"بابا مرزوق".. مدفع جزائري أرعب الاستعمار الفرنسي

thumbs_b_c_d279b69423f71134f1962ea70dd3b379
thumbs_b_c_d279b69423f71134f1962ea70dd3b379
الجزائر- استعادت الجزائر قبل أشهر، جماجم أبطال المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، لكن لا زال أرشيف هذه الحقبة وحتى أملاك رمزية بحوزة باريس، أبرزها مدفع "بابا مرزوق" الذي أرعب الفرنسيين إبان العهد العثماني. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، قال عبد المجيد شيخي، المستشار بالرئاسة الجزائرية في مقابلة مع مجلة "الجيش" المحلية، إن "عددا من الملفات ستكون محل مفاوضات بين الجزائر وفرنسا مثل ملف الآثار والتحف المنهوبة من قبل جيش الاستعمار الفرنسي". وفي 10 سبتمبر/أيلول الماضي، خصص التلفزيون الرسمي في نشرة الأخبار الرئيسية مساحة زمنية مهمة لحكاية مدفع "بابا مرزوق". ونقل التلفزيون الرسمي في تقريره، آراء جزائريين مقيمين في فرنسا يطالبون بإعادة المدفع المنصوب حاليا بساحة مدينة بريست غربي فرنسا، إلى الجزائر. بأمر من الحاكم العثماني للجزائر، باي حسن آغا، صنع مدفع "بابا مرزوق" عام 1542، تحت إشراف المصمم الإيطالي سيباستيانو كورنوفا، بمصنع الأسلحة "دار النحاس" المحاذي للقصبة العتيقة بالعاصمة الجزائر. ويعد "بابا مرزوق"، أحد أقدم المدافع الجزائرية إبان العهد العثماني (1518- 1830)، حيث تم نصبه على رصيف ميناء العاصمة، وبقي هناك إلى غاية سنة 1830. وقال المؤرخ الجزائري الراحل بلقاسم باباسي، في كتابه "ملحمة بابا مرزوق.. مدفع الجزائر" (صدر عام 2010)، إن المدفع أبقى العاصمة قلعة حصينة لمدة ثلاثة قرون. وأضاف باباسي في كتابه: "المدفع فريد من نوعه في القرن 16، ويعتبر رائد المدافع التي أنجزتها دار النحاس بالجزائر، صنع من مادة البرونز، طوله حوالي 7 أمتار ووزنه 12 طنا، ومسافة قذف تساوي أو تتجاوز 5 كلم". وأضاف: "استولى الفرنسيون على المدفع عام 1830عند احتلالهم للجزائر، وكان ضمن مجموعة من التحف التراثية والعسكرية، ثم نقل إلى فرنسا عام 1833 بناء على طلب الأميرال دوبيري، الذي راسل وزير البحرية الفرنسية في 6 أغسطس (آب) يطلب منه نقل المدفع إلى بلاده". وأطلق الفرنسيون على مدفع "بابا مرزوق" تسمية "القنصلي"، نسبة إلى قذف عدد من الدبلوماسيين الفرنسيين عبر فوهته تجاه البحر ومن بينهم "ألاب لوفاشي"، سفير الملك لويس الرابع عشر. ووضع لوفاشي، على فوهة المدفع وقذف في البحر عام 1683، حسب ما ذكر المؤرخ الجزائري الراحل أبو القاسم سعد الله، في كتابه "الحركة الوطنية الجزائرية". وأوضح سعد الله، أنه "بعد 4 سنوات تكرر الأمر مع بيول خليفة لوفاشي (1688)، أثناء قصف دوكيني قائد أسطول لويس الـ14 مدينة الجزائر". وسط تباين الآراء حول إمكانية استرجاعه، يظل مدفع "بابا مرزوق" التاريخي في الأسر الفرنسي، بعد نحو 190 عاما على "سرقته". وبالمقابل استعادت الجزائر في 3 يوليو/تموز الماضي، جماجم ورفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، كانت معروضة بمتحف "الإنسان" بباريس. ويرى المؤرخ والمحامي الجزائري، عامر رخيلة، أن استرجاع مدفع "بابا مرزوق" يبقى رهين قوى ولوبيات (جماعات ضغط) مهيمنة على القرار السياسي في فرنسا. وأضاف رخيلة، في حديث لمراسل الأناضول، أن "المدفع يندرج ضمن ملف الأرشيف الجزائري الذي سرقته فرنسا". وأردف: "الاستعمار حاول الاستحواذ عليه عدة مرات، وتمكن من سرقته ونقله إلى فرنسا، ووضع في المتحف لفترة معينة". وتابع: "محاولات استعادة المدفع والأرشيف المسلوب اقتصرت منذ تسعينيات القرن الماضي على دعوات المؤرخين والمجاهدين (قدماء حرب التحرير 1954-1962)." وتأسف قائلا: "كنا ننتظر الحصول عليه في السنوات السابقة، ولكن الإدارة الفرنسية أبت تسليمه للجزائر، نظرا لرمزيته". واستطرد: "هذا المدفع الذي يمثل قوة البحرية الجزائرية وقتها في المتوسط، لأكثر من 3 قرون من الزمن". ووفق المحامي رخيلة، فإن "موقف الجزائر ظل باهتا منذ الاستقلال (1962)، حتى بدأت مسألة الأرشيف تطرح في السنوات الأخيرة". واستدرك: "تمكنت الجزائر من استعادة بعض الأرشيف المادي من حلي تقليدية ووثائق وكتب وآلات عسكرية". وأوضح أن "استرجاع المدفع لن يكون إلا إذا رُبط بالملف الاقتصادي وما يتعلق بالعلاقات الثنائية على هذا الصعيد بين البلدين". وبرر ذلك "بوجود لوبيات وقوى مهيمنة على القرار السياسي في فرنسا، تمنع تسليم المدفع إلى الجزائر (..) ستبقى هذه اللوبيات حاجزا أمام استعادة المدفع وكامل الأرشيف الجزائري". وحول رمزية المدفع، أكد رخيلة، أنها كبيرة جدا، "تعكس قوة الجزائر إبان العهد العثماني وهيمنتها على البحر المتوسط". وأردف: "الجزائر وقتها ألحقت خسائر جسيمة بفرنسا والغزاة الأوروبيين، لذلك مدفع بابا مرزوق له خصوصية استثنائية". وأفاد قائلا: "المدفع أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر وقبله (1830)، كان بمثابة الواقي والحامي لمدينة الجزائر". وذكر أنه "كان يستعمل لقهر الفرنسيين لاسيما الذين كانوا يحاولون التسلسل إلى المدينة، فبعد القبض عليهم يوضعون في فوهته ويُقذفون في البحر". الباحثة الجزائرية في التاريخ والآثار، فايزة رياش، تعتقد أن "استعادة مدفع بابا مرزوق ليست مستحيلة، كما حدث مع جماجم أبطال المقاومة الشعبية". وقالت مديرة قصر "رياس البحر" (حكومي)، للأناضول، إن "الجزائر لن تتوقف عن المطالبة باستعادة إرثها الثقافي ومنه مدفع بابا مرزوق". وأضافت أن "استرجاعه ليس مستحيلا، خاصة بعد العمل الكبير للسلطات باسترجاع جماجم المقاومين الجزائريين". وتوقعت المتحدثة، أنه "سيعود يوما ما، مثله مثل باقي القطع الأثرية الموجودة بمتحف الإنسان بباريس". وحول قصة المدفع، أفادت بأن "الجزائر أنشأت نظاما دفاعيا لمراقبة واعتراض الغزاة عن طريق البحر، وساعدها موقعها الجغرافي". وتابعت: "النظام الدفاعي بين 1518 و1830 كان يعتمد على حفر المتاريس والخنادق حول مدينة الجزائر أو كما تسمى (المحروسة) لعرقلة عمليات إنزال الأساطيل". وأوضحت أنه كان "للتصنيع العسكري آنذاك أهمية كبرى، لصد حملات الأعداء، فكانت الجزائر تقتني وتصنع المدافع، فتأسست دار النحاس كمصنع عسكري". وأردفت: "عام 1542، قرر الحاكم باي حسن آغا بالاعتماد على مختص من البندقية (إيطاليا) صناعة مدفع بابا مرزوق". واستطردت: "كان المدفع موضوعا في مرسى الذبان قبالة البحر أو ما يسمى حاليا (لابوانت بيسكاد) بالعاصمة". واستدركت: "مدفع بابا مرزوق ساهم في قصف أسطول الملك لويس الـ14 سنة 1683، كما صد حملة 1688، وعند سقوط مدينة الجزائر، نقل إلى فرنسا تخليدا لذكرى مقتل الدبلوماسيين بهذا المدفع". ولفتت الباحثة، إلى أنه "نُصب بمدينة بريست، ووضع فوق فوهته ديك يرمز حسب فرنسا إلى انتصارها على الجزائر". واستمرت فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر بين الأعوام 1830 و1962، حيث تتفاوض الجزائر وباريس، منذ 4 سنوات مضت، حول 4 ملفات تاريخية عالقة، تخص تلك الفترة. ويخص أول الملفات، الأرشيف الجزائري، الذي ترفض السلطات الفرنسية تسليمه، فيما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية. بينما يتعلق الملف الثالث بالتعويضات لضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين أعوام 1960-1966، والملف الرابع يتناول المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200 شخص، حسب السلطات الجزائرية.-(الأناضول)اضافة اعلان