على أبواب هيكلة التعليم.. هل ستتحقق التطلعات لإصلاح القطاع؟

1715026240882337700
مبنى وزارة التربية والتعليم -(أرشيفية)

في وقت كشف فيه النقاب عن الملامح العامة الخاصة بـ"وزارة التربية والموارد البشرية"، التي ستحل بديلا عن وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، تبرز على السطح تساؤلات عديدة، منها: هل التصور الأولي المتداول لعملية الدمج، سيرتقي بالعملية التعليمية ويحقق الإصلاح التعليمي المنشود؟.

اضافة اعلان


وكان مجلس الوزراء، وافق في جلسته المنعقدة في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، على التوجهات العامة لتطوير وإصلاح منظومة التعليم عبر ما يلي: إنشاء الوزارة الجديدة، تحت مسمى "وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية"، بحيث تكون مسؤولة عن إدارة التعليم في مراحله: (التعليم التأسيسي، والعام، والتدريب المهني، والعالي)، وبما يضمن مواءمة وتكاملية المدخلات والمخرجات لتلك المراحل كافة.


وفي هذا النطاق، ستكون الوزارة الجديدة، هي الخلف القانوني والواقعي الناشئ عن: دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، في الوزارة الجديدة، الى جانب إلغاء مؤسسة التدريب المهني، ونقل وظائفها ومهامها الى الوزارة الجديدة، بما يضمن التركيز على مأسسة منظومة التدريب المهني وجودة مخرجاتها، ونقل ملف ترخيص الحضانات في مرحلة الطفولة المبكرة من وزارة التنمية الاجتماعية إلى الوزارة الجديدة.


كما تضمن قرار مجلس الوزراء، النموذج الجديد للوزارة المنشأة من 5 وحدات تنظيمية، تغطي مراحل التعليم ومجالات عمل الوزارة، على ان تحدد بالتالي الأمانة العامة للتعليم التأسيسي: لتغطي مراحل الطفولة المبكرة وتتضمن (الحضانة، والروضة 1 و2، والصفوف 1 و3، وتخصيص الأمانة العامة للتعليم العام: لتغطي الصفوف من الصف الـ4 الى 12، الى جانب الأمانة العامة للتعليم والتدريب المهني، لتغطي الصفوف من 10 الى 12، وتخصيص الأمانة العامة للتعليم العالي، بالاضافة للأمانة العامة للتخطيط الإستراتيجي وإدارة الأداء.


وفي هذا الصدد، قال وزير التربية والتعليم السابق د. تيسير النعيمي، إن "التصور المتداول هو تصور أولي، غطى التوجه العام لدمج التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي بوزارة التربية وتنمية الموارد البشرية".


وأضاف النعيمي، ان دمج الوزارتين بوزارة واحدة، خطوة صحيحة وفي الاتجاه السليم، وذلك لعدة اسباب، تتعلق بضمان انسجام السياسات وتناغمها بين القطاعات الفرعية المؤلفة لمنظومة التنمية البشرية، أكانت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي أو التدريب المهني والوحدات القائمة حاليا، والجهات ذات العلاقة بذلك، مثل هيئتي: المهارات والاعتماد لمؤسسات التعليم العالي، وهذه تعنى بصورة اساسية، بتنمية الموارد البشرية، وبالتالي فإن جمعها تحت مظلة واحدة، خطوة صحيحة.


وأكد النعيمي، أن الدمج يسعى لإحداث تناغم بين سياسات القطاع، بحيث تكون اكثر فاعلية والتصاقا مع الاهداف الوطنية المتعلقة بتنمية الموارد البشرية التي جرى التأكيد عليها مرارا في اطار إستراتيجية تنمية الموارد البشرية التي اطلقت في عام 2016، وعبر خطة التحديث الاقتصادي.


وقال إن "الدمج سيحقق هذا الهدف، اذا ضمنا الآليات المؤسسية التي تسعف بان تكون هذه السياسات متناغمة، أما اذا بقيت هذه المجالس كما كان الوضع السابق، تعمل الى حد ما بمعزل عن بعضها من دون النظرة الوطنية العامة للسياسات الكلية المتعلقة بالتنمية البشرية وتناغمها مع السياسات العامة، فبالتأكيد لن نحقق الهدف المنشود".


واكد النعيمي، ان نتائج خطة الدمج لا تعتمد على مجرد هيكل تنظيمي جديد من حيث وجود 5 أمناء عامين، أو إلغاء مديريات التربية، وانشاء ادارة في كل محافظة، فالعبرة ليست بانشاء هذه الوحدات والأمانات التنظيمية العامة، وإنما يعتمد الأمر بصورة أساسية، على كيفية سير هذا الدمج، وماهية المسارات التي نضمن فيها توحيد العمليات بين هذه الأمانات وتناغمها وعدم ازدواجيتها ووضوح مصفوفة الصلاحيات. 


وفرق النعيمي بين الدمج وإعادة الهيكلة، مبينا أن ما نحتاجه ونتمناه، هو هيكلة فعلية عميقة، لا مجرد دمج، بحيث تشمل الهيكلة تعديلا لمهام الوزارة وهياكلها وقنوات التواصل ودوائر صنع القرار، لإحداث تحول عميق، ليس في أطر الحوكمة حسب، وإنما في العلاقات الداخلية والخارجية، وتنطوي على تغييرات مؤسسية على المستويات الكلية والوسيطة والمصغرة، وفي مستوى الحوكمة والثقافة والمهام الرئيسة والمؤسسية والخدمات المساندة.


ولفت الى ان التناغم في السياسات، هو المبرر الأساس بإعادة هيكلة منظومة تنمية الموارد البشرية، بحيث يدفع باتجاه تنمية الموارد البشرية الأردنية لتكون أكثر تميزا وتنافسية، وقادرة على إحداث نقلة نوعية في تطوير التعليم، ما يتطلب توحيد قنوات الاتصال ومسار السياسات بين المجالس والأمانات العامة والقطاعات المختلفة، بحيث نضمن عن طريقها تناغم السياسات باتجاه تحقيق تنمية حقيقية للموارد البشرية عبر التعليم والتدريب.


ولفت النعيمي، إلى أن هناك مجلسين أعيد تشكيلهما بمسمياتهما وفق التصور الجديد، هما مجلسا: التعليم التأسيسي والعام، والتعليم العالي وتطوير المهارات، بحيث يتضمن التعليم العالي والمهني والتقني، وهذ خطوة جيدة تسير في الاتجاه السليم.


وبشأن انشاء 5 وحدات تنظيمية تغطي مراحل التعليم كافة، أكد النعيمي أن تنظيمها جاء متوازنا ومنطقيا، وبهذه الصورة سنضمن وجود التخصصية والتركيز على القطاع الفرعي بشكل افضل، وعدم التداخل في المهام.
وبين أن التصور الاولي، يعتبر متوازنا ومنسجما مع الممارسات العالمية.


وأبدى النعيمي تحفظه على: إلحاق الصف الاول والثاني والثالث بالأمانة العامة للتعليم التأسيسي الذي يغطي مراحل الطفولة المبكرة، وتتضمن: الحضانة والروضة الأولى والثانية والصفوف من 1 إلى 3.


وقال إن تحفظه مرده يعود إلى كيفية ضمان انتظام خبرات التعلم في المناهج بين التعليمين: التأسيسي والعام بعد الصف الثالث، ولا بد الانتباه لذلك حتى لا يكون هناك انقطاع في تدفق خبرات التعلم، ويجب أن يكون هذا التدفق سلسا ومرتبطا بحاجات الطالب والمجتمع في المراحل الدراسية، مشيرا إلى ان التصور المقترح لم يتطرق إلى الخدمات المساندة، مبديا تخوفه من زيادة عدد وحدات الخدمات المساندة، لكونها ستتبع كل أمانة عامة، إلا إذا عولج الأمر في الهيكل التفصيلي.


وأكد النعيمي، أن هناك عدة نقاط إيجابية في هذا التصور، منها: ضمان التخصصية والتركيز على القطاع الفرعي في التعليم: التأسيسي والعام والمهني والعالي، وهذه ميزة نحتاجها.


ومن النقاط الإيجابية للتصور الأولي أيضا، وفقه، هو اعادة تنظيم مديريات التربية والتعليم بحيث تكون هناك إدارة للتعليم في كل محافظة، وهي خطوة متقدمة، لافتا الى ان إنشاء هذه الادارة في كل محافظة، سيضمن حسن استغلال الموارد بشرية للتعليم، بخاصة المعلمين والادارات المدرسية، بحيث يجري توزيع هذه الموارد واستغلالها على نحو أفضل.


فضلا عن إعادة تشكيل هيئة اعتماد وضمان جودتها مع هيئة تنمية وتطوير المهارات الفنية، لتصبح هيئة الاعتماد وضمان الجودة لكل منظومة تنمية الموارد البشرية، وهي خطوة متقدمة، بحيث ستضمن تناغم المعايير، وبالتالي تشكل رافعة لتطوير التعليم اذا ما احسنا وضع الادوات اللازمة، وفق منظومة تقييم وضمان جودة متماسكة.


واشار النعيمي، الى ان نقل مهام البحث العلمي وصندق البحث العلمي الى المجلس الاعلى للعلوم التكنولوجيا، خطوة صحيحة، كونها ستوحد الموارد الوطنية، اكانت مالية او بشرية تحت مظلة واحدة، لتلافي الازدواجية.


وفي رده على سؤال لـ"الغد" حول ما اذا كان هذا التصور الاولي لعملية الدمج سيرتقي بالمنظومة التعليمية، أوضح أنه من الصعب الإجابة على هذا السؤال، كون الهياكل التنظيمية لا تضمن بالتأكيد جودة مخرجات التعليم، من الممارسات التدريسية والتعليمية والتدريبية، مبينا انه من المبكر جدا، الحكم على نجاح الدمج من عدمه. 


ولفت النعيمي الى ان الهياكل التنظيمية المتوازنة والرشيقة، وضمان تناغم وانسيابية السياسيات والعمليات جميعا، عوامل حاسمة وممكنة للنظام التربوي لتحقيق أهدافه، بخاصة من أجل تحسين نوعية التعليم. موضحا أن ما نشر في هذا الصدد، هو مجرد تصور عام للهيكلة، وبالتأكيد هناك عمل فني جرى في المراجعة والمقارنة وصياغة المهام الرئيسة والمؤسسية وتسكين الأفراد على الهيكل التنظيمي، مبينا أهمية وجود خطة لإدارة التغيير.


بدوره، بين الخبير التربوي محمود المساد، ان تجربة مديريات التربية والتعليم الميدانية على مستوى المحافظات أكثر نجاحا، متسائلا: ألم تكن هذه التجربة سابقا، ومن التجارب التي تجاوزناها إلى مستوى الألوية، أملاً بالمتابعة الأكثر التصاقا بالميدان والأفضل لتحسين التعليم.


وقال المساد، ان وجود 5 وحدات تنظيمية، سيحدث بينها تدخلات واشتبكات بما يتصل بالميدان، فالمديريات الميدانية تتبع إداريا لأحدها وفنيا لأخرى، وتقويم الأداء والاعتماد ينقسم بين جهتين، لافتا الى ان كل التوقعات كانت تتجه الى إصلاح التعليم وتطويره، بما يساير توجهات جلالة الملك عبدالله الثاني التي عبّر عنها في ورقته النقاشية السابعة، ووجه بها في أكثر من خطاب ومناسبة، لكن هذا التغيير الكبير بصورته المتداولة، لن يحقق الإصلاح التعليمي المنشود.


من جانبه، قال مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي بوزارة التربية والتعليم سابقا د. محمد أبو غزلة، إن الأنظمة التعليمية، هي من تنتج القوة الحقيقية للتنمية والتقدم للفرد والمجتمع في أي بلد، وبالتالي تعمد الدول إلى إجراء عمليات دمج بين المؤسسات التعليمية من منطلق تحقيق نتائج تربوية، واقتصادية، عبر الاستثمار بالتعليم، لضمان مخرجات منسجمة مع متطلبات سوق العمل التنافسية الداخلية والخارجية.


وبين أبو غزلة كنت وما زلت من مناصري الدمج بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، ودعوت لإعادة التفكير بطبيعة النظام المركزي الحالي لهاتين الوزارتين، والذي يجب أن يتغير ليصبح مركزيا في التشريعات والسياسات والأطر العامة والمتابعة والرقابة والمساءلة، واللامركزية في التنفيذ داخل الوحدات التعليمية بالميدان التربوي والتعليمي، وبالتالي تخلي مركز الوزارة عن الكثير من المهام وإسنادها للميدان التعليمي.


وأشار إلى أن ما صدر في الهيكلية التي صدرت وبموافقة مجلس الوزراء ونشرت، لن يسهم بتطوير منظومة التعليم، ولن تتحقق الغايات منها، فلا يعقل أن يجري عمل مثل هذه الكيانات في ظل نظام مركزي إداري ومالي في المملكة.


وأشار إلى أنه لا يمكن إعادة اجترار تجارب سابقة لم يكتب لها النجاح بإعادة هيكلة الوزارة أو دمجها مع وزارة التعليم العالي حين استحدثت إدارات عامة في التربية والتعليم بمراكز المحافظات، ومكاتب للتربية في الألوية، برغم اختلاف المتغيرات المتعلقة بنطاق الإشراف وأعداد الطلبة والمعلمين والمدارس وغيرها.


وتساءل أبو غزلة عن جدوي تقليص عدد مديرات التربية والتعليم لـ12، حتى وإن منحت صلاحيات أكبر، إذ أن طبيعة النظام الإداري في الإشراف وتخصيص الموازنات مركزي،

 

كما أن تقليص عدد مديريات التربية لم يأخذ بالاعتبار، نطاق الإشراف والمتابعة، وقد اختلف ذلك وفقا للمؤشرات الإحصائية التربوية لكل محافظة. 


وبشأن استحداث مجالس للتعليم الأساسي والعام، ومجلس للتعليم العالي وتطوير المهارات، والذي يضم: التعليم العالي والمهني والتقني التطبيقي، تساءل أبو غزلة عماذا اختلف ذلك عن المجالس الموجودة حاليا غير تغيير المسميات، وكنا نأمل بأن يكون هناك مجلس واحد ومستقل وليس مرتبطا بهيئة ضمان الجودة، لأن مهام هيئة ضمان الجودة مختلفة عن مهام هذه المجالس.


ورأى إن إلغاء مجلسي التربية والتعليم واستحداث 3 مجالس لن يسهم بتطوير التعليم، ولن يحقق الغاية من الدمج، لضمان تكامل السياسات والخطط والبرامج، متوقعا أن تنشأ هيئة مستقلة للتعليم المهني والتقني بدلا من دمجه، لافتا إلى أن نقل ترخيص الحضانات لوزارة التربية بدلا من وزارة  التنمية الاجتماعية، سيزيد من أعباء الوزارة.


واعتبر بأن استحداث 5 أمانات في الوزارة، وفصل المراحل عن بعضها، بحيث تكون مهامها: تطوير سياسات ومؤشرات خاصة بكل مرحلة، وكأننا في منظومة التعليم نعمل في جزر متفرقة، متناسيا أن منظومة التعليم بنائية، وأهدافها متكاملة، يجب أن تحقق المخرج النهائي لعملية التربية والتعليم.


وتابع، كنت أتمنى أن تصدر إعادة هيكلة لقطاعي التعليم العام والعالي، لضمان تكامل بين  السياسات التعليمية في القطاعين، ضمن تكامل الأدوار والوظائف والمهام والمسؤوليات للتعليم بشقيه العام والعالي، لأن التكامل في التخطيط للتعليـم وتنفيذه وإدارته من مرحلة الطفولة حتى نهاية المرحلة الجامعية، سيحقق بالفعل، توحيد الجهود والسياسات، ووفرا كبيرا في الموارد البشرية والموازنات المخصصة للوزارات وتوجيهها لخدمة اهداف النظام التعليمي.


كما كنت أتمنى، وفق أبو غزلة، أن تتضمن الهيكلة مواد تشجعها على الاستثمار، وتقديم دعم مالي مرتبط بالأداء، وأن تسند لها عملية القبول الجامعي، ووفق سياسات محددة ومقرة  ليستغنى عن نظام القبول الموحد، بالإضافة لهيكلية تنظيمية على المستوى القيادي وهذا من شأنه ضمان التكامل في التخطيط للنظام التعليمي في الدولة بجميع قطاعاته، وكذلك ضمان التكامل بين الأدوار في التعليم والتدريب بين الكوادر البشرية في المدارس والجامعات، وتسخير عمليات البحوث والدراسات لتطوير عناصر المنظومة التعليمية في القطاعين العام والعالي.

 

اقرأ المزيد : 

"التربية" تجري اختبارا وطنيا لطلبة "الرابع" اليوم