدمير، فقد يكون العنف ضرورة في موقف معين للتعبير عن واقع أو لتغير واقع، وقد يحدث العنف كرد فعل أو استجابة لعنف قائم هو العنف المضاد.
لذا، فإن النوايسة يشدد على أهمية إيجاد حلول جذرية لظاهرة العنف الطلابي، فذلك تحدي يواجه العاملين في المدرسة والآباء والمختصين، حيث يمر الطلبة بمرحلة المراهقة، والتي لها أكبر الأثر في كل جوانب الشخصية.
ويبين أن الطالب قد يمر بحالات من الاكتئاب واليأس والقنوط، وصراع بين الدوافع والخوف، وحيئذ يلاحظ مشاعر الغضب والثورة والتمرد نحو مصادر السلطة في الأسرة والمدرسة والمجتمع.
ومن وجهة نظره الاجتماعية، يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع على أنه لا يختلف اثنان أن منظومة القيم خلال السنوات الأخيرة تغيرت كثيرا وهناك عوامل ساهمت في ذلك، وابرزها انتشار السوشال ميديا، التي تعتبر منبرا لكل فرد ودون أي ضوابط، لذلك نرى أن الكثير من القيم والمتغيرات والتي أصبحت تفرض ممارسات جديدة تحكم المجتمع ومن أهمها ظاهرة التنمر والاستقواء الممارس من قبل الأفراد سواء كانوا أطفالا وكبارا بالسن.
ويبين أن مواقع التواصل الاجتماعي تحوي الغث والسمين، ولكن بسبب ضعف الوعي وقلة الاهتمام وقلة المساحات المفتوحة أصبحت تمارس بشكل سلبي، عدا عن تراجع الدور المطلوب من المؤسسات التربوية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة.
وبحسب جريبيع، فإن التنشئة بالسنوات الأولى من عمر الطفل كانت تمارس من قبل الأب والأم والجد والجدة والآن اصبحت تمارس من قبل مؤسسات بديلة كالحضانة والروضة، وبالتالي أصبح هناك خلل في المؤسسات التي تقوم بعملية التنشئة وعملية التربية والسلطة المجتمعية التي تمارس على الفرد وتراجعت لمصالح أخرى. لذلك، يحذر جهشان من خطورة هذا النوع من التنمر الذي له جذور مخيفة، ومن هذا السلوك يكمن بخبرات وتجارب الطفولة المناوئة، والتعرض لعنف جسدي شديد أو متكرر وخاصة من راعي الطفل الأقرب لرعايته أو من قبل المعلمين في المدرسة، التعرض لاعتداء أو استغلال جنسي وان كان مرة واحدة وان كان المعتدي من داخل الأسرة أو خارجها، بالإضافة إلى التعرض للعنف النفسي أو التنمر بشكل متكرر ولفترات طويلة إن كان في المنزل أو المدرسة. الى ذلك، الإهمال الجسدي بتوفير احتياجات الطفل الأساسية من طعام وكساء ورعاية طبية ونظافة عام، كما تشمل الإهمال العاطفي للطفل لفترات طويلة بعدم التواصل الكلامي والبصري معه وعدم حضنه بما يتناسب مع عمره، عدا عن الظروف المعيشية الأسرية والاجتماعية التي تتصف بها الأسرة.
وفي النهاية ينصح جهشان أطراف العملية التربوية، من الأهل ووزارة التربية والتعليم بضرورة مواجهة عنف الفتيان والفتيات، بشقيه المعنوي والنفسي، على أن يكون على مستوى وقائي ومستوى علاجي، من تحقيق البنية الاجتماعية العادلة والثابتة، وتطوير الموارد البشرية والعمل بطرق مختلفة لإدماج المواطنين في مشاريع تنموية، وإدماج الوقاية من العنف والجريمة في السياسات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات المحلية لمواجهة ثقافة تقبل العنف، ووضع برامج تهدف لاعتماد مبدأ اللاعنف من قبل فئة الشباب اليافعين في الجامعات والمدارس والمجتمعات المحلية والوصول لآليات تكشف مبكرا نزعات العنف لديهم.