هل يصمد قاطنو الخيام في وجه مخاطر التغير المناخي؟

تجمع لقاطني الخيام في إحدى مناطق محافظة الكرك - (الغد)
تجمع لقاطني الخيام في إحدى مناطق محافظة الكرك - (الغد)

الكرك - بات العيش بالخيام، واعتماد حياة الترحال، لمئات الأسر في محافظة الكرك، أمرا خارج حسابات القبول والرفض، في ظل ظروف جديدة، تفرضها التغيرات المناخية التي تضيف أعباء على هذا النمط المعيشي المفتقر أصلا لأبسط متطلبات الحياة اليومية.    

اضافة اعلان

 
لسنوات قليلة مضت، كانت حياة قاطني الخيام منسجمة إلى حد كبير مع دورة الفصول شبه المنتظمة، والتي تحدد مواعيد التنقل والترحال بين مناطق الدفء شتاء والسهول التي توفر المراعي مع بداية الربيع إلى نهاية فصل الصيف.


ووفق قاطني خيام التقتهم "الغد"، فإن العيش بالخيام واعتماد أسلوب الترحال وفق دورة الفصول الأربعة، بات أمرا صعبا، نتيجة ما تشهده المنطقة من تغير في الظروف الجوية، والذي تبعه إما تأخر بتساقط الأمطار أو موجات حر لا تحتمل في مناطق كانت فيما مضى تتميز بأجواء لطيفة، فيما الأكثر خطرا عواصف ورياح في غير موعدها أتت في أكثر من مرة على خيام أسر وتسببت باقتلاعها وتشيرد هذه الأسر.  
ولفتوا أنهم وعلى مدار سنوات طويلة، اعتادوا الترحال من منطقة الى أخرى وفق برنامج زمني معروف قد يتم تأخيره أو تسبيقه ولكن بفارق بسيط، الا أنه ومع تغير المناخ باتت معرفة مواقيت الترحال والتنقل أمرا لا يخضع لحسابات الفصول، فمن غير المعروف متى يبدأ تساقط الأمطار وإلى أي شهر يمتد.  
وتعتبر العديد من التقارير والدراسات العالمية التي اجريت حول المشاكل التي من الممكن أن تواجهها البشرية بسبب تغير المناخ بأن تغير المناخ هو أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، وتضر تأثيرات المناخ بالفعل بالصحة، من خلال تلوث الهواء، والأمراض، والظواهر الجوية الشديدة، والتهجير القسري، والضغوط على الصحة العقلية، وزيادة الجوع وسوء التغذية في الأماكن التي لا يستطيع الناس فيها زراعة المحاصيل أو العثور على غذاء كاف. 
حرب حمدان، أحد قاطني الخيام، اعتاد أن يتنقل وأسرته في مركبة متهالكة وامتعة خفيفة جارا وراءه قطيعا من الماشية صوب حقول الشعير والقمح شرقي محافظة الكرك، في كل موسم بعد عملية الحصاد لتوفير الأعلاف لماشيته. 
وينصب حرب بيت الشعر الذي يعتمده كمنزل في كل منطقة يحط ترحاله فيها، قبل أن ينتقل مرة أخرى لمنطقة جديدة في دورة حياة مستمرة تعتمد البحث الدائم عن الماء والكلأ في مناطق الدفء والأجواء المناخية الملائمة. 
يقول حرب، "رغم أن حياتنا صعبة وتفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم، إلا أننا اعتدنا عليها ونواجه التحديات بإرادة وعزيمة".
ويتابع "الآن اصبحنا نواجه تحديات جديدة، قد لا نستطيع الصمود في وجهها، حياتنا أصبحت أمام تهديدات تفرضها الظروف الجوية ومن غير المعروف كيف يمكن أن تصمد خيامنا الرثة في وجه عواصف محتملة ورياح شديدة وتساقط غير منتظم للأمطار وموجات حر غير مسبوقة".
حرب لم يخف معاناته المستمرة والدائمة من حياة الترحال مضطرا وراء لقمة العيش.
ويستذكر معاناة الأطفال في الوصول للمدارس وغياب الكهرباء والمياه النظيفة للشرب والاستخدامات الأخرى. 
ورغم عدم توفر أي أرقام لأعداد المواطنين القاطنين في بيوت الشعر أو خيام الخيش في محافظة الكرك، إلا أن مصادر رسمية متعددة تؤكد أن أعدادهم كبيرة وهم ينتشرون في مختلف مناطق المحافظة وينتقلون بين مناطق وألوية الكرك وخصوصا الأغوار الجنوبية وبعض المناطق الملاصقة بالمحافظات الجنوبية.  


وبالمجمل، يعيش قاطنو خيام الخيش وبيوت الشعر ظروفا صعبة خلال موسم الشتاء خاصة، حيث تتطاير خيامهم وتتهاوى فوق رؤوسهم.


يقول الناشط الاجتماعي عفاش العمامرة من سكان منطقة باير شرقي الكرك إن هناك سكانا بالمناطق الشرقية من قاطني بيوت الشعر يعيشون ظروفا صعبة وسط غياب الخدمات المختلفة والتي يضطر معها طلبة المدارس إلى السير مسافات طويلة للالتحاق بمدرسة إحدى القرى والبلدات القريبة من مناطق سكنهم.


وأضاف أن هؤلاء الأشخاص يعانون من غياب خدمات المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الصحية ويواجهون معاناة شديدة في الحصول عليها. 


وبين أن لقمة العيش الصعبة تدفع هؤلاء إلى الترحال طوال العام مقتادين معهم مواشيهم صوب أي منطقة توفر الأعلاف لها، لافتا أن التغير المناخي الذي تشهده كافة المناطق بات عبئا جديدا على سكان الخيام قد يتطلب إعادة النظر بهذا النمط المعيشي الصعب.   


وتقطن مئات الأسر بالكرك الخيام وبيوت الشعر وقد اعتادت كل عام ترك مناطق الكرك إلى الأغوار مع أول موسم الشتاء، وهم في أغلبهم من مالكي المواشي التي يعتاشون عليها، إضافة إلى عمل بعضهم في المزارع الشتوية التي يبدأ إنتاجها مع بداية شهر كانون الأول (ديسمبر). 


وتحذر كافة الأجهزة المعنية وبشكل دوري ساكني الخيام من خطر الاقتراب والتواجد بجانب مجاري السيول خلال تساقط الأمطار، وسط دعوات بضرورة مغادرة هذه الأماكن، في وقت يرفض العديد الانتقال رغم علمهم بخطورة بقائهم معللين ذلك بعدم وجود بدائل وان حياتهم قائمة أصلا على المخاطر ومواجهة ظروف ما اسموها بـ "الحياة البرية".


وكان 62 شخصا ينتمون لسبع أسر تقطن الخيام في منطقة الأغوار الجنوبية قد فقدوا بداية العام خيامهم بعد أن تطايرت بفعل الرياح الشديدة التي شهدتها المنطقة. 


واستدعت الحادثة تدخل جهات رسمية وأهلية على وجه السرعة لإجلاء الأسر من مواقعها إلى مبان تابعة للبلديات والأندية حرصا على حياتهم وتوفير المسكن المؤقت لهم واحتياجاتهم المختلفة لحين بناء خيام جديدة. 


يقول سلامة شواهين من قاطني خيام الخيش بلواء قصبة الكرك إنه وأسرته يرتحل طوال الوقت طلبا لأعلاف ماشيته.


وبين أنه وفي موسم الأمطار ينتقل من الكرك إلى الأغوار الجنوبية، هربا من البرد القارس والأمطار اللذان لا يمكن لخيمته أن تحميه منهما، قائلا "السنوات الأخيرة ازدات الأوضاع  صعوبة، بتنا نشهد ظروفا جوية في كافة المناطق لم تكن في السابق، هذه الظروف تعد تحديات جديدة على حياتنا المليئة بالتحديات".  


رئيس الجمعية الوطنية للتأهيل المجتمعي فتحي الهويمل يؤكد أن أعدادا كبيرة من المواطنين  يقطنون في بيوت من الخيش بالأغوار الجنوبية صيفا وشتاء لعدم وجود مكان آخر لهم. واعتبر أن هؤلاء الأشخاص باتوا عرضة للأذى من أي وقت مضى نتيجة الرياح الشديدة التي تؤدي لتطاير خيامهم بالإضافة إلى تأثير الغبار والرمال على الاطفال، وهي ظروف جوية جديدة تزداد حدتها سنة تلو الأخرى. 


وغالبا ما تبتعد مئات الأسر التي تقطن خيام الخيش وبيوت الشعر من برودة الطقس شتاء في محافظة الكرك، إلى دفء الأغوار الجنوبية، في رحلة لا تخلو من المخاطر والحوادث ليس أقلها تعرض خيامهم للاحتراق نتيجة اضطرارهم لإشعال النار التي يعتمدون عليها في إعداد الطعام وأحيانا لتدفئة وإنارة الخيام.


وكان متصرف الأغوار الجنوبية عاطف البطوش، قد أكد في تصريحات سابقة لـ "الغد"  أن منطقة الأغوار الجنوبية تشهد كل موسم شتاء قدوم أعداد كبيرة من المواطنين، وهم من الأسر المرتحلة، ويأتون للسكن بالأغوار هربا من البرد ومن أجل العمل في موسم الزراعة، لافتا إلى أن هناك متابعة لأحوال هؤلاء المواطنين، وخصوصا في فترة الشتاء والأمطار حرصا على حياتهم.


وبين أن المتصرفية تعد خطة سنوية للظروف الطارئة في موسم الأمطار وتضعها موضع التنفيذ وكل منطقة لها خصوصية وبحيث يتم تحديد أماكن الخطر من حيث السيول وشدة الرياح واثرها على قاطني الخيام. 

 

اقرأ المزيد:

سكان الخيام بالكرك.. رحلة متكررة لدفء الأغوار محفوفة بالمخاطر