"جثة الطفل المتفحمة" تجدد المطالبات بحماية ذوي الإعاقة

رسم تعبيري لأب يلقي بولده من مبنى مرتفع بريشة الزميل إحسان حلمي
رسم تعبيري لأب يلقي بولده من مبنى مرتفع بريشة الزميل إحسان حلمي

نادين النمري

عمان - جددت حادثة مقتل طفل من ذوي الإعاقة الذهنية على يدي والده، المطالبات بايجاد منظومة حماية شاملة للأطفال ذوي الإعاقة تضمن حمايتهم من العنف، وتوفر احتياجاتهم كافة وتحديدا في مجالات التأهيل والدمج بالمجتمع.اضافة اعلان
وكانت الأجهزة الأمنية فكت لغز جثة الطفل المتفحمة التي تم العثور عليها الاثنين الماضي في إحدى البنايات المهجورة بمنطقة الصويفية في عمان.
وبينت التحقيقات "أن الجاني هو والد الطفل، وأن الدافع وراء الجريمة هو إعاقة الطفل التي باتت تشكل عبئا على الأب"، الذي اصطحب ابنه إلى عمارة مهجورة وصعد به إلى الطابق الرابع وألقاه من فوق العمارة ثم سكب مادة قابلة للاشتعال على الجثة الهامدة وأضرم النار فيها لإخفاء هوية الطفل".
وعودة إلى الوراء، شهدت الأعوام القليلة الماضية، عدة جرائم مماثلة ذهب ضحيتها أطفال من ذوي الإعاقة الذهنية، آخرها "حادثة الأم التي ادانتها محكمة التمييز بتهمة قتل ابنها المصاب بالتوحد عمدا بحقنة بنزين".
وسبق هذه الحادثة وفاة طفل يعاني من شلل دماغي بعد ان نهشته الكلاب وسط إهمال أسرته، وأيضا مقتل طفلة (4 أعوام) خنقا على يد والدتها للتخلص من إعاقتها الذهنية. 
ويرى نشطاء في مجال حقوق الطفل والإعاقة إنه رغم الجانب الجنائي لتلك الجرائم وغيرها من أنواع الإساءة الجسدية على الأطفال ذوي الإعاقة، لكنها تؤشر في الوقت نفسه إلى "فشل الحكومة في توفير الخدمات المتكاملة للأطفال ذوي الاعاقة بمجالات التشخيص المبكر وتوفير الرعاية الطبية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضا عدم اعتبار برامج مواجهة العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة كجزء أساسي من برامج حماية الطفل عموما".
وتقول رئيسة جمعية الياسمين، الناشطة في مجال الإعاقة، عواطف أبو الرب "للأسف فإن العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة هو من الممارسات الرائجة، ولذلك أسباب عدة منها جهل الأسر في كيفية رعاية أبنائهم والافتقار لخدمات الإرشاد النفسي والتربوي لأسر هؤلاء الاطفال".
وتضيف إن "السلوكيات العنيفة في التعامل مع الأطفال ذوي الاعاقة غير مبررة ومرفوضة، فالرعاية الأسرية والحب والحنان من أبرز العوامل التي تساهم بتحسين الوضع الصحي لهؤلاء الأطفال ودمجهم في المجتمع".
"لكن للأسف يشعر أهالي الأطفال ذوي الإعاقة بأنهم معزولون، وأن أحدا لا يهتم لشأنهم او شأن اطفالهم"، وفق أبو الرب التي لفتت إلى عدة عوامل قد تدفع بالأسرة او أحد أفرادها لممارسة العنف ضد أبنائهم، منها الفقر، والجهل وعدم المعرفة بأصول الرعاية، والخوف من الوصمة الاجتماعية ونظرات المحيطين بهم.
وتتابع أبو الرب "يواجه الأطفال ذوو الإعاقة صعوبة في الانخراط في المؤسسات التعليمية، وحتى في حال الحصول على إعفاءات، إلا أنها إعفاءات جزئية تبقي العبء المالي كبيرا على الأهل، وحتى المعونة الوطنية التي يتلقاها ذوو الإعاقة في إطار أسرهم لا تتجاوز 40 دينارا شهريا لا تكفي لتغطية أبسط احتياجاتهم".
"وإلى جانب البعد المادي"، تقول أبو الرب، "هناك نقص أو ربما غياب لخدمات الإرشاد للأسر وتوعيتهم بسبل التعامل مع ابنائهم ومع المجتمع المحيط الرافض لهم".
من ناحيته، يبين مستشار الطب الشرعي، الخبير لدى مؤسسات الأمم المتحدة في مواجهة العنف الدكتور هاني جهشان أن "الأطفال ذوي الإعاقات معرضون لعوامل خطورة مضاعفة بسبب هذه الوصمة الاجتماعية التي تلتصق بهم، وبسبب الثقافة الاجتماعية السلبية المتعلقة بهم، وكذلك تفشي الجهل بالتعامل معهم".
ويلفت الى إحدى الدراسات التي بينت "أن احتمال تعرض الطفل ذوي الإعاقة للعنف هو 1.7 ضعف أكثر من الآخرين".
ويتابع "يأخذ العنف ضد الطفل ذي الإعاقة مناحي تتراوح بين الإهمال بتوفير الرعاية الصحية والتأهيلية والتي قد تهدد حياة الطفل بالموت أو الإيذاء الشديد، أو حتى القتل القصد كما شاهدنا في الجريمة الأخيرة البشعة.
ويرى جهشان في "جريمة حرق جثة طفل" دعوة لضرورة مراجعة إجراءات الكشف الطبي الشرعي على الوفيات المفاجئة للأطفال ذوي الإعاقة، حيث بينت دراسة أجريت على 111 طفلا توفوا في ظروف غامضة ومفاجئة خلال عام واحد، "أن 28 منهم (25 %)، كانت لأطفال يعانون من إعاقات حركية وشلل دماغي، وتم الكشف على غالبية هذه الوفيات ظاهريا دون إجراء التشريح الكامل للتحقق من الظروف الحقيقة للوفاة".
ويعرب عن أسفه بأن هذه الإجراءات "تترك المجال لعدم اكتشاف تعرض الأطفال ذوي الإعاقة لجرائم مشابهة كأن يكون قتلا بطرق لا يمكن كشفها إلا بالتشريح".
ويقول إن "الوفيات المفاجئة الغامضة هي لأطفال يعانون من إعاقات مستغربة"، وهي مؤشرٌ جلي على إخفاق المؤسسات المعنية برعاية ذوي الإعاقة في تقديم "الرعاية الخاصة" التي يستحقها كل طفل، معتبرا ذلك انتهاكا يتجاوز حقوق الطفل بالحياة والصحة والحماية إلى انتهاك حق الطفل ذي الإعاقة بهذه الرعاية الخاصة.
وتنص المادة 23 من اتفاقية حقوق الطفل؛ "تعترف الدول الأطراف بوجوب تمتع الطفل المعاق عقليا أو جسديا بحياة كاملة وكريمة... وحقه في التمتع برعاية خاصة".
كما نصت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 25، والتي صادق الأردن عليها على أنه "تعترف الدول الأطراف بأن للأشخاص ذوي الإعاقة الحق في التمتع بأعلى مستويات الصحة دون تمييز على أساس الإعاقة".
ويتابع جهشان "ان قاتل هذا الطفل بكل تأكيد سيعاقب على جريمة قتل عمد، لكن مجرد وقوع هذه الجريمة هو مؤشر على فشل في تكامل خدمات الرعاية للأطفال ذوي الإعاقة من قبل الحكومة والمجالس المتخصصة، وفشل كذلك في برامج مواجهة العنف ضد الأطفال ذوي الإعاقة كجزء أساسي من برامج حماية الطفل عموما".