قانون اللامركزية الذي نريد

المحامي الدكتور طارق الحموري

بدأ الحديث عن قانون اللامركزية منذ سنوات عدة. وسمعنا نقاشات وحوارات كثيرة في الأوساط السياسية، كما الشعبية والإعلامية، حول الغاية من هذا القانون، وشكله المأمول والمتوقع. إلا أن أياً من الحكومات السابقة لم تقم، بحسب علمي، بتقديم مشروع رسمي لهذا القانون. ولا نعلم ما إذا كان عدم إقدام تلك الحكومات على مثل هذه الخطوة يعود إلى خلاف حول الغاية منه، أو حول شكله، أم أنه لم يكن له حاجة أو أولوية على غيره من القوانين في زمن تلك الحكومات. إلا أن الحكومة الحالية تقدمت بهذا القانون الذي طال الحديث عنه، وهذه خطوة تحسب لها.اضافة اعلان
إن الغاية من أي تشريع، كما هو مستقر في أبجديات القانون، هي تنظيم أو معالجة مسألة أو مسائل محددة، تحقق في نتيجتها الأهداف التي يصبو إليها واضعو التشريع، ضمن السياسة العامة للدولة. إذن، فما التشريع إلا مجموعة من القواعد القانونية المصاغة بصورة فنية، للوصول إلى الهدف المنشود تحقيقه.
وبالرغم من الجهد الكبير والعمل الحرفي والمعقد الذي يقوم به القانونيون الذين يتحملون عبء صياغة القانون أو التشريع، على اختلاف أشكاله، إلا أن نقطة البداية تبقى تحديد الهدف والغاية من التشريع. وهنا يبدأ سؤالنا عن الهدف المنشود تحقيقه من قانون اللامركزية.
أتمنى أن تشتمل أهداف قانون اللامركزية على ما يلي:
1. تمكين المواطنين من المشاركة في صنع القرارات التي تمسهم بشكل يومي على المستوى المحلي، من خلال المجلس المنتخب والمُساءل والمحاسب من قبلهم.
2. المساهمة في رفد كفاءة الأداء على المستوى المحلي. ذلك أنه من المتوقع والمأمول أن تكون جل المجالس المحلية المنتخبة لها دراية وقدرة كبيرتان على تلمس احتياجات مناطقها وناخبيها، ومعرفة الصعوبات والمعيقات التي تواجه القرارات المحلية، ما يستتبع مساعدة المجالس المنتخبة للإدارة المحلية على رسم أهداف تنموية واقعية، والمساعدة على تحقيقها؛ كتشجيع الاستثمارات في مناطقها وحمايتها، والمساعدة في خلق فرص عمل.
3. المساهمة في مأسسة العمل الديمقراطي، وترسيخ مفاهيمه لدى الناخبين والمرشحين. ذلك أن طبيعة عمل أعضاء المجالس المنتخبة تتمثل في العمل على تحقيق أهداف تخدم المجتمعات المحلية، وتساهم في تحسين ظروفها المعيشية. والقيام بهذا الدور، يؤدي إلى إقناع الناخبين بإعادة انتخاب أعضاء المجالس المحلية في الدورات القادمة، أو ربما يكون ما حققوه من إنجاز رصيداً شعبياً يمكنهم لاحقاً من الترشح للانتخابات النيابية.
وقياساً على التجارب العالمية المشابهة، فإن هذه الممارسة تستتبع تكوين كتل محلية شبه سياسية، تترشح على أساس برامج واضحة، معدة ومدروسة مسبقاً، لإنجاز أهداف محلية تنموية. ومع مرور الزمن، قد يصبح الترشح للمجالس المحلية على هذا الأساس، جزءاً مهماً من العمل الحزبي، الأمر الذي يعزز العمل الديمقراطي على مستوى الوطن. إذ إن تحقق هذا، أو جزء منه على الأقل، سيمكّن الناخبين من محاسبة من انتخبوهم على أساس ما أُنجز من برامجهم الانتخابية، مما سيشجع التنافس بين كتل أو أحزاب المرشحين على أساس البرامج الانتخابية وما يتحقق منها، الأمر الذي قد يساهم في تحقيق ما ذكرناه في النقطتين السابقتين؛ من رفد كفاءة الأداء على المستوى المحلي، وتشجيع مشاركة المواطنين في صنع القرارات المحلية. وهذا قد يساهم في تجذير العمل الديمقراطي وممارسته على مستوى الوطن كاملاً.
4. إفراز قيادات منتخبة وتدريبها على العمل الديمقراطي والعام. فخلق مجالس محلية منتخبة تشارك في صنع القرارات المحلية، أو رسم سياستها، سيفرز مع الزمن قيادات واعية ومدربة ومجربة في العمل العام، قادرة على التصدر للعمل العام على مستوى الوطن بكفاءة وقدرة كبيرتين، كما أثبتت تجارب العديد من الدول، مثل بريطانيا و الولايات المتحدة الأميركية.
5. تخفيف العبء الخدماتي عن أعضاء مجلس النواب. ذلك أن ترك جل القرارات والسياسات المحلية للمجالس المحلية المنتخبة والمعينة، قد يساهم في أخذ كم كبير من الحمل الخدماتي الذي يقوم أو يضطر للقيام به الكثير من أعضاء مجلس النواب، وبما يمنحهم تالياً المزيد من الوقت للتركيز على القضايا الوطنية في الرقابة والتشريع.
قد تكون الأهداف السابقة طموحة جداً، وغير قابلة للتحقيق في وقت قصير. لكن هذا لا يمنع من السؤال عما إذا كانت هذه الأهداف، أو بعضها على الأقل، متحققة أو مأمولة التحقق من قانون اللامركزية المطروح حالياً من قبل الحكومة.