أول متطوعة أردنية وعربية تدخل إلى القطاع لمداوة جراح أهلها

الطبيبة أسيل الجلاد لـ"الغد": أهل غزة أعادوا تعريف معنى الإنسانية لي - فيديو

الطبيبة أسيل الجلاد
الطبيبة الأردنية أسيل الجلاد متحدثة للغد (تصوير ساهر قدارة)

**أهل غزة يستحقون الحياة على أرضهم لأنها أرضهم
**قدمت خدمتي كطبيبة لكن هذا يشعرني بالعجز أمام تضحياتهم
**سرير ولادة واحدة فقط ونحو 11- 15 حالات توليد يوميا
**المرأة في غزة نموذج للمرأة القوية المؤمنة الصابرة والراضية والممتلئة بالحياة
**أنا كفرد لا أستطيع إلا أن أقدم نفسي كطبيبة نساء وتوليد لذلك قررتُ الذهاب إلى غزة



"لا يوجد شيء أقدمه سوى نفسي"، هكذا عبرت الطبيبة الأردنية أسيل الجلاد، عن دافع ذهابها إلى قطاع غزة الذي يواجه أهله حرب إبادة جماعية منذ أكثر من 200 يوم، على مرأى ومسمع العالم.

اضافة اعلان


وبتأثر وبكم كبير من العاطفة والكبرياء، ترى الجلاد وهي أول طبيبة أردنية تدخل قطاع غزة للتطوع لتضميد جراح الناس، الذي تُركوا يواجهون مصيرهم وحدهم أمام آلة قتل إجرامية بضوء أخضر غربي أنها من قابلتهم هنالك ليسوا سوى أبطال خارقين في هذا الزمن".


فكل قصص البطولة في الأساطير وحتى الإلياذة نفسها تخجل مما يصنعه الغزّيون من بطولات وتضحيات وصبر وحب للحياة، وهو ما تؤكد عليه الطبيبة المختصة في "النسائية والتوليد" التي تعتقد أنها لبت نداء الإنسانية وقامت بالواجب الملقى على عاتقها كفرد في المجتمع يرى أن نصرة إخوانه وأخواته المستضعفين في هذه الأرض فرض عين.


وتؤكد الجلاد أنه كحال غيرها، أثرَ العدوان على غزة فيها وهي تطالع كل يوم عذابات وآلام الأبرياء هناك وتزداد مع كل يوم معاناة النساء والأطفال.


وتقول في مقابلة مع "الغد" إنه "في الحروب والأزمات تغدو النساء والأطفال الحلقة الأضعف وهم أكثر الفئات عرضة للخطر وبحاجة الى الدعم والرعاية والعناية".


وتضيف: "قمنا بلم التبرعات وإرسالها، وفرغنا غضبنا على مواقع التواصل الإجتماعي وخرجنا في المسيرات والاحتجاجات، وعلمنا أطفالنا وثقفناهم ولا يزال العدوان مستمرا ولا تزال النساء في قلب المعاناة".


وتتابع: "لا يوجد شيء أقدمه سوى نفسي، كطبيبة نسائية وتوليد لا سيما وأن اعداد النساء الحوامل التي تعانين في القطاع بازدياد مستمر".


وأكدت أنها استطاعت عبر الهيئة الطبية الدولية أن تكون أحد المتطوعين في المستشفيات الميدانية في جنوب غزة تحديدا في رفح لتكون بذلك أول طبيبة أردنية وعربية متطوعة.


رحلة أسيل الجلاد، لم تكن خالية من التحديات والصعاب وتستذكر أنه غادرت إلى القاهرة من عمان، ثم من هناك إلى معبر رفح الذي وصلته بعد 15 ساعة رغم المسافة القصيرة.


وتؤكد أن ذلك جزء من معاناة الغزيين المستمرة منذ وقت طويل.


" نساء غزة من زمن آخر "


تواصل حديثها عن نساء غزة وتؤكد أن قصص البطولة الخيالية التي كنا نسمع عنها أو نقرأها جسدتها نساء غزة على أرض الواقع، إنهن بطلات خارقات في هذا الزمن وفي كل زمن، الصبر والإيمان عندهن ثقافة.


وتتابع: "لقد استطاعت نساء غزة أن تخلقن شكلا آخرًا من القيادة الحقيقية والإدارة كما لم نعرفها من قبل حيث الكثير من النساء تلد وتتحمل آلام المخاض ثم تذهب لتدير شؤون باقي أسرتها، ومنهن أيضا من فقدن أزواجهن وأخوتهن الذكور واستطعن أن يتولين إدارة حياة عائلاتهم رغم الجوع والتهجير ومشاعر الفقد والحزن، لقد أدين أدوراهن كاملة كنساء وكزوجات وكأمهات ومناضلات جمعيهن من مختلف الأعمار والفئات".


وتضيف: "كما أن النساء هناك ورغم ما يتعرضن لها لم يفقدن رهافتهم الإنسانية ودماثتهم حيث كنّ يقدمن لي الشكر والاعتذار".


ولم تشعر "أسيل" بالغربة أو الاغتراب هناك، فكان لها قدر كبير من التقدير والاهتمام، كامرأة أولا، إذ كان الاتصال العاطفي بينها وبين ونساء غزة متيناً.


تقول وهي تستذكر بطولات النساء هناك: "لقد منحوني شعور الأهمية وكأنني أهم إنسانة بالنسبة اليهن ".


وكأردنية ثانيا كان لوقع حضور "الجلاد" بين نساء غزة مختلفا وفق حديثها، حيث قالت: "الأردن نقطة حساسة بالنسبة لأهل غزة، وهم مرتبطون بنا عاطفيا واجتماعيا وثقافيا ولديهم قناعة أن الأردن وأهل الأردن لم يتركوهم أبدا".


وحول ما تريده نساء غزة تقول: "العدالة والإنسانية ووقف العدوان أولا وثانيا وأخيرا هي كل ما تريده النساء في غزة".


وتردف: "ما أن تنتهي الحرب فإن نساء غزة وكل أهل غزة سيصنعون ويخلقون حياة جديدة تليق بهم وبصمودهم وتضحياتهم ".


" منظومة صحية مدمرة "


تضيف الطبيبة الأردنية أن 70-80% من المنظومة الصحية مدمرة سواء فيما يخص المنشآت أو العاملين في القطاع الطبي أو العلاجات والأدوية وغيرها.


وتؤكد أن صعوبة توفر الإمكانات الطبية كانت تحول في الكثير من الأوقات من تقديم الخدمة الطبية، مشيرة إلى أن عدد الحالات التي كان يتعامل معها قسم النسائية والتوليد حوالي 100-120 حالة يوميا في العيادات الخارجية، ونحو 11-15 حالة ولادة يوميا، كما بلغ عدد العمليات القيصيرية من 2-4 عمليات يوميا.


وتشير الى أن أوضاع النساء الحوامل تزداد سوءا نظرا للظروف الصعبة المرتبطة بسوء التغذية والراحة الجسدية والنفسية وغياب الفحوصات المخبرية والمتابعات الدورية.


واعتبرت أنه "في العديد من الحالات كنا نضطر لتجنب التدخلات الجراحية نظرا لقلة الإمكانات الطبية، لافتة إلى أن العديد من النساء تعرضن لإجهاض أطفالهن بسبب النزيف الحاد.


وحول ظروف العمل تحت القصف والعدوان، تقول الجلاد: "لقد كنت خائفة في الأيام الأولى لكنهم كان يمدوني بالقوة والطمأنينة باستمرار، ثم اعتدت بعد ذلك على أصوات الطيران وتحديدا الزنانة كما يناديها أهل غزة، واستطعتُ لاحقا أن أفصل بين مشاعري وبين العمل".


وتتابع: "إننا كأطباء جئنا الى هنا طوعا لنخدم الإنسانية وهذا هو الهدف الأسمى لنا جميعا . إن تطوعي في غزة هو الذي منحني أهمية كطبيبة".

 

"الوداع على أمل اللقاء "


قيل لا ينسى الإنسان أبدا كيف جعلته يشعر، تلك المشاعر التي يتركها أحد ما في أعمقانا لا تُمحى من الذاكرة ولا تُنسى مع الزمن، فكيف إذا جاءت في أعتى لحظات الخوف والألم وفقدان الأمن.


بالبكاء الجارف وبألم حارق يخترق شغاف القلب وبالشعور بأن ما قدمته لا يكفي، ودعت الطبيبة أسيل الجلاد قطاع غزة حاملة معها قصصا لا تنسى وذكريات لا يمحيها أو يخدشها الوقت.


وتاركة خلفها كما تقول "عائلة ثانية" تؤكد على لقاء يتجدد معهم في وقت قريب وأن الحرب لا بد أن تنتهي .


وتصف لحظة وداعها للقطاع بأنها "أصعب لحظات حياتها خاصة أنها تغادر والعدوان لا يزال مستمرا"، مضيفة أنهم "ليسوا أرقاما وليسوا أقل انسانية، وأن ما فعلناه هناك كان لاعطاء بعد إنساني لكل ما يتعرض له أهل غزة".


وفي كلمة وجهتها للمنظمات الإنسانية والدولية، تؤكد أن "الإنسانية لا تتجزأ والإنسان هو نفسه في كل بقعة في الأرض بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه، والإنسان الفلسطيني الذي عاني عبر التاريخ من ويلات الحروب هو الأحق بالأمن والسلام والحياة الكريمة .


وتردف: "العدالة تكمن في الإنسانية وما نشهده اليوم هو انعدام هذه العدالة وغيابها .لا يستحق أهل غزة ما يحدث لهم، بل يستحقون الحياة الكريمة على أرضهم لأنها أرضهم ".


وفي رسالة وجهتها لأهل غزة عبرت بفخر: "شكرا على إعادة تعريف الانسانية بالنسبة لي. وتحديدا معنى الايمان والصمود والصبر، ولأنكم أشعرتموني أنني بطلة رغم أن ما فعلته لا يرتقي ابدا لما تقدمونه أنتم من قوة وصبر".


وختمت قائلة: "ستنتهي الحرب لا محالة، وسيعيش أهل غزة على أرضهم بدون حصار أو عدوان، وأنها ستزورهم قريبا".

 

  

 

اقرأ المزيد : 

هذا ما يحتفظ به طبيب أردني عائد من غزة