"ترى حرارتي ألف".. حالة غضب وانفعال تزداد طرديا مع درجات الحرارة

تعبيرية
تعبيرية

 "حاسس حرارتي ألف.. اختفي من قدامي هلا.. كأني بدي أعمل مشكلة مع أي حدا.. مش طايق أسمع كلمة.. اختصروني ترى الدنيا شوب.. ما عندي طاقة لشي إلا المشاكل".. تلك بعض من العبارات التي باتت تذكر هنا وهناك وتزداد وتيرتها مع ارتفاع درجات الحرارة.

اضافة اعلان


مع الازدياد الملحوظ في درجات الحرارة بالآونة الأخيرة، وتعديها في أحيان كثيرة حاجز الـ40 درجة في أيام متواصلة، تتسيد حالة من العصبية والغضب في الشوارع والطرقات، ففضلا عن الظروف والأعباء وحتى الخلافات والتزامات العمل المتراكمة التي تستنزف الأعصاب، ترتفع الوتيرة والحدة في السلوك مع الحرارة العالية ليكون الغضب والتوتر حاضرا بين الناس، خصوصا من تجبرهم أعمالهم البقاء أوقاتا طويلة بالطرقات وتحت أشعة الشمس.


بعد ما يقارب 4 ساعات من القيادة في أزمة شوارع عمان الخانقة، يبقى لسان حال سعد هاشم الذي يعمل محصلا ماليا "الله يعدي هاليوم على خير"، بعد وقت شاق مليء بالغضب والتوتر والمشاكل.


ويقول هاشم "فوق الشوب اللي احنا فيه كمان أزمة وناس بتكب بلاها عليك في الشارع"، لافتا إلى أن عددا كبيرا من الأشخاص أصبحوا لا يطيقون الكلام في هذه الأوقات.


في حين تؤكد هند أن درجات الحرارة المرتفعة التي لم يعتد الأردنيون عليها لا تؤثر فقط على من هم في الميدان، وإنما أيضا على ربات البيوت اللواتي يمضين معظم يومهن في المطبخ "بين نار الغاز ونار الجو".
وتقول "بقائي لساعات في المطبخ لإعداد الطعام يجعلني أشعر بالعصبية والضيق، لدرجة أني أفقد أعصابي على أقل الأسباب".


يبدو أن ارتفاع درجات الحرارة يلقي بظلاله على الأزواج والأسر وحتى زملاء العمل، الأمر الذي أكدته حنين التي حاولت الالتزام وأولادها البيت بفترة ارتفاع درجات الحرارة خشية أن يحدث أي مواجهة أو شجار بينها وبين زوجها.
وتبين حنين "منذ أن بدأت درجات الحرارة بالارتفاع وزوجي ما بيتحاكى ويعمل مشكلة على أقل الأسباب ويبدأ بالتكسير"، ولعل أكثر الأوقات التي ينفعل بها عند عودته إلى المنزل تكون عيناه حينها "تقدح شرار" وفق قولها. لذلك، قررت عدم التواصل معه أو مناقشته بأي أمر طوال فترة المرتفع.


وأكدت دراسات علمية، أن ارتفاع حرارة الجو المصحوب بارتفاع في الرطوبة، يرتبطان ارتباطاً مباشراً باضطراب الحالة المزاجية والعقلية لدى الإنسان، ويؤثران على الصحة العصبية، وأن زيارات الأطباء النفسيين في أقسام الطوارئ زادت بنسبة 10 % بسبب الحر.


أستاذ الصحة النفسية بمستشفى كلية الطب البشري في جامعة أكدنيز التركية علي أردوغان، قال إن آثار التغير المناخي باتت تلقي بظلالها على العالم بأسره، مشيرا إلى أن درجات الحرارة شديدة الارتفاع تتسبب بحدوث اضطرابات نفسية مثل الغضب والاكتئاب.


وأوضح "أنه في درجات الحرارة الشديدة، تزداد اضطرابات النوم وتنخفض جودته، ما يتسبب في زيادة أمراض مثل الاكتئاب والقلق. فالناس الذين يجدون صعوبة في التنفس خلال الطقس الحار، يعانون من العديد من المشاكل الصحية، وفي مقدمتها اضطراب خفقان القلب وزيادة معدلات نوبات الهلع".


ووفق أردوغان، فإن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في ازدياد معدلات التوتر والحالة العصبية عند الناس، ما يزيد من نسبة المشاجرات والمواقف ذات الأجواء المتوترة، وكذلك الغضب والتوتر بين الأفراد، كما يؤثر سلبا على الصحة السيكولوجية وزيادة حوادث المرور، وجملة من الاضطرابات في الانتباه والتركيز.


في حين تحرص مريم علي على أخذ إجازتها السنوية في شهر آب (أغسطس) بسبب شعورها بالإجهاد الكبير، حيث تتسبب الحرارة العالية بجعلها غير قادرة على بذل أي مجهود في العمل. تقول "أصبح شديدة العصبية في الصيف.. أنفعل بسرعة ولا أطيق أي كلمة من أحد، الأمر الذي يمكن أن يجعلني عرضة لأن أخسر حتى أقرب الناس وزيادة الخلافات وتصاعد ردود الفعل بسرعة".  


اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، يؤكد أن درجات الحرارة العالية التي يمر بها الأردن نتيجة التغير المناخي لها تأثيرات كبيرة على الجانب السلوكي والانفعالي والنفسي للشخص، قد تصل إلى آثار خطيرة.
درجات الحرارة العالية، بحسب مطارنة، تزيد من حالات التهيج النفسي والاكتئاب والسلوك العدواني في التعامل مع الآخرين وكذلك التأثير على مشاكل الذاكرة وسرعة الانفعال وردات الفعل غير المتوقعة.


ولعل ما يزيد من المشاكل النفسية بارتفاع درجات الحرارة؛ قلة النوم واضطرابات في ساعات النوم والساعة البيولوجية والتسبب بحالة من التقلب المزاجي والضغط.


كما أن الحرارة تتسبب في زيادة إفراز هرمون يزيد من حدة الغضب والتوتر وبالتالي يزيد ضربات القلب والتوتر. ويقول مطارنة "تؤثر درجات الحرارة بشكل كبير على الجهاز العصبي في الإنسان وقد يزيد معدل العنف من 4 % الى 14 %".


كما وتتسبب درجات الحرارة في تدهور المزاج والشعور بضغط كبير وانخفاض القدرة على التحمل وبالتعامل المباشر مع الآخرين، وبالتالي تنشب الخلافات لأقل الأسباب.


الدراسات العلمية، بحسب مطارنة، أثبتت أن الأشخاص غير المعتادين على درجات حرارة تفوق 35 يتأثرون بشكل كبير، لذا من المهم الابتعاد قدر الإمكان عن التعرض لأشعة الشمس لأنها تؤثر على الصحة النفسية والجسمية والعصبية.


وعودا على ما قاله أستاذ الصحة النفسية علي أردوغان في جامعة أكدنيز التركية، فإنه لمس زيادة في عدد المرضى الذين يعانون من مشاكل عصبية خلال فترات الطقس الحار، وأن الدراسات العلمية التي أجريت حول العالم تؤكد الأثر السلبي لارتفاع درجات الحرارة على الصحة العصبية، لافتا إلى أن الإحصاءات تظهر زيادة بنسبة 10 % في عدد الزيارات للأطباء النفسيين في قسم الطوارئ خلال فترات الارتفاع الشديد في درجات الحرارة.


وقال "تعد الزيادة البالغة 10 % خطيرة، خاصة خلال الطقس الحار، حيث تزداد أعداد النوبات العصبية وبعض الأمراض النفسية المزمنة وحالات التوتر، فضلا عن أن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة قد يزيد من نسبة نوبات أمراض مثل الفصام والاضطراب ثنائي القطب، ومع اشتداد حرارة الشمس، يميل المزاج العام لدى الناس إما إلى الاكتئاب أو العصبية، إلى جانب الشعور بالإرهاق والكسل".

 

اقرأ أيضاً: 

مع ارتفاع الحرارة إلى مستويات قياسية.. ما تحذيرات الأطباء؟

موجة الحر تعود وتأثيرات على الإنسان بسبب ارتفاع درجات الحرارة