خبراء يحذرون من آثار غياب أولوية حماية الطفل خلال أزمة كورونا

Untitled-1-528
Untitled-1-528

نادين النمري

عمان - فيما سجلت 3 آلاف حالة عنف واقعة على الأطفال، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، رجح خبراء أن يكون عدد الأطفال الذين تعرضوا للعنف بشتى أشكاله، أعلى من ذلك بكثير، مبينين في الوقت ذاته، أنه "خلال فترة الإغلاق الكامل ولمدة طويلة، تعذر على الكثيرين الوصول إلى منظومة الحماية".اضافة اعلان
وتأتي هذه الآرقام في وقت يشارك به الأردن دول العالم غدا بإحياء اليوم العالمي للطفل، وسط تحذيرات خبراء من الأثر السلبي الذي تسببت به جائحة كورونا على حالة الطفل في الأردن.
وبحسب إحصائية إدارة حماية الأسرة التي حصلت عليها "الغد"، فإنه وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بلغ عدد حالات العنف الواقعة على الأطفال 2999 حالة مسجلة، غالبيتها عنف جسدي، في حين بلغت حالات العنف الجسدي 1653 حالة، أما العنف الجنسي، فبلغ عددها 525 حالة، و645 حالة إهمال، و176 حالة عنف نفسي.
وإلى جانب ترجيحات الخبراء، بأن يكون عدد حالات العنف الواقعة على الأطفال، أعلى من تلك المبلغ عنها، خصوصا مع تصريحات سابقة لمدير إدارة حماية الأسرة، العقيد محمود الفايز، قال فيها، إن نسب العنف ضد الأطفال ارتفعت بنحو 30 % خلال فترة الحظر، فإن الخبراء ذاتهم يحذرون كذلك من تراجع في حالة الطفل بشكل عام تحديدا ما يخص ارتفاع نسب التسرب المدرسي، والتحاق الأطفال بسوق العمل، وزواج الأطفال، فضلا عن الوصول إلى الخدمات الصحية.
ويرى الخبراء، أنه "خلال فترة جائحة كورونا غابت أولوية حماية الطفل والأسرة"، لافتين إلى أن التركيز على مكافحة الوباء كأولوية، أثر على الجهود المبذولة في توفير الحماية للطفل من النواحي الاجتماعية، الأكاديمية، النفسية، الاقتصادية، وحتى الصحية.
ويبين هؤلاء، أنه و"في وقت كانت الجهود مركزة على مكافحة الوباء، فإننا شهدنا تراجعا في الخدمات الصحية نتيجة إغلاق المراكز الصحية بما فيها مراكز الأمومة والطفولة والتي تسببت بتعطيل برنامج المطاعيم الوطني لمدة 40 يوما، وانخفاض تغطية برنامج التطعيم الوطني من 85 % إلى 74 %، أي بتراجع مقداره 11 %، فضلا عن تراجع خدمات الصحية"، مشيرين إلى قضية الطفلة سيرين ذات السبعة أعوام التي توفيت في مستشفى البشير، إثر مضاعفات عملية زائدة منفجرة تم إجراؤها في وقت متأخر نتيجة لعدم وجود أسرة في المستشفى.
وكانت نتائج التقييم السريع الذي قامت به منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حول أثر الجائحة على الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة في الأردن، أظهرت أن "أطفال 17 % من الأسر ممن هم دون سن الخامسة لم يتلقوا التطعيم الأساسي، كما أفاد 20 % من الأسر أنها شهدت زيادة في أسعار الأدوية الأساسية، في حين أكدت 39 % من الأسر عدم قدرتها على شراء مستلزمات التعقيم والنظافة الشخصية باستمرار".
من جانبها، تبين المديرة التنفيذية لمؤسسة درة المنال للتنمية والتدريب، منال الوزني، أنه "في الاستجابة لوباء كوفيد 19 غابت أولوية حماية الطفل، فشهدنا تراجعا في حالة حقوق الطفل في كافة الأصعدة، تحديدا فئة الأطفال الأكثر ضعفا وهشاشة".
وتشير الوزني، إلى إشكالية ارتفاع نسب العنف الواقعة على الأطفال، متطرقة إلى استطلاع رأي قامت به المؤسسة لتقييم تجربة التعلم عن بعد، وأظهرت نتائجه ارتفاعا في معدلات التوتر والعنف داخل الأسرة نتيجة للتعلم عن بعد.
وتضيف، "تشكل المدرسة بيئة تفاعلية متكاملة للأطفال، فهي ليست مجرد مكان لتلقي المعلومة، إنما بيئة متكاملة تساهم بتحقيق النماء النفسي والاجتماعي للأطفال، غيابهم عن هذه البيئة المنظمة جعل منهم أكثر عنفا وأكثر تعرض للعنف".
ووفق الوزني، "مع ازمة كوفيد 19 تراجعت الأوضاع الاقتصادية لنسبة كبيرة من الأسر، ما جعل الأسر أكثر توترا ومع وجود الأطفال الدائم في المنزل، خصوصا خلال أيام الحظر ومنع التجول، إذ أصبح الأطفال أكثر عرضة للتعنيف من قبل ذويهم نتيجة لتفاعلات اجتماعية واقتصادية عدة".
وتلفت الوزني، إلى النتائج التي لمستها من خلال عملها الميداني في مناطق مختلفة في المملكة يقطنها في الغالب أسر من الأكثر هشاشة وفقرا، قائلة، "لمسنا في عملنا انقطاعا تاما عن متابعة التعليم لدى أطفال الأسر الأكثر هشاشة، فليست لدى تلك الأسر القدرة على توفير حزم الإنترنت لمتابعة الدروس، فضلا عن عدم كفاية عدد الأجهزة لديها".
وبحسب مسح لوزارة التربية والتعليم، فقد تبين أن ما لا يقل عن 16 ٪ من الأطفال في الأردن غير قادرين على المشاركة في التعلم عن بعد، إما بسبب نقص الوصول إلى التكنولوجيا أو عدم قدرة الآباء على الدعم.
وتقول الوزني، "في زيارتنا لاحظنا أن الأسر تعطي الأولوية للأبناء الذكور لمتابعة التعلم عبر المنصات، بسبب عدم وجود أجهزة كافية، بالتالي تحولت الفتيات في تلك الأسر إلى حبيسات منازل منقطعات عن التعليم"، مشيرة إلى تأثر الأطفال الذكور كذلك واضطرار بعضهم للعمل، مبدية في الوقت ذاته تخوفا من "صعوبة إعادة إدماج الأطفال في التعليم النظامي بعد العودة نتيجة الانقطاع لفترة طويلة عن التعلم.
وتتفق المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان (ميزان)، المحامية إيفا أبو حلاوة مع الوزني في الرأي، وتقول، "للأسف فإن فئات الأطفال الأكثر ضعفا وهشاشة هم من دفعوا الثمن الأكبر لإجراءات الاستجابة مع الجائحة"، مضيفة، "نتحدث عن ارتفاع كبير في معدلات العنف الواقعة على الأطفال، لكن للأسف لم يتم خلال هذه الفترة توفير آليات للوصول إلى فئات الأطفال الأكثر عرضة للعنف".
وتضيف، "تشكل المدارس والإرشاد التربوي جهة مهمة ورئيسة في الوصول إلى الأطفال المعنفين وتقديم خدمات الحماية لهم، مع غياب التواصل التام بين الأطفال والمدرسة، غابت آلية الحماية هذه".
ووفق أبو حلاوة، "المدرسة ليست مكان لتلقي العلم فقط، فكما وفرت الدولة منصة لتوفير المحتوى التعليمي، يجب أن توفر كذلك آلية لمتابعة الأطفال وتوفير الحماية لهم، ومن المهم الإبقاء على التواصل بين الطلبة ومدارسهم تحديدا أقسام الإرشاد، من خلال التواصل المباشر أو من خلال تحديد أيام معينة يذهب بها الطفل إلى مدرسته".
وتشير أبو حلاوة كذلك، إلى ما حل بالأسر الأكثر فقرا من الناحية الاقتصادية، موضحة "لم يتم وضع آليات استجابة كافية لحماية الأطفال في الأسر الأكثر فقرا وتلبية احتياجاتهم".
وكان مسح برنامج الأمم التحدة الإنمائي، أظهر أن 68 % من الأسر الأكثر هشاشة، فقدت سبل عيشها خلال فترة الإغلاقات، في حين نام 28 % من الأطفال الأكثر ضعفا لياليهم جياعا خلال أيام الحظر.
وتضيف أبو حلاوة، "ما تعيشه هذه الأسر دفع ببعضها إلى تبني سبل سلبية للتكيف مع تراجع وضعها الاقتصادي لتشغيل الأطفال ودفعهم للتسول وتزويج القاصرات".
أما الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، محمد مقدادي، فيقول، إنه "رغم الارتفاع في أرقام بلاغات العنف ضد الأطفال، لكن تلك الأرقام قد لا تعكس الواقع في ظل الجائحة خاصة أنه خلال فترة الإغلاق الكامل ولمدة طويلة، تعذر على الكثيرين الوصول إلى منظومة الحماية، وكان مقدمو الخدمة يعملون بالحد الأدنى، وبالتالي قد يكون الرقم الذي وصل إلى منظومة الحماية مضللا ولا يعبر عن الواقع".
ويشير مقدادي إلى إشكالية التعلم عن بعد أو التعليم الالكتروني، قائلا، "هذا التعليم على المدى الطويل قد يساهم في خلق فجوة بين الطلبة من قطاع خاص وعام، حيث إن المنصات المستخدمة من القطاع الخاص تفاعلية بين الطلبة ومعلميهم، وأيضا هنالك متابعة من قبل المعلمين والمعلمات للطلبة من حيث الواجبات اليومية ووجودهم كل حصة على المنصة وهذا ما لا يحدث على منصة التعليم العام".
ويقول مقدادي، "كلما طال تأجيل إعادة فتح المدارس، قل احتمال عودة الأطفال المنقطعين عن التعليم الإلكتروني إلى المدرسة، ويمكن أن تكون التداعيات كارثية على مستقبلهم مدى الحياة"، مضيفا، "مع ما نشهده من تبعات اقتصادية وارتفاع لمعدلات البطالة نتيجة خسارة المعيلين للأسر لمصادر دخلهم ومع صعوبة الوصول إلى التعليم الإلكتروني، نحن نحذر من إمكانية دخول أعداد أكبر من الأطفال لسوق العمل وانخراطهم في الأعمال الأكثر خطورة أو استغلالهم".
من ناحيته، يقول الخبير في حقوق الطفل، واستشاري الطب الشرعي، الدكتور هاني جهشان، إن "إغلاق المدراس ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وتدني استخدام المستشفيات والعيادات الصحية أدى إلى انخفاض الاكتشاف المبكر وتشخيص حالات العنف ضد الأطفال من قبل المهنيين في هذه المؤسسات، وبالتالي الإخفاق بتحويلها لخدمات الحماية من العنف، كما أن الرعاية والحماية للأطفال المقدمة من قبل الأسر الممتدة، تأثرت سلبا بإجراءات التعامل مع الجائحة".
ويضيف، "أدت إجراءات التعامل المختلفة مع الجائحة، إلى خلل وصعوبات في آليات التبليغ عن حالات العنف الجسدي والإهمال والاستغلال الجنسي، إلى خدمات حماية الطفل، تاركة الأطفال وأسرهم أكثر عرضة لعواقب العنف".
ويشير إلى أن "فقدان أو انخفاض دخل الأسر، قد يؤدي في بعض البيئات الاجتماعية لزيادة في نسبة عمل الأطفال الذكور خارج المنزل وزيادة في عمل الفتيات في أعمال التدبير المنزلي، مما يزيد من نسبة التسرب المدرسي وارتفاع في الأمية، ويرافع عمل الأطفال العديد من أشكال العنف النفسي والجسدي والاستغلال الجنسي".