حرب إسرائيل الإعلامية

لم يكن قصف إسرائيل لأبراج إرسال محطات تلفزيونية لبنانية واعتداءاتها على صحافيين عرب جرائم خارج سياق منهجي هدفه التعتيم على الحرب الهمجية التي تشنها على لبنان.ذ

اضافة اعلان

فإسرائيل أدركت منذ بدء عدوانها أنها ستخسر الحرب الإعلامية. وتلك كانت حسبة صحيحة. فصور الدمار الذي تلحقه آلتها العسكرية بلبنان تثبت أن عدوانها لا يبرر.

لذلك، فإن ما تريده إسرائيل هو إدارة حربها بعيداً عن أعين الناس لأن الجرائم التي ترتكبها تكذب ادعاءاتها المدعومة أميركياً بأنها تدافع عن نفسها.

لم تنجح إسرائيل، ولن تنجح، في كتم أفواه الإعلام العربي مهما فعلت. لكن الدولة الصهيونية استطاعت بنتيجة تراكمية لجهود امتدت عقودا أن تضمن صورة مشوهة للحرب في وسائل إعلام أميركية عديدة.

الصورة التي يراها الأميركيون عن الحرب مختلفة تماماً عما يراه العرب. فبالإضافة إلى الرقابة التي تفرضها إسرائيل على التغطية الإعلامية فيها، تستفيد الدولة الصهيونية من شبكات إسناد ذات ثقل في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.

النتيجة أن إسرائيل تنجح في تقديم نفسها في أميركا ضحية لعدوان همجي من حزب إرهابي يشكل خطراً على أميركا وعلى إسرائيل في آن.

وها هو توماس فريدمان، الصحافي الذي عاش الحرب الأهلية اللبنانية وأرّخ لها في كتابه من "بيروت الى القدس"، يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بالمطلق: إسرائيل تدافع عن نفسها ضد تهديد وجودي يمثله حزب الله الذي يخوض حرب وجود لا حدود مع الدولة الصهيونية.

وليتابع من يريد أن يعرف أكثر كيف تقدّم الحرب الى العيون الأميركية تلفزيون "فوكس" الذي يحظى بانتشار كبير في الولايات المتحدة. فعلى شاشة هذا التلفزيون، تخوض إسرائيل الضحية أيضاً حرباً مشروعة في مواجهة إرهاب حزب الله.

ولا تجد مشاهد الدمار التي ألحقتها اسرائيل بالبنية التحتية المدنية في لبنان وجثامين الأطفال الذين قتلتهم حضوراً ملفتاً على هذه الشاشة.

أما العرب فقليل هم بواكيهم في أميركا. ويمكن، بالطبع، إلقاء اللوم على الانحياز المبدئي لإسرائيل عند عديد وسائل إعلام أميركية. لكن ذلك لا يلغي أن القصور التاريخي الذي ميز الأداء العربي الدولي في تسويق مواقفه والتعبير عن قضاياه ما يزال حاضراً. والنتيجة تشويه جديد لحقيقة ما يجري في لبنان، ونجاح إسرائيلي آخر في تصوير العرب على أنهم إرهابيون همجيون لا ينتمون إلى الحضارة الإنسانية.