مصابون معزولون: التواصل بالمكالمات المرئية خفف وطأة الوحدة

Untitled-1
Untitled-1

ربى الرياحي

عمان - العزلة الإجبارية التي فرضت على الأربعينية دلال بسبب إصابتها بفيروس كورونا، لم تشعرها أبدا بالوحدة والخوف، بل على العكس كانت قريبة من الجميع قوية بهم متيقنة من أنها محاطة بقلوب تحبها وتهتم بها حتى لو كان ذلك خلف شاشات إلكترونية.اضافة اعلان
هي، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومكالمات الفيديو، استطاعت أن تبدد كل المشاعر المرة المرافقة للمرض والعزلة. تقول "الشعور بالألم يتلاشى حتما حينما نكون بقرب من نحب"، فأولادها وزوجها ووالداها وإخوتها هم سندها الحقيقي، منهم استمدت القوة والأمل، دعمهم لها ووقوفهم إلى جانبها ومعايشتهم لأدق التفاصيل التي مرت بها، كل ذلك ساعدها كثيرا وجعلها تتخطى تجربة المرض بقوة وإيمان كبيرين.
مكالماتها معهم طوال اليوم خففت عليها الكثير وأنستها ولو لوقت قصير حقيقة أنها بعيدة عنهم لا تستطيع لمسهم أو الاقتراب منهم، فالمريض في تلك الأوقات بحاجة ماسة لدعم من حوله كلاما وإحساسا وأنه قادر على تجاوز أصعب الظروف وأقساها بمحبة واهتمام أشخاص يقدرون وجوده ويعنون له الدنيا وما فيها.
المرض من أقسى التجارب التي تمر على الإنسان وترهقه وتستنزفه، وبالتأكيد تزداد التجربة قسوة وصعوبة عندما يضطر المريض للابتعاد عن أحبته وأقاربه وأصدقائه. وهذا تماما ما يحدث مع مصابي كورونا وضرورة خضوعهم للعزل من أجل حماية غيرهم.
خصوصية الظروف المحيطة بهذا المرض وسرعة انتقاله المخيفة تفرض على المصابين فكرة العزل حتى عن أقرب الناس إليهم وتبقيهم محرومين من مخالطة أي أحد حرصا على سلامة الجميع. لكن وجود مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة إجراء مكالمات بالصوت والصورة وتوفر الإنترنت في كل مكان تقريبا، هي أمور في الحقيقة غيرت من شكل العزلة حتما وقربت المسافات بين المصابين وذويهم وأيضا زادت من عمق التواصل بينهم وجعلتهم على تماس مباشر مع من يحبون.
هذه الوسائل بالطبع لها دور كبير بإشعار المريض بالأجواء العائلية وبحب الناس ومساندتهم له، هي لم تفقده تلك المشاعر مطلقا بل على العكس قربته من أشخاص ربما لم يكن يتواصل معهم من قبل بشكل كافٍ.
الخمسينية علياء وهي أم لإحدى المصابات بفيروس كورونا، تقول إن المريض يقوى بأحبته وأصدقائه وبالدعم المتواصل الذي يمنحونه له، لافتة إلى أن قسوة تجربة كورونا تكمن فعليا بحجر المريض وعزله عن محيطه، وهذا واقعيا يضاعف من خوفه وألمه. وتستدرك حديثها أن الوضع كان سيبدو أقسى مما هو عليه لو لم يكن هناك مواقع تواصل اجتماعي وتلك المكالمات المدعومة بالصوت والصورة.
وتبين أن ابنتها أصيبت بالفيروس وهي طالبة جامعية وكغيرها تم عزلها بالفعل، لكنها مع ذلك واجهت الموضوع بشجاعة لم تخف أو تتذمر بل لجأت لمواقع التواصل من أجل أن تكون على اطلاع بكل ما يجري خارج تلك الجدران التي ورغم قسوتها لم تشعر وهي خلفها بالملل أو الوحدة.
تقول الأم إن الدعم الذي تلقته ابنتها من عائلتها وأصدقائها وزملائها وأساتذتها وذلك من خلال مكالمات الفيديو التي كانت تجريها معهم أثناء فترة عزلها، قواها حتما وأشعرها بأهميتها وبأنها قادرة على أن تكون قريبة من الجميع رغم بعدها عنهم. وتشير إلى أنها كانت تعيش في عزلتها حياة شبه طبيعية وتداوم على حضور محاضراتها وتتابع كل ما هو جديد وتتواصل مع صديقاتها المقربات.
ويرى الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان أن الإصابة بفيروس كورونا لها آثار صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية على المصاب وأسرته؛ إذ إن المصاب بحاجة إلى أن يحجر نفسه ويبتعد عن الآخرين لأيام عدة، وقد تصل إلى أسبوعين في حال عدم ظهور أعراض للإصابة أو كانت الأعراض خفيفة. ولأن ظروف الحجر أو العزل لها آثار نفسية على الشخص، وفق سرحان، فإن ذلك يتطلب بقاءه دون تواصل شخصي مع أقرب الناس إليه، وهو أمر ليس سهلا خصوصا أن طبيعة الإنسان بحاجة إلى التواصل ومجالسة الناس وهي حاجة فطرية للإنسان.
ويبين أن توفر وسائل الاتصال والتواصل وانتشارها بشكل واسع يسهم كثيرا في تسهيل التواصل بين الناس ليس فقط في الظروف العادية، بل إن هذه الوسائل أكثر أهمية في ظروف الحجر أو العزل نظرا لتوفرها في كل الظروف.
وبالرغم من وجود بعض السلبيات لوسائل التواصل في الظروف العادية، الا أنها متفاوتة من شخص لآخر وتعتمد في الأغلب على طبيعة الشخص وقدرته على إدارة ذاته ووقته وأن لا يكون أسيرا لهذه التكنولوجيا بإدارتها والاستفادة منها لا أن يكون ملكا لها.
ووسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها تمكن الشخص المعزول الذي لا يعاني من ظروف صحية صعبة من التواصل مع الآخرين بسهولة وفي جميع الأوقات ومع جميع أنحاء العالم وبتكلفة بسيطة، ونظرا لطول فترة الحجر، فإن الشخص يمكنه أن يستفيد من وقته بما يعود عليه بالنفع والفائدة، بحسب سرحان.
كما يستطيع الموظف متابعة معظم أعماله عن بعد، بل إنه يتابع موظفيه إن كان مسؤولا ويوجههم ويكون على تماس معهم ليس فقط من خلال الاتصال والمحادثة الهاتفية بل من خلال الصورة والبث المباشر، والطالب أيضا يمكنه متابعة دروسه وأن يستفيد منها مما ينشر على المنصات التعليمية أو مواقع الجامعات والكليات كما يمكن للمعلم أو أستاذ الجامعة أن يتابع طلبته ويقدم لهم الدروس والحصص والمحاضرات، والذي لديه هوايات معينة كالمطالعة أو الرسم أو الكتابة أو مشاهدة الأفلام أو قراءة القصص وغيرها وكل ذلك توفره وسائل التواصل وبتقنيات عالية.
وكما أن هذه الوسائل مفيدة ومهمة للشخص المعزول فهي أيضا مهمة للأسرة والأصدقاء إذ تمكنهم من الاطمئنان الدائم على هذا الشخص ومتابعة أموره. إن وجود وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها وتنوع الخدمات التي تقدمها نعمة كبيرة للإنسان في جميع الظروف إن أحسن استخدامها والتعامل معها، ولعل الكثير من الأشخاص وجدوا أنفسهم مضطرين خلال فترة الوباء لتعلم الكثير عن كيفية استخدام هذه التقنيات.
وحتى كبار السن وجدوا فائدة كبيرة في وسائل التواصل التي تسهم في إدامة التواصل مع الجميع بالصوت والصورة المباشرة مع تحقيق التباعد الجسدي. وفي كل الأحوال، لا بد من الانتباه لبعض المخاطر الصحية لاستخدام أجهزة الهاتف والكمبيوتر في حال استخدامها لساعات متواصلة ومراعاة عدم تأثيرها على العيون بشكل خاص أو غيرها من الحواس.
ويقول الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة "إن لمواقع التواصل الاجتماعي والمكالمات المدعومة بالصوت والصورة دورا كبيرا ومهما في تجاوز المصاب بفيروس كورونا ألم العزلة المفروضة عليه وتخطيها بأقصر وقت ممكن، إضافة إلى أن هذا التواصل حتما يساعده على قتل الفراغ والشعور بالوحدة، وبالتالي يجنبه فكرة التمركز حول الذات ومرارة التجربة".
ويتابع أن الإنسان في ظروف المرض تحديدا يكون بحاجة ملحة لمن يتكلم معه ويخفف عنه ويدعمه ويسانده نفسيا، هو ومن خلال هذه الوسائل يجد نفسه قريبا من عائلته وأصدقائه، وخاصة تلك المكالمات التي تجعله على اطلاع بكل التفاصيل. وهذا بالطبع يبعده تلقائيا عن الألم والخوف وفكرة أنه بعيد عن أحبته وعالمه.
ويبين أن وجود مثل هذه الوسائل، وخاصة في الظروف الاستثنائية، يمنح المصابين المعزولين شعورا بالراحة والأمن النفسي، كما يمكنهم من معرفة كل من يتفاعل معهم ويحس بهم، وهذا بالطبع له مردود عاطفي لكونهم قادرين على التواصل مع أهلهم وأولادهم وإخوتهم وأصدقائهم.
ويؤكد أن شعور المريض بقرب من يحب يرفع حتما من مناعته ويجعله أقدر على مقاومة المرض، كما أن تواصله المستمر معهم حتى وإن كان إلكترونيا يخفف من كمية الضغط النفسي الذي يعيشه جراء العزل والألم.