"فنجان القهوة" بيومه العالمي.. حينما يتسيد الجلسات بسحره ويفتح أبواب الحوار

5
5
تغريد السعايدة لم يكن غريبا احتفاء الناس باليوم العالمي للقهوة الذي يصادف الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، حيث يرتبط هذا المشروب بتفاصيل كثيرة تمس حياة الأفراد بكل ما فيها. تسيد مشروب القهوة حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مع صور وعبارات رنانة “تتغنى بالقهوة” وعشاقها، وما ترتبط به من مشاعر في كل المناسبات. قد يجد كثيرون أن هناك ارتباطا كبيرا بين اختيار اليوم العالمي للقهوة في هذه الفترة، بالتزامن مع بدايات فصل الخريف، الذي يرتبط في الوقت ذاته بالحنين والنسمات العليلة، حيث يضفي كوب من القهوة جمالا برائحته الزكية التي تغلف البيوت. ولطالما ارتبط مشروب القهوة منذ عقود بالجلسات والتجمعات في مختلف المناسبات، بل وأصبح “بطاقة دعوة” للحضور للمشاركة في جلسة ودية، أو نقاشية، نسمع فيها عادة عبارات “تعال نشرب قهوة بدي إياك بموضوع مهم، أو خلينا نشوفك على فنجان قهوة”. ولكن، هناك بالفعل من هم “عشاق للقهوة” يرافقهم الكوب ساعات طويلة خلال النهار، منذ الصباح، وذلك لكونها تعد من المشروبات طيبة المذاق، وفيها نسبة من الكافيين، الذي يجدد النشاط، خاصة لمن يضطرون للعمل لساعات طويلة. كما أنها تعد في بعض الأحيان فرصة لـ”استراحة محارب” خلال ساعات النهار، يعتمدها بعض الموظفين في أماكن عملهم، أو ربات المنازل في بيوتهن، وأيضاً خلال تجمعات السيدات في ساعات الصباح، في سبيل البحث عن ساعات “هدوء وروقان”. وبالرغم من أن الأفراد في العالم يحتلفون بالقهوة بأجواء فيها فرح وبهجة، كما تفعل بعض الدول، إلا أن اليوم العالمي للقهوة تم إعلانه بهدف “توعية الناس وتذكيرهم بصعوبة أحوال المزارعين وعدم استقرارهم الاقتصادي، وتعزيز التجارة العادلة لمحصول القهوة في البلاد المصدرة له”، بعد أن كانت إثيوبيا أول دولة في العالم تنتج القهوة، ويعاني العاملون فيها، في باقي دول العالم المصدرة ظروف عمل شاقة أحياناً. وللاحتفال باليوم العالمي للقهوة وجوه وأشكال عدة؛ إذ تعمد بعض الدول إلى تنظيم احتفالات رمزية للقهوة، وبخاصة في الدول المنتجة لها، ويتعمد كذلك المواطنون في العالم إعداد القهوة في بيوتهم، وبعض المقاهي تقوم بتنظيم أجواء خاصة بذلك، بل وبضعها ينظم مهرجانات كرنفالية للترويج لبعض المنتجات المرتبطة بالقهوة. وفي بيوتنا، في مجتمعنا الأردني، للقهوة حضور خاص فيها، سواء أكان ذلك بالقهوة المعروفة عالمياً، أو القهوة السادة العربية، التي تشتهر بها دول العالم العربي، ولها دلالات عميقة وكبيرة في مجتمعنا، ولكنها جميعاً تصب في “محصول القهوة” الذي يتم استيراده من الدول المنتجة، وكل دولة أو مجتمع له طريقته في إعدادها وطرق تحضيرها. ومن المعتقدات المجتمعية، أن القهوة ترتبط في كثير من الأوقات بالتجمعات الصباحية، والجلسات التي تحمل الكثير من الأحاديث والتعارف، والفضفضة، وهو ما تؤكده هبة أيمن؛ حيث تبدأ نهارها بفنجان القهوة برفقة صديقاتها، وهو أفضل وقت لها خلال اليوم. وتبين هبة أنها منذ الصباح الباكر تسارع إلى تحضير أبنائها للمدرسة، ومن ثم الاستعداد للخروج إلى العمل، حتى تسارع لإعداد فنجان القهوة الذي ترى أنه “وقت الراحة والاستمتاع والانطلاق للعمل”. فوزان سليم، يرى أن “الحياة من دون قهوة لا طعم لها”، على حد تعبيره، وهو الذي يتناول ما لا يقل عن 9 فناجين قهوة في اليوم، رغم تحذيرات الكثيرين له بأنها قد تتجاوز حد المتعة، وقد تكون سببا لحدوث ضرر في صحته، إلا أنه لا يأبه بذلك. ويقول سليم الذي تجاوز عمره الستين عاماً، إنه اعتاد منذ سنوات الدراسة الجامعية شرب القهوة بكثرة، كونه درس في الخارج، وكان يشارك أصدقاءه السكن الجامعي، ومنهم “عشاق قهوة” إلى أن أصبح الآن صديقاً للكوب الذي لا يستغني عنه منذ أولى ساعات الصباح. وبعيداً عن درجات وعدد فناجين القهوة التي يشربها الشخص في اليوم، وعن الكثير من التفاصيل، فإن اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يرى أن القهوة العربية هي تقليد عربي بامتياز، وهي إحدى السمات الرئيسية والبارزة التي تميز الثقافة العربية ومن السلوكيات والممارسات التي يقوم بها أبناء العشائر العربية. ووفق جريبيع، فإن القهوة منذ الأزل تحمل دلالات عديدة وتعبر عن الفرح والكرم والأصالة، ولكنها في الوقت ذاته تعبر عن الحزن، لأن القهوة العربية كما تُقدم في الافراح فإنها تقدم بالأحزان والاتراح، كما تعد دلالة أساسية عن التراث الثقافي الموجود. وبحسب جريبيع، فإنه وفي السابق كانت القهوة أحد المداخل الرئيسية لحل المشاكل وتلبية احتياجات الناس، وخاصة في الخلافات بين القبائل العربية؛ حيث كان فنجان القهوة قادراً على حلها والخصومات، وإذا كانت إحدى العشائر أو الشخص له حاجة عند آخرين من أبناء البادية كان فنجان القهوة كفيلاً بتلبية تلك الحاجة. وفي الوقت ذاته، يؤكد جريبيع أن القهوة العربية تحمل دلالات نفسية واجتماعية في الثقافة والتراث العربي، فهي أيضاً رمز للكرامة والشهامة والأصالة، وهي صورة لقدرة العرب على استحضار أدوات اجتماعية وثقافية تستطيع أن تزيل الكثير من الشك والريبة التي تصيب العلاقات الإنسانية. كما أن المجتمع الأردني ما يزال يحافظ على هذه العادة، كما يبين جريبيع، وتكاد تكون القهوة العربية الضيف الدائم في كل المناسبات وأيضاً على مستوى الأسر الأردنية، تكون القهوة حاضرة في البيوت يومياً وتعد مفتاحا للعلاقات الاجتماعية وتكريما للشخص واحترامه وتقديره وحتى حل مشاكله. اقرأ أيضاً:  اضافة اعلان