الدور التنويري لـ"الأوقاف"

لا يظنّنَّ أحد أني أسخر، فلأي مؤسّسة حكوميّة دور تنويريٌّ مأمولٌ بالضرورة، ما دامت تعتاش على ضرائبنا التي تحصِّلها من قوتنا اليوميّ، ونريد منها أن تنفقها على معاني التقدّم في العلم والأخلاق. ذلك أنّ لأي مواطن ومواطنة الحقّ في المساءلة أين تذهب أموالُهما، وكيف تُنفق. وإذا كانت الدولة تعلن أنها بصدد محاربة الإرهاب، وهي أولويّة مطلقة، فإن حرّاس النوعية يتحملون ذكوراً وإناثاً مسؤولية الإشارة والإلحاح في التحليل والتحذير لما أصاب المجتمع من انهيار في العلم والأخلاق، وهي كلفةٌ عاليةٌ وثقيلةٌ لا تخفى على كلّ ذي ضمير.اضافة اعلان
إذن، إن دورنا أن ننبّه من أجل تصحيح مسارٍ أو خلل، وتأجيج تنوير. ومن هذه المسارات التي ينبغي أن نقف عندها، وهو حقّ لنا كمواطنات ومواطنين، ودافعات ضرائب ودافعين، الدور التنويري لوزارة الأوقاف (بعيداً عما هتف به وزيرها مؤخّراً حول محاربة الانحلال والإلحاد الذي لا نرى لهما في المجتمع الأردني أي حضور! ولهذا حديثٌ آخر)، إذ لابدّ لهذه الوزارة المسؤولة عن الشأن الدينيّ الإسلاميّ من دَورٍ تتصوّره لمكافحة الإرهاب؛ الإرهاب الذي لا يتجلّى إلا وهو يلبس لَبوساً دينيّاً للأسف، ويتجه نحو سطوة وتغلغل لم يشهدهما التاريخ الحديث من قبل. ولا أتحدّث ها هنا عن تلك الخطة الحكومية التي وُضعت العام 2014، فقد مرّت مياهٌ كثيرة تحت الجسر، وها نحن نعيشُ عولمة مرعبة للإرهاب، وما وُضع لقبل عامين لا يصلح لما بعد عامين قطعاً.
تتولى وزارة الأوقاف ترخيص بناء المساجد، وها هي قد وقَعَت خلال العقود الماضية في التساهل في الترخيص، دون أن تدرس كُلف صيانتها وتشغيلها ورواتب عمالها وموظفيها وقدرة الوزارة على الوفاء بكل ذلك، ناهيك عن قدرة الموازنة العامة! فكان أن صار لدينا ستة آلاف مسجد، بحيث تزدحم المنطقة الواحدة بعدد منها، دون حاجة فعلية إليها جميعاً. هذا جانبٌ من الخلل يتحدّث فيه الجميع بمن فيهم الوزير.. فما العمل؟ وإذا كان ينبغي محاسبة جميع وزراء الأوقاف السابقين منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي على هذا الأمر، فإن على الوزارة الحاليّة أن تخبرنا بخطتها كيف ستتعامل مع هذه التركة من المنشآت الدينية المكلفة والتي تشكو الحكومة نفسها من ثقل عبئها عليها!
كما أن مؤسّسة الوعظ والإرشاد في الوزارة لم تعد من حاجة إليها بعد أن انتشر التدين في ربوع الوطن، وغدت النساء في الغالب الأعم محجَّبات، وامتلأت الشوارع وجدران المؤسّسات العامّة والخاصّة بيافطات التسبيح والتكبير والتهديد بالعذاب، وعلا ترتيل القرآن في أسواق الخضرة والصيدليات والمستشفيات ومحلات البيع والشراء دليلاً قاطعاً على سموِّ الإيمان الذي غدا الشعب الأردني يتحلّى به. ولكن ما الذي سنفعله بالوعّاظ من الجنسين؟
سنسمي الدائرة أو القسم بـ"مكافحة الإرهاب باسم الدين"، وسيحصل الوعاظ من الجنسين على تدريب مهنيّ للبدء في حملة التوعية في مجتمع الأمهات والآباء والمدارس، ما كان منها بتسميات وشعارات إسلامية، وما كان منها حداثياً، وفي كليات الشريعة والجامعات ومراكز تحفيظ القرآن، وفي دور الوعظ الخاصة التي تُقام في البيوت، وفي الجمعيات التي لها صبغة دينيّة.. في حملة وطنيّة شفافة وعلنيّة.. هذا إذا كانت الوزارة فعلاً بصدد تنفيذ ما تعلنُ عنه "محاربة الإرهاب"! وللحديث بقية.
دعونا لا نفقد الأمل..!