سورية والعرب: من يعود إلى الآخر وما التكلفة؟

جانب من قصف إسرائيلي على مدينة اللاذقية السورية - (أرشيفية/ ا ف ب)
جانب من قصف إسرائيلي على مدينة اللاذقية السورية - (أرشيفية/ ا ف ب)
زايد الدخيل عمان - فيما تتسارع وتيرة الأحداث الميدانية داخل سورية على نحو غير مسبوق، في الوقت الذي تكثر فيه التكهنات بشأن ماهية المرحلة المقبلة، يتساءل مراقبون حول ما إذا كانت هذه المرحلة ستتمخض عن عودة سورية إلى الحضن العربي، أم عودة العرب إلى سورية. ويتزامن هذا التسارع مع تزايد وتيرة الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية داخل سورية، التي لا تعد بالأمر الجديد، إلا أن التوقيت الذي وقعت فيه يثير التكهنات ويطرح تساؤلات، والتي ينبني جزء كبير منها على فرضية "المشهد الصعب والمعقد" الذي قد تعيشه طهران بالفعل في سورية، ومدى واقعيتها. وهذا المشهد يرى محللون وباحثون أنه ينسحب على ميادين أخرى، أولها الميدان اللبناني وما يعيشه من ضغوط تمارس على "حزب الله"، إضافة إلى الميدان السياسي الخاص بنظام الرئيس السوري بشار الأسد والحراك العربي الحاصل بشأنه، فضلا عن الساحة العراقية التي لا يمكن فصلها عما سبق أيضا. ويرى استاذ العلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، ان الضربات الإسرائيلية المتزايدة على سورية تؤشر إلى انها تهدف الى امرين، الاول هو الضغط على الميليشات في سورية وعلى الوجود الايراني ككل، من اجل دفعهم للانسحاب من سورية خاصة وان إسرائيل اجرت مفاوضات مع روسيا بخصوص الوجود الإيراني في سورية لمحاولة دفع روسيا للضغط على إيران للانسحاب من سورية. الأمر الثاني بحسب شنيكات، هو الضغط على النظام السوري برفع تكلفة الوجود الإيراني في سورية، خاصة وأن الهجمات تضرب مواقع متعددة وحيوية في سورية، وبالتالي يصبح الخيار الأقل تكلفة على النظام السوري هو سحب إيران من المنطقة، وكاننا نفهم ان هذه الضربات تعمق الخلاف بين إيران وسورية، ويعزز ذلك أن الوجود الإيراني لم يعد ضرورة ملحة بعد أن استقرت الأمور لصالح النظام السوري. من جهته، يرى الوزير الأسبق سعيد المصري، ان المشهد ليس متحركا في سورية على مسافة أشهر من دخول الحرب عامها الحادي عشر، فلا طرف استطاع حسم الوضع نهائيا، ولا أحد ربح كل شيء، ولا أحد خسر كل شيء، في ظل مساعي الموفد الدولي لسورية بيدرسون، الذي حاول فتح الباب أمام تسوية سياسية للأزمة التي قادت إلى الحرب، لكن مساعيه فشلت حتى في فتح نافذة صغيرة للحوار حول دستور جديد ضمن اللجنة الدستورية. يضاف إلى ذلك محاولات فك عزلة سورية بجهود روسية ورغبة بعض العواصم العربية في احتضان دمشق بحجة نزعها من "الحضن الإيراني"، وهي محاولات ما تزال محدودة وخجولة. ويضيف المصري: "الجزائر المتعاطفة مع النظام السوري تراجعت عن دعوته إلى حضور القمة العربية في آذار (مارس) المقبل، والجواب الذي تلقته من عواصم عربية عدة هو أن الوقت ليس ناضجا لاستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية". وتابع: "ذلك أن ما تصر عليه دمشق هو عودة العرب إلى سورية، وما تحرص عليه عواصم عربية مؤثرة هو عودة سورية إلى العرب والى الجامعة العربية"، موضحا ان الفارق بين الأمرين كبير، اذ ان عودة العرب إلى سورية تعني بمنطق النظام أن العرب أخطأوا في عزلها، وعليهم تصحيح الخطأ، في حين هناك من يرى ان عودة سورية إلى العرب تعني الذهاب إلى تسوية سياسية، بحسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وإعادة نصف شعبها من اللجوء والنزوح، وإخراج إيران منها، وهذه أيضاً الشروط الأميركية للتشجيع على فك العزلة والمساهمة في إعادة الإعمار. وبحسب المصري، فإن المأزق واضح في سورية من دون تسوية سياسية ومشاركة، ولا إعادة إعمار، ولا عودة كاملة إلى الحضن العربي، ولا خروج لإيران، ولا انسحاب للقوات الأميركية والتركية، ولا نهاية لـ"داعش" والإرهاب. من جهته، يرى السفير السابق سمير مصاروة، أن الأمور الحاصلة حاليا يمكن أن تؤثر على الوجود الإيراني المباشر في سورية، مضيفاً: "هذا أمر منطقي، سواء من خلال الضربات المتسارعة أو دخول بعض دول الخليج على خط إعادة العلاقات مع الأسد". لكن مصاروة يضيف مستدركا: "هل وجود إيران ينحصر في النفوذ العسكري الواضح؟ وهل هناك أي توضيحات حول عمل المستشارين في سورية، سواء في القصر الجمهوري أو القواعد العسكرية التابعة للجيش السوري؟" مشيرا الى ان هذا الأمر تم تجاوزه، والنفوذ الإيراني امتد وتوسع وتشعب في سورية. ويستبعد مصاروة أن يؤثر دخول دول الخليج بعد فتح خط العلاقة مع الأسد بشكل مباشر على النفوذ الإيراني في سورية، والذي تعدى العسكرة لينسحب إلى الحوكمة والاقتصاد والنفوذ السياسي، إلى جانب الحلفاء المحليين في مجلس الشعب، وغير ذلك بكثير. بدوره، يقول السفير السابق احمد مبيضين: "منذ سنوات طويلة، سواء قبل العام 2011 أو بعده، وصفت العلاقة بين سورية وإيران بأنها كعلاقة الزواج الأبدي، بمعنى لا يمكن فصل أي منهما عن الآخر، وذلك لعدة اعتبارات، أولها يرتبط بنفوذ طهران العسكري على الأرض، إضافة إلى النفوذ الذي يتعدى إلى الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية بجزء كبير أيضا". ويضيف مبيضين: "بينما تلتزم إيران برواية رسمية واحدة، قوامها أن وجودها في سورية يقتصر على المستشارين العسكريين، فيما تقول تقارير استخباراتية غربية إن ميليشياتها تنتشر في معظم المناطق السورية، لكن بشكل خفي بعيدا عن الإعلان". وبحسب مبيضين فإن النظام السوري في الوقت الحالي ليست لديه القدرة على تغيير سياسته مع إيران، موضحا ان طهران تلجأ حاليا إلى سبل التصعيد كافة لتعزيز أوراقها على طاولة المفاوضات مع الغرب في ما يخص برنامجها النووي. وبغض النظر عن العراق ولبنان، يرى مبيضين أن مسألة سورية هي المعقدة، مبينا ان إيران ستقاتل بكل ما أوتيت من قوة للبقاء فيها.

إقرأ المزيد : 

اضافة اعلان